تواجه
مصر أزمة
ديون أكبر من المتوقع، وأزمة صعوبة الوصول إلى أسواق الدين للاقتراض من أجل
سداد تلك الديون وتلبية الاحتياجات التمويلية اللازمة للعام المقبل، رغم التزامها بسداد
فوائد وأقساط الديون المستحقة عليها.
وكشفت
النشرة الإحصائية الشهرية للبنك المركزي سداد فوائد وأقساط بقيمة 11.9 مليار دولار
في النصف الأول من 2022/2023 تموز/ يوليو إلى كانون الأول/ديسمبر 2022.
زادت
قيمة سداد فوائد وأقساط الديون عن العام الإجمالي، وبلغت الأقساط المسددة خلال العام
المالي الماضي نحو 21.7 مليار دولار، والفوائد المدفوعة نحو 4.570 مليار دولار، أي
نحو (26.2 مليار دولار).
في غضون
ذلك، أعلن البنك المركزي المصري، الثلاثاء، ارتفاع الاحتياطي الأجنبي خلال شهر أيار/
مايو الماضي بنحو 109 ملايين دولار إلى 34.6 مليار دولار.
في المقابل
تراجعت قيمة الذهب المدرج باحتياطي النقد الأجنبي بنهاية الشهر ذاته إلى 7.949 مليار
دولار مقابل 8.031 مليار دولار بنهاية نيسان/ أبريل السابق عليه.
تتجاوز
أعباء الدين في ميزانية مصر المقبلة حجم إيرادات الدولة مجتمعة بنحو 14% ما يعني أن
إيرادات الدولة المصرية لا تكفي لسداد فوائد وأقساط الدين.
"أعباء
الدين تحرم المصريين من التعليم والصحة والخدمات"
يقول
شريف عثمان رئيس شركة الاستشارات الاستثمارية "بويز إنفستمنت"، مقرها
واشنطن، إن "حجم الفوائد وأقساطها في نشرة البنك المركزي المصري (نحو 26 مليار
دولار سنويا) هو ناجم عن مجموعة من الاحتياجات التمويلية بعضها لتمويل المشروعات القومية،
والبعض الآخر لسد العجز في الحساب الجاري، وغيرها".
واعتبر
في حديثه لـ"عربي21" أن "من الخطأ الكبير الذي وقعت فيه مصر هو ترتيب
الأولويات بشكل خاطئ وزيادة الديون، وبالتالي زادت فاتورة الاقتراض، وجزء كبير من تلك
القروض تم توجيهها للمشروعات القومية، ولا تكشف الحكومة عن حجم تلك القروض لهذه المشروعات
بسبب غياب الشفافية والمصداقية، إلى جانب غياب المحاسبة عن جدوى هذه المشروعات والعائد
منها".
وأكد
الخبير المصرفي أنه "في نهاية المطاف وصلت مصر إلى قمة الدين الخارجي وزادت صعوبة
الوصول لأسواق الدين؛ نتيجة الترتيب الخاطئ في سلم أولوياتها، وجاء هذا على حساب زيادة
الإنفاق الاجتماعي، وعلى حساب الإنفاق على
الصحة والتعليم، ودعم الصناعات والسياحة
وزيادة الإنتاج والإيرادات"، مشيرا إلى أن "المشكلة مع القادم أسوأ، حيث
أن كل الجهود منصبة نحو كيفية توفير هذا المبلغ كل عام مع العلم أن فاتورة الفوائد
والأقساط سوف تزيد كل عام".
قفز
حجم القروض الخارجية إلى 162.9 مليار دولار بحلول كانون الأول/ ديسمبر 2022 من أقل
من 40 مليار دولار في 2015، كما قفز الاقتراض في الربع الأخير من 2022 وحده 8 مليارات
دولار، بحسب بيانات للبنك المركزي.
انخرطت
مصر منذ عام 2015 في مشروعات دولارية عملاقة لا تدر عوائد مالية مماثلة؛ مثل بناء العاصمة
الإدارية الجديدة شرقي القاهرة بتكلفة 58 مليار دولار، ومحطة للطاقة النووية بتكلفة
25 مليار دولار على ساحل البحر المتوسط، وإنشاء شبكة سكك حديدية للقطارات عالية السرعة
بطول ألفي كيلومتر بتكلفة 23 مليار دولار، واستيراد أسلحة بمليارات الدولارات جعلت
مصر ثالث أكبر مستورد للأسلحة في العالم، وفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام،
وفق تقرير لوكالة "رويترز".
لم تنجح
محاولات الحكومة المصرية لجمع السيولة عن طريق بيع شركات مملوكة للدولة بالعملة الصعبة
منذ نحو عام، ولم تجمع سوى 150 مليون دولار فقط حتى الآن من إجمالي ملياري دولار تطمح
بالوصول إليها قبل نهاية حزيران/ يونيو الحالي.
"مصر
لم تسدد ديونها"
في سياق
تعليقه على نشرة البنك المركزي المصري فيما يتعلق بسداد الديون، قال أستاذ الاقتصاد
رجل الأعمال المصري محمود وهبة إن "مصر اقