مع استمرار عمليات
الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني في قطاع
غزة المحاصر ودخول
العدوان الإسرائيلي
شهره الأول خلال يومين، فإنه يؤكد حقيقة اعتزام سلطات
الاحتلال بدعم أمريكي تنفيذ المخطط
القديم الجديد بتهجير سكان القطاع البالغ عددهم نحو 2.3 مليون نسمة إلى
مصر.
وأكد سياسيون وخبراء
عسكريون أن الهدف المعلن لقوات الاحتلال هو القضاء على حركات المقاومة الفلسطينية
وعلى رأسها "حماس"، لكن الهدف الحقيقي من ارتكاب المجازر والفظائع المروعة هو دفع
الشعب الفلسطيني للفرار من آلة الإبادة الجماعية التي طالت كل حجر في القطاع سواء
كان في مشفى أو في مدرسة أو مخبز أو منزل.
ومع ارتفاع حصيلة
العدوان على القطاع إلى نحو 10 آلاف شهيد ونحو 25 ألف مصاب معظهم من النساء
والأطفال فإنه لا يُسمح بعبور أي إنسان من قطاع غزة إلى مصر عبر معبر رفح، بوابة
الغزيين الوحيدة للعالم الخارجي، إلا للأجانب وعدد قليل من الجرحى.
أعلنت مصر ممثلة في
رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، عن رفضها القاطع لخطط ودعوات تهجير سكان قطاع غزة إلى
مصر وحل المشكلة الإسرائيلية على حساب مصر، ومحاولة تصفية القضية الفلسطينية، وعدم
التفريط في حبة رمل من شمال سيناء.
وكان منسق مجلس الأمن
القومي الأمريكي، جون كيربي، قد قال في وقت سابق إن السلطات الأمريكية تتحدث مع مصر
وشركاء آخرين في المنطقة، حول إمكانية استضافة لاجئين يرغبون بالهروب من الحرب في
غزة "مؤقتا".
إزاء هذه الضغوط التي
لا تحتمل في قطاع غزة وارتكاب المجازر بشكل يومي والضغوط الأمريكية الإسرائيلية
على الجانب المصري، الذي لا يزال يرفض الرضوخ لتلك الدعوات، يعرب البعض عن مخاوفه
من موافقة مصر على تلك الضغوط وفرض الأمر "إنسانيا".
وتمثلت هذه المخاوف في
تصريحات الكاتب الصحفي المصري عماد أديب، حيث أعرب عن تخوفه من الضغط الإنساني
الذي قد يُمارس على مصر بشأن مخطط تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة.
وأوضح أن المخطط
الإسرائيلي هو جعل القطاع غير قابل للحياة وتصعيد الحرب إلى ارتكاب مجازر لا تحتمل، لافتا إلى أن التجارب السابقة تشير إلى أن النزوح المؤقت يتحول إلى نزوح أبدي، كما
جرى في عمليات نزوح الشعب الفلسطيني منذ عام 1948.
واستقبلت مصر مطلع
الشهر الجاري، للمرة الأولى منذ العدوان على القطاع المحاصر، بعض الحالات الجراحية
الحرجة من القطاع من خلال معبر رفح ونقلوا إلى مستشفيات في محافظة شمال سيناء، ولكن
تظل الأعداد نقطة في بحر من حالات الإصابة.
ضغط إسرائيلي ورفض
مصري
في سياق تعليقه، قال
وكيل لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس الشورى السابق، ثروت نافع: "ربما
يكون هذا أحد الأساليب التي تمارسها إسرائيل إعلاميا حتى تضغط على مصر لقبول
استقبال الغزيين، لكن حتى الآن يبدو أن موقف مصر صلب جدا في رفض هذه الفكرة على
المستوى الرسمي والشعبي وكذلك مناصرة له من بعض الدول المؤثرة في القرار الدولي؛
لأن الأخطر من فكرة التهجير إلى سيناء أنها تقضي على القضية الفلسطينية برمتها،
أتمنى أن يكون موقف مصر ثابت في هذا الصدد حتى تنقشع هذه الغمة والحرب عن أبناء
غزة الكرام".
وأعرب عن اعتقاده في
حديثه لـ"عربي21" أن "فكرة نقل الغزيين إلى شمال سيناء ليست مقبولة
على المستوى الرسمي المصري والشعبي، بل إني كتبت من قبل أن موقف مصر من دعوة
التهجير هو موقف محترم وهو موقف معلن إعلاميا وكذلك عززته التقارير السياسية
الخارجية والإعلامية التي قرأتها في دوريات غربية".
أما في ما يتعلق
باستقبال حالات إنسانية حرجة في مصر، فيرى نافع أن "فكرة الدفع من أجل قبول
إدخال حالات إنسانية هو أمر تكرر في حالات العدوان على قطاع غزة ولا خوف منها
طالما أنها محدودة وفي ظل وجود تطمينات دولية أنها للعلاج فقط"، مشيرا إلى أن
"موقف مصر كان صارما منذ اللحظات الأولى ورفضت فتح المعبر لخروج حاملي الجنسيات
المزدوجة إلا بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة وهذا موقف يحسب لمصر".
فتح المعبر للحالات
الإنسانية
وكانت مصادر مطلعة
أفادت، قبل أيام، بأن اتفاقا بين مصر وإسرائيل وحماس سيسمح بعبور 81 مصابا ومن
وردت أسماؤهم في قائمة مبدئية تضم 500 من حملة جوازات السفر الأجنبية من القطاع
إلى مصر في الأيام القليلة المقبلة.
وتقدمت بعض الدول
بطلبات إلى القاهرة لإقامة مستشفيات ميدانية في شمال سيناء ما يعني خروج المزيد من
المصابين وعائلاتهم لتلقي العلاج، وقال وزير الصحة التركي فخر الدين قوجة، إن
بلاده أجرت كافة الاستعدادات لإنشاء 20 مستشفى ميدانيا لتقديم الدعم الطبي اللازم
للجرحى القادمين من غزة إلى مصر عبر معبر رفح.
وفُتح المعبر أمام
عمليات "الإجلاء المحددة"، يوم الخميس الماضي، بموجب اتفاق توسطت فيه
قطر بين دولة الاحتلال الإسرائيلي ومصر وحركة حماس والولايات المتحدة، بهدف السماح
لعدد من حاملي جوازات السفر الأجنبية وعائلاتهم وعدد من الجرحى بالخروج من قطاع
غزة المحاصر.
مسألة وقت
توقع الخبير العسكري
المصري، عادل الشريف، أن "يكون هذا الضغط مقصودا إنسانيا من خلال ارتكاب
المجازر التي بدأت تزيد بمرور الوقت من خلال استهداف المستشفيات والمدارس التي
تؤوي عشرات آلاف المرضى والمصابين والنازحين علانا بيانا، ما يخلق حالة من الضرورة
الماسة للسماح باستقبال آلاف العائلات "مؤقتا" أو لعلاجهم وهكذا".
وتطرق في حديثه
لـ"عربي21" إلى مسألة صفقة القرن التي طرحتها الإدارة الأمريكية
السابقة، وقال: "يعزز هذا الكلام هو قبول السيسي بخطة صفقة القرن وهي موافقة
معلنة ورفضها الفلسطينيون بكل وضوح، من خلال ضخ استثمارات ضخمة من قبل دول خليجية
في شمال سيناء من أجل تعميرها وجعلها صالحة لإيواء الفلسطينيين"، لافتا إلى
أن "المسألة مسألة وقت حتى تتعالى الدعوات داخليا بضرورة إيواء ونجدة هؤلاء
المعذبين".
وأعرب الخبير العسكري
عن اعتقاده بأن "النظام المصري يمر بأزمة اقتصادية كبيرة ربما لا يستطيع
الخروج منها وهناك وعود بضخ مليارات الدولارات وتخفيف أو شطب الديون، كل هذا قد
يدفع السيسي إلى قبول استقبال سكان غزة تحت أي مسمى سواء كان إنسانيا أو صحيا أو غيره،
وهو قادر على تمرير ذلك داخليا من خلال امتلاكه كل شيء سواء وسائل الإعلام أو
الحكومة أو الجيش".