من أهم المكاسب التي ربحتها المقاومة في هذه المعركة، هو ما يطلق
عليه: القوة الناعمة، والتي تنوعت مجالاتها، ما بين الفن، والخطاب الديني الداعم،
أو من تكفل بالرد على الشبهات التي تثار، من باب التشتيت، أو التخذيل، لكنهم كانوا
لها بالمرصاد، فأتوا عليها، وكل هذه المجالات كانت دعما قويا لأهل
غزة.
إلا أن هناك مجالا شعبويا، وله مساحة كبيرة لدى الجماهير، فيه جهد لم
يتم رصده حتى الآن في هذا السياق المهم، سياق: القوة الناعمة، وهو المجال الرياضي،
ولسنا نقصد هنا الرياضيين أنفسهم، من مواقف لرموز كبيرة منهم، مثل: النني، ومحمد
صلاح، وكريم بنزيما، وغيرهم من المشاهير الكبار الذين كانت لهم مواقف داعمة لأهل
غزة، وإن تأخر لاعب كمحمد صلاح.
بل ما نقصده هنا، أن هناك مساحة في اليوتيوب، ومن أهل التعليق، مساحة
في المحتوى لدى يوتيوبرز وصانعي محتوى، هي ـ فيما أعتقد ـ غير مسبوقة، فهي صنعت
مزيجا من تقديم المعلومة الرياضية، من أشخاص يملكون كاريزما الحديث، سواء مشاهير،
أو على بدايات طريق الشهرة في اليوتيوب، يتم فيها مزج المعلومة التاريخية أو
المعاصرة، عن حدث رياضي، لكنه كاشف وفاضح لممارسات عنصرية، أو ممارسات تحمل التناقض
الشديد، من حيث المجاملة للكيان الصهيوني، والتعنت مع مناصري القضية
الفلسطينية.
مخطئ من يظن أن الرياضة يمكن أن تفصل عن السياسة، حتى لو أراد
الرياضيون ذلك، فالسياسة تسحبهم إليها سحبا، سواء بالقوة المادية أو المعنوية، على
حسب البلاد التي يقيم فيها الرياضي، أو يمارس فيها موهبته، وبخاصة كرة القدم، وهي
اللعبة الشعبية الأولى في العالم بلا منازع.
ولكي يتضح المكسب الكبير الذي ربحته القضية في هذا السياق، ألفت
الانتباه لبعض صانعي المحتوى المرئي على اليوتيوب، فقد كان من أبرزهم وأشهرهم
وأسبقهم الدكتور علاء صادق، الذي ترك الطب، ورحل إلى عالم التحليل الرياضي، وجمع
مع ذلك لغة آسرة طيعة، تجمل عبارات التحليل لديه، ولم يكتف الرجل بذلك، بل كثيرا
ما يغرس القيم وينبه إليها، وبخاصة في القضايا المهمة للأمة.
مخطئ من يظن أن الرياضة يمكن أن تفصل عن السياسة، حتى لو أراد الرياضيون ذلك، فالسياسة تسحبهم إليها سحبا، سواء بالقوة المادية أو المعنوية، على حسب البلاد التي يقيم فيها الرياضي، أو يمارس فيها موهبته، وبخاصة كرة القدم، وهي اللعبة الشعبية الأولى في العالم بلا منازع.
كان علاء صادق وحيدا في هذا الميدان، إلى فترة قريبة، ولكن انضم إليه
بعد اعتزاله اللعب الكابتن محمد أبو تريكة، وكانت لفتاته الخلقية والمعبرة عن
أخلاق الأمة وقضاياها واضحة، منذ حديثه قبل كأس العالم، وبعده، وهي تعليقات كانت
تلقى قبولا من محبيه، ومن مشاهديه، وإن زايد عليه بعض من لا يحب مثل هذه التعليقات
من الرياضيين، بدعوى انفصال الرياضة عن السياسة، وهو كلام ساذج، ومناف تماما
للواقع الذي نعيشه.
لكن ظهر بعد هؤلاء في مرحلة العدوان على غزة، مجموعة من الشباب،
كانوا مفاجأة لمن يرصد محتوى اليوتيوب في هذا المجال، فرأينا من النماذج المهمة
هنا: لؤي فوزي، وممدوح نصر الله، وقد حولا صفحاتهما واليوتيوب، لمنصات تكشف ما يتم
من عنصرية من الكيان الصهيوني، وبخاصة في الكرة، وهي صفحات وقنوات، جديرة
بالمتابعة في هذا الملف.
ثم ما قام به الأخوان: حذيفة ومحمد حمزة، ورغم أنهما ابنا إعلامي
كبير ومعروف، قدما نفسيهما بدون لقب العائلة، ليكون المشاهد متلقيا لما يلقيان
بناء على ثقته فيمن يقدم، وليس بواسطة، في قناة يوتيوب تحمل اسم (الدويتو)، وكان
من أهم ما قدما هو إعادة تعريف الأسطورة في كرة القدم، وهو أن النجم، هو اللاعب
المشهور الحريف.
أما الأسطورة، فهو النجم الموهوب الذي يكون له عطاء في القضايا
الإنسانية الكبرى، وضربا نموذجا لذلك، بلاعبي كرة قدم، كانوا سببا في إنهاء حروب
في بلادهم، أو إنهاء الاستبداد والحكم العسكري، أو خدمة قضايا كبرى، لم يكن
الإعلام والناس لتعرف بها لولا تقدمهم الصفوف فيها، من هؤلاء النجوم: دروجبا،
وميلا، وغيرهم من النجوم.
لكن نصيب الأسد في هذا المجال، وهو اكتشاف جديد بالنسبة لي ولمتابعي
اليوتيوب، هو الإعلامي يوسف حسين، الشهير بـ "جو شو"، والذي عرف ببرامجه
الساخرة على تلفزيون العربي، لكنه على قناته على اليوتيوب يقدم محتوى جديدا في غاية
الأهمية، بعنوان: (كابينة التعليق)، وقد كانت موادها متعلقة فقط بالمباريات، وهو ما
كان قبل طوفان الأقصى، لكنه منذ شهر، بدأ في سلسلة كلها تعد نموذجا في غاية الأهمية،
من عدة نواح.
من ناحية الإعداد المعلوماتي، فهي قوية كإعداد، حيث تتحدث عن الجانب
السياسي في الرياضة، والجانب السياسي المتعلق بقضية فلسطين، والاحتلال الصهيوني
فقط، فهي متخصصة كموضوع، وفي مجال غير مطروق، ومعلومات تمتاز بالدقة التاريخية،
وكذلك طريقة السرد والحكي، وهو ما يمتاز به يوسف حسين، رغم أن الحس الساخر لديه
عالٍ في برنامجه، لكنه في هذا المحتوى سخريته موظفة توظيفا مهما لا يعتمد على أن
يضحك المشاهد، بقدر ما تصل إليه المعلومة في سياقها السياسي المهم.
كذلك تمتاز بندرة الموضوعات التي يتناولها، من حيث تاريخ نوادٍ فلسطينية، وكيف ألغتها سلطات
الاحتلال، وحولتها لنواد إسرائيلية، وكيف انتقمت من
الملاعب واللاعبين الفلسطينيين، وفضح كم التناقض والعنصرية التي تتعامل بها
الجماهير والكرة الإسرائيلية، سواء مع من يحترفون في نواديها، أو مع الفلسطينيين
بوجه عام. وكيف تتعامل الفيفا بمكيالين، حيث تعلن نواد إسرائيلية عن مبادئها، وهي
مبادئ عنصرية بحتة، وتتعارض تماما مع مبادئ الفيفا، لكنها تترك دون أي إجراء.
لست أهدف من مقالي إلى حصر الجهود في هذا المجال، وإلا فهناك مجال
الكتابة، وقد قام في هذا الجانب بجهد كبير لا يمكن أن يهمل أو يترك دون إشادة، وهي
مجموعة كتب الأستاذ عصام الخالدي، والتي غطت مساحات مجهولة من الجانب الرياضي
الفلسطيني وعلاقته بالاحتلال، ولا المستهدف حصر الجهد المرئي، بل هي مجرد نماذج،
أردت سوقها، لنقف على مساحة جديدة مهمة ربحتها أمتنا في أهم قضية لها، وهي قضية
فلسطين، في مساحة كانت مقصورة على الحديث الرياضي فقط، وهي: كرة القدم، فأصبحت
مجالا ثريا لربطها بالسياسة، وفضح أساليب الكيان في محاولة توظيف وتطويع الرياضة ومؤسساتها لخدمته.
Essamt74@hotmail.com