ملفات وتقارير

موسم حرق القمح الفلسطيني.. حيل المستوطنين للاستيلاء على الأراضي الزراعية (شاهد)

الاحتلال الإسرائيلي يمثل العائق الرئيسي للمحاصيل الزراعية الفلسطينية
ينتظر مزارعو القمح الفلسطينيون صيف كل عام حصاد تعبهم وشقاء سنة كاملة من الزراعة والاعتناء والمتابعة، فمحاصيل القمح تنتشر في الضفة المحتلة مشكلة جزءا كبيرا من المساحة الكلية للقرى والبلدات المختلفة.

لكن هذا الحلم وتلك الآمال الكبيرة التي يبنونها تتصادم مع سياسة ممنهجة يتبعها الاحتلال الإسرائيلي ومجموعات المستوطنين في تخريب موسم الحصاد وتحويله إلى جحيم مستمر في صيف كل عام.



أبو وحيد أبو نعيم (58 عاما) يقف كل يوم تقريبا على تلة مشرفة على أرضه الزراعية في قريته المغير شرقي مدينة رام الله، يتقاطع الحزن مع ملامحه وهو يتأمل سنابل القمح تتمايل مع هواء المنطقة التي ينهشها الاستيطان.

منذ طفولته كان أبو نعيم يشارك والده وأشقاءه في زراعة بذور القمح في أرضهم الواقعة في الجهة الشرقية من القرية، فتجذرت فكرة حب الأرض في قلبه منذ الصغر. والآن بعد أن شارف على عمر الستين عاما فإنه يحاول أن يورث أبناءه هذا الحب الكبير.

ولكن الاحتلال ومشاريعه الاستيطانية وقفت عائقا أمام ذلك، فأبو وحيد ممنوع من دخول أرضه عقب شق شارع استيطاني كبير بمحاذاتها يسمى "شارع أيلون" وفصلها عن امتدادها الطبيعي مع أراضي القرية.

يقول لـ"عربي21": "كنا نتوجه إلى الأرض ونزرعها ونحصدها كما كل المزارعين، ولكننا الآن محرومون من ذلك، فمن النادر أن يتم السماح لنا بوصولها مرتين خلال العام بأكمله، وهذا يؤثر على تواصلنا مع أرضنا وتعلق الأبناء بها".

ورغم أن الاهتمام بزراعة الأرض بات أمرا تعزف عنه الأجيال الحالية؛ إلا أنه في الضفة الغربية المحتلة بات واجبا لدى معظم العائلات، وذلك لحمايتها من استيلاء الاحتلال والمستوطنين عليها.

وفي هذا الإطار يؤكد أبو وحيد أن الأراضي التي لا يهتم بها أصحابها ولا يقومون بزراعتها تصبح محط أطماع المستوطنين، فيستولون عليها بحجة أنها أراض بور غير مستخدمة، وهكذا بدأت رحلة الاستيطان على أرض فلسطين.

طيلة العام الماضي تمكن المزارع من دخول أرضه مرة واحدة، قام خلالها بزرع بذور القمح واستغلال الوقت الضيق للوصول إليها عبر محاولة إنتاج محصول قمح يطرد شبح الاستيطان عنها، وحين حل موسم الحصاد حدث ما كان يخشاه.

"كنا ننتظر السماح لنا بدخول الأرض لحصاد القمح، ولكن هجمة عدوانية من المستوطنين بددت هذا الحلم، حيث إنهم اقتحموا في شهر أيار/ مايو الماضي أراضينا الزراعية الممتدة بمحاذاة الشارع الاستيطاني وأضرموا النيران فيها، ليتسبب ذلك في أضرار كبيرة".



حاول المواطنون إخماد الحريق ولكن جنود الاحتلال كانوا لهم بالمرصاد، فمنعوهم من الوصول وقمعوهم وأطلقوا صوبهم القنابل الغازية والصوتية، فيما تم إخماد النيران لاحقا ليظهر ما حل بها من خسائر.

مئات الدونمات في تلك المنطقة تعود لأبي وحيد وعائلته التي ورثتها منذ ما قبل قدوم الاحتلال، وفي سبعينيات القرن الماضي بدأت مخالب الاستيطان تنغرس في أراضي القرية عبر مشاريع عدة، لتتحول الآن إلى بؤر استيطانية تحتضن المستوطنين الذين ينفذون أبشع الاعتداءات مثل بؤرة "عادي عاد".

ويضيف المزارع: "حين يقتحم المستوطنون القرية تحميهم قوات الاحتلال، ونحاول وقتها الدفاع عن أراضينا بكل شيء، وقدمنا خلال ذلك شهداء وجرحى كي نحافظ على أرضنا التي يريدون سرقتها وبناء منازلهم عليها".

