لا يبدو أن القضاء على حركة
حماس والمقاومة في قطاع غزة هدف للاحتلال وداعميه فقط، بل قد يكون لبعض الدول العربية والسلطة الفلسطينية أيضا، وهذا الرأي لا يستند إلى تفسير مواقف الدول، وإنما لمعلومات أدلى بها عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق.
في الـ 30 من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، خرج أبو مرزوق في مقابلة تلفزيونية قائلا، "إن الكثير ممن أتواصل معهم من جهات أجنبية للمساعدة يقولون إنهم يتكلمون مع جهات عربية، وبينهم من السلطة الفلسطينية، يشجعون على إخراج حماس من المشهد، ولكن لا يستطيعون الحديث عن هذا أمام الجمهور لأنه يرفضه".
بالنظر إلى حديث أبو مرزوق، من زاوية تحليلية، يمكن رؤية تطابق بين مواقف بعض الدول العربية تجاه
العدوان على غزة، ورغبة
الاحتلال بالقضاء على المقاومة.
لم يرق الموقف العربي الرسمي إلى حجم الحدث، ولا بشاعة العدوان، فقد أخذ بالتدرج من بيانات التهدئة وضبط النفس إلى الاستنكار والإدانة، حتى أن جامعة الدول العربية لم تنجح بعد مرور شهر على المجازر المستمرة بالدعوة لقمة طارئة.
ضعف القرار العربي بدا واضحا بإعلان الاحتلال غلق معبر رفح
المصري مع القطاع، وعجز الأنظمة العربية مجتمعة عن إرغام الاحتلال على القبول بدخول المساعدات التي هدد بقصفها إلى قطاع غزة، إلا بعد وساطة من بايدن.
تطابق المواقف مع الاحتلال
تباينت بيانات الدول العربية من المقاومة في غزة بين ممتنع عن الإدانة، ومستنكر لدفاعها عن الشعب الفلسطيني، كما الحال مع
الإمارات والبحرين والمغرب.
وبدا أن الموقف العربي من العدوان المستمر هو الأضعف منذ كامب ديفيد وحتى الآن، خصوصا أن العرب منقسمون بين مطبع وساع للتطبيع ورافض له، لكن هناك عدة دول تتفق بعدائها لحركة حماس والمقاومة الفلسطينية.
مصر
بالعودة إلى تصريحات رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي الشهر الماضي، خلال المؤتمر الصحفي مع المستشار الألماني أولاف شولتز، عندما اقترح السيسي أن يتم "نقل سكان قطاع غزة الفلسطيني، إلى صحراء النقب، حتى تتمكن إسرائيل من تصفية المقاومة في غزة".
وقال السيسي: "قلت هذا الأمر لفخامة المستشار، وأقوله في العلن، إذا كانت هناك فكرة للتهجير توجد صحراء النقب، ممكن يتم نقل الفلسطينيين حتى تنتهي إسرائيل من مهمتها المعلنة في تصفية المقاومة أو الجماعات المسلحة في حماس والجهاد الإسلامي وغيره في القطاع".
وأضاف: "ثم بعد ذلك تبقى ترجعهم إذا شاءت. لكن نقلهم إلى مصر، العملية العسكرية دي ممكن تستمر سنوات وهي عملية فضفاضة، أقول لسه ما خلصناش الإرهاب. لسه ما انتهيناش من المهمة، وتتحمل مصر تبعات هذا الأمر، وتتحول سيناء إلى قاعدة للانطلاق بعمليات إرهابية ضد إسرائيل، وتتحمل مصر تبعات ذلك، ويبقى السلام اللي إحنا عملناه كله يتلاشى بين أيدينا".
الواضح من حديث السيسي أن الأولوية لبلاده منع تهجير الفلسطينيين "لمصر"، وتلك نقطة مقدمة على وقف العدوان أو حتى دعم حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، وهذا يجعل المشكلة لا بالتهجير كفكرة عامة، بل بمكان الهجرة.
كما يعتبر أن مهمة الاحتلال بالقضاء على المقاومة أمر اعتيادي وبديهي، وصار أقرب لواقع الحال.
السلطة الفلسطينية
لم يدخر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس جهدا بإدانة عملية طوفان الأقصى، حتى قال إن سياسات وأفعال حماس لا تمثل الشعب الفلسطيني، قبل أن تحذف وكالة الأنباء الفلسطينية هذا الجزء من حديثه مع الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو في 15 من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
لم تأخذ السلطة الفلسطينية قرارا بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال رغم مجازره المستمرة في غزة والضفة الغربية، كما لم تستجب للدعوات التي طالبت باتخاذ خطوات عملية لوقف جرائم الاحتلال.
وذهبت قوى الأمن التابعة للسلطة أبعد من ذلك، إلى قمع التظاهرات التي خرجت في عدة مدن فلسطينية تندد بالعدوان وتؤيد المقاومة في غزة.
واقتصرت جهود عباس على بيانات تنديد واستنكار، ووصف العدوان على أنه إبادة جماعية ضد سكان القطاع، ولعل ذلك يفسر ما نقلته وكالة رويترز عن رؤية السلطة للقطاع بعد الحرب.
وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية لوكالة رويترز، إن الوزير أنتوني بلينكن قال لرئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، إن السلطة الفلسطينية يجب أن تلعب دورا محوريا فيما سيأتي بعد ذلك في غزة.
وأضاف المسؤول أن "مستقبل غزة لم يكن محور الاجتماع، لكن السلطة الفلسطينية بدت مستعدة للعب دور".
والتقى اليوم الأحد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، في أول زيارة للوزير الأمريكي لرام الله منذ السابع من الشهر الماضي.
الإمارات
لم تخف الإمارات موقفها المناهض للمقاومة، بدءا من بياناتها التي أدانت عملية طوفان الأقصى، وليس انتهاء بتصريحات المندوبة الدائمة بالأمم المتحدة لدولة الإمارات، لانا نسيبة، التي قالت إن "حركة حماس لا تمثل الشعب الفلسطيني، ولا سكان غزة الذين يعانون أشد المعاناة"، مشددة على ضرورة إطلاق الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة "من دون قيد أو شرط"، بحسب تعبيرها.
في الـ24 من الشهر الماضي، هاجمت وزيرة الدولة لشؤون التعاون الدولي الإماراتية، ريم الهاشمي، في كلمتها خلال جلسة مجلس الأمن الدولي، الثلاثاء، حركة حماس، واصفة هجماتها يوم السابع من الشهر الجاري ضد مواقع لجيش الاحتلال بـ"البربرية والشنيعة"، مشددة على أن الإمارات تدينها بشدة.
ويبدو الموقف الذي تتبناه الإمارات ضد المقاومة الفلسطينية في غزة يتطابق بشكل كبير مع الخطاب الإسرائيلي، الذي تناول مرارا هذا الوصف لوصم المقاومة، ضمن محاولات تجريم المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي.
بالتزامن مع توحش العدوان الإسرائيلي على غزة، راجت تقارير عن سعي القيادي الفلسطيني المقرب من الإمارات، محمد دحلان، لإدارة قطاع غزة في حال نجح الاحتلال بالقضاء على المقاومة.
وقالت مجلة إيكونومست البريطانية، إن القيادي الفلسطيني محمد دحلان يحزم أوراق اعتماده للقيادة في مرحلة ما بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي على غزة.
وجاء ذلك في تقرير بثته المجلة لمقابلة مع دحلان، رسم فيها سيناريوهات ما بعد الحرب، رافضا فيها الاقتراح القائل بأنه بمجرّد انتهاء الحرب، يمكن إرسال أيّ فرد لإدارة غزة.
واقترح عوضا عن ذلك فترة انتقالية لمدة عامين، مع إدارة من تكنوقراط في غزة والضفة الغربية.
وفي حزيران/ يونيو 2021، أعرب وزير الخارجية الإماراتي حينها عبد الله بن زايد، عن أسفه بسبب تردد بعض الدول في تصنيف كيانات مثل حماس أو حزب الله أو الإخوان المسلمين بطريقة أوضح.
ورأى أنه من المضحك أن بعض الحكومات تصنف الجناح العسكري فقط لكيان ما، وليس الجناح السياسي، على أنه إرهابي، في حين أن الكيان نفسه يقول إنه ليس هناك فرق.