كشفت وثائق إسرائيلية، رفعت عنها السرية مؤخرا،
عن بعض التفاصيل المتعلقة بإجراء "مشاورات سياسية" قامت بها الحكومة
الرابعة في تاريخ
الاحتلال والتي كانت تتزعمها غولدا مائير، وتتعلق بإقامة
دولة فلسطينية "صغيرة".
وبحسب ما ورد في وثائق لمحضر جلسة سرية نشرها
الأرشيف الإسرائيلي الشهر الماضي، ذكرت صحيفة "
هآرتس" في تقرير لها أعده
عوفر أديرت، أن رئيسة الحكومة الإسرائيلية الرابعة في تاريخ الاحتلال، الراحلة
مائير، "وافقت على أن تفحص بشكل إيجابي إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية
بعد ثلاث سنوات على احتلال المناطق في حرب 1967".
ويظهر من الوثيقة، أن النقاش كان "سريا
جدا"، جرى بمشاركة غولدا ووزراء الحكومة، وقالت مائير: "ذهني منفتح
لذلك، أنا على استعداد لأن أسمع، وإذا كان هناك أي بصيص أمل من إقامة دولة عربية
صغيرة ومستقلة في الضفة، وربما في قطاع غزة، وإذا سموها فلسطين فما الذي يهمني في
ذلك؟".
ونوهت الصحيفة، إلى أن "غولدا مئير، دخلت
التاريخ لرفضها مجرد وجود الشعب الفلسطيني"، وقالت في عدة مناسبات: "لا يوجد
شعب فلسطيني، يوجد عرب، جميعنا فلسطينيون".
الجلسة عقدت في تل أبيب يوم 9 تشرين
الأول/ أكتوبر 1970، تحت عنوان "مشاورات سياسية"، شارك فيها وزير الأمن
موشيه ديان ووزير التعليم والثقافة يغئال لألون ووزير الشرطة شلومو هيلل والوزير
بدون حقيبة إسرائيل غليلي ووزير المالية بنحاس سبير ووزير العدل يعقوب شمشون شبيرا.
ورغم مناقشة مائير إقامة الدولة
الفلسطينية، فإنها اعتبرت الأمر
"بعيد المدى جدا"، وفسرت أقوالها، بأنه "ستكون حاجة إلى أن نبقي
للعرب الضفة كخيار للحصول على تقرير المصير في مرحلة متقدمة، عندما يكون هذا الأمر
مرغوبا فيه من ناحيتنا، أي أن تكون هناك دولة أخرى".
وتحدثت مائير عن اسم الدولة الجديدة، وقالت:
"قلت من اليوم الأول بعد الحرب، أن المشكلة هي ماذا سيكون اسم الدولة الثانية،
هذا الأمر سيعنيني مثل الثلج في السنة الماضية، أو الثلج الذي سقط قبل ألفي سنة".
من ناحية مائير ، فقد وجدت على الأجندة عدة إمكانيات
لإقامة الدولة الفلسطينية؛ "دولة مستقلة مرتبطة كونفدراليا مع إسرائيل أو مع
إسرائيل والأردن، وإذا أرادوا فمع الأردن وحده في إطار اتفاق سلام".
وأضافت: "أعرف أنه ستكون دولة عربية
مستقلة أخرى في فراش سدوم (أي وضع مستحيل)، التي ذات يوم ستكون مضطرة لتحطيم هذا
الفراش والخروج منه".
ونوهت "هآرتس" إلى أن محضر الجلسة، يكشف
قلق رئيسة الوزراء من "اختفاء إسرائيل من الخارطة وبقاء الأردن
وفلسطين"، مخاطبة المشاركين معها في النقاش بقولها: "لم أسمع في أي يوم
بأن أي أحد منا هو مع إقامة دولة عربية فلسطينية مستقلة".
وأشارت إلى أن جلسة النقاش السرية عقدت في وقت
حساس، قبل فترة قصيرة من أحداث "أيلول الأسود" التي وقعت في الأردن،
وعلقت مائير بقولها: "إذا أصبح ياسر عرفات، رئيس الحكومة في الأردن، فسنجري
معه مفاوضات".
وتابعت رئيسة وزراء الاحتلال: "في داخلنا
فكرة واحدة أو اختلاف في الرأي يجب توضيحه، عقلي منفتح على ذلك، وإذا كان هناك أي
بصيص صغير من الأمل لدولة صغيرة جدا عربية ومستقلة في الضفة، وربما في غزة أيضا،
وتكون كونفدرالية في فيدرالية، فلن يهمني ماذا سيكون الاسم".
وذكرت الصحيفة، أن "القسم التالي في
النقاش نزل إلى التفاصيل؛ مائير أشارت بإيجابيه إلى إنجازات إسرائيل في حرب 1948،
التي شملت احتلال مدن عربية سيطالب الفلسطينيون بها كجزء من الدولة
المستقبلية".
وردا على سؤال "هل القدس ستعتبر عاصمة
الدولة الفلسطينية؟"، ردت مائير بالنفي، وقالت: "بالتأكيد، هي ستكون
بدون القدس".
أما قائد "البلماخ" (منظمة صهيونية
عسكرية) السابق، يغئال ألون، فقال: "من يتعاملون مع هذه المهمة سيتحسسون
الطريق، أنا لا أقترح تشجيع إقامة دولة فلسطينية، إلا في المدى البعيد وباتفاق
سلام مع إبقاء خيارات مفتوحة".
ورأت "هآرتس"، أن ما تحدث به ألون،
يؤكد أن موقفه "يعارض موقف مائير العلني، حيث رفضت مجرد وجود الشعب الفلسطيني".
أما إسرائيل غليلي، فقد طلب في الاجتماع
"مناقشة هذا الأمر بشكل جدي على المستوى النظري"، وفي مناسبة أخرى قال
غليلي: "مفاهيم مثل الشعب الفلسطيني والشعب العربي ليست مفاهيم يمكن
مغازلتها، إذا قمت بحسمها ومنحتها مكانة وإدراك، في المدرسة والتعليم، عندها تبدأ بأن تصبح حية وتحمل ذاتها"، وفق قوله.
وأضاف: "أنا لا أحدد دولة عربية، وماذا
سيكون اسمها، لكن يجب أن تجسد الحل لما يسمونه عرب فلسطين"، وإذا سألتموني،
فأنا كنت أريد أن يموت اسم فلسطين"، فرد عليه يغئال ألون بقوله:
"المشكلة، أن هذا الاسم بقي على قيد الحياة".