ولزيادة صعوبة الوصول إلى الأراضي قام الاحتلال مؤخرا بنصب بوابة حديدية على المدخل الشرقي للقرية، فيضطر المواطنون إلى سلوك طرق ترابية بديلة من أجل الوصول إلى أراضيهم، ولكن ذلك يقتصر على المركبات ذات خاصية الدفع الرباعي ما يحرم المزارعين الذي يمتلكون مركبات صغيرة من الوصول إلى أراضيهم.

معيقات مفتعلة

بحسب مركز المعلومات الوطني الفلسطيني فإن الاحتلال الإسرائيلي يمثل العائق الرئيسي للمحاصيل الزراعية الفلسطينية؛ نتيجة لسلسلة متواصلة من الإجراءات والقيود التي تفرضها سلطات الاحتلال على هذا القطاع والتي تضع العقبات أمام نموه وتقدمه.

وتتركز أبرز المعوقات في مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات والمعسكرات وشق الطرق الالتفافية، والإعلان عن مساحات شاسعة مناطق عسكرية مغلقة؛ وأخرى للتدريب العسكري يحظر الوصول إليها وممارسة الأنشطة الاقتصادية فيها، وإعلان مساحات شاسعة محميات طبيعية تهيئة لمصادرتها والاستيطان فيها، وإنشاء الجدار وما نجم عنه من صعوبات وعزل للأراضي الزراعية، وتدمير للزراعة والبنية التحتية، وعدم تمكين الشعب الفلسطيني من إدارة موارده الطبيعية والعمل على نهبها بشكل متواصل، وفي مقدمتها المياه التي تمثل روح القطاع الزراعي.

ووفقا للمركز فإن انتشار الحواجز العسكرية والسيطرة على المعابر أعاق وحدّ من حرية حركة السلع والخدمات بين المناطق الفلسطينية من جهة، وبينها وبين العالم الخارجي من جهة أخرى؛ إضافة إلى القيود المفروضة على التجارة الخارجية؛ ما أدى إلى ارتفاع كلفة الإنتاج والتسويق الزراعي، وانخفاض في أسعار السوق المحلية، كما أن الاجتياحات والحروب المتواصلة التي دمرت ولوثت مساحات واسعة ومحاصيل زراعية كبدت المزارعين خسائر بشرية ومادية كبيرة، إضافة إلى سياسة الاحتلال في اقتلاع الأشجار المثمرة وسرقة المحاصيل وتجريف الأراضي الزراعية بشكل شبه يومي.

ويسعى الاحتلال إلى منافسة المنتجات الزراعية الفلسطينية بإغراق الأسواق الفلسطينية بمنتجاته بما فيها منتجات المستوطنات؛ لتضييق الخناق على المزارع الفلسطيني ودفعه إلى هجر أرضه؛ وبالتالي تراجع نسبة العاملين في القطاع الزراعي، إضافة إلى منع الرعاة من الوصول إلى المراعي الطبيعية، والاستمرار في مطاردتهم والاعتداء عليهم وهدم بيوتهم وحظائرهم وترحيلهم ومصادرة معداتهم وقطعانهم، وفرض الغرامات المالية الباهظة بحقهم.



إبعاد عن الحقول

الناشط ذياب حجة من قرية برقة شمال غربي مدينة نابلس يؤكد وجود سياسة ممنهجة في الضفة الغربية من أجل استهداف الأراضي بشكل عام والزراعية منها بشكل خاص، وذلك من أجل إبعاد الفلسطيني والمزارع عن أرضه.

هذه السياسة متبعة في أروقة حكومة الاحتلال ولكنها تتم على يد المستوطنين أحيانا، وما يثبت ذلك أن كل اعتداءاتهم تتم بغطاء كامل من قوات الاحتلال التي تقوم بحمايتهم وقمع الفلسطينيين.

يشير حجة في حديثه لـ"عربي21" إلى أن هذه السياسة موجودة منذ احتلال الضفة عام 1967، ولكنها باتت تتسارع خلال الأعوام القليلة الماضية لتطبيق خطط استيطانية عدة تحول الضفة إلى مستوطنات متواصلة وأراض فلسطينية ممزقة.

ويضيف: "هناك تسارع في هذه الاعتداءات وتوسيع رقعتها لتشمل أراضي أكثر ومناطق جديدة كل عام، وواضح أن الهدف هو عدم السماح للفلسطيني باستغلال أرضه بل إبعاده عن السهول والجبال والمناطق الحيوية، وحصاره داخل المدن وتجمعات القرى".

منطقة المسعودية وسهل برقة شمالي نابلس تعرضت لعشرات الاعتداءات خلال أشهر قليلة، حيث تم إحراق المحاصيل الزراعية وإتلافها أكثر من 30 مرة منذ بداية العام.

هذا يدل على عمل مبرمج من أجل تخويف المزارعين وتحقيق الخسارة له من أجل إبعاده عن أرضه كما يقول حجي، بل هي سلاح يستخدمه الاحتلال والمستوطنون كي يسيطروا على الأراضي الزراعية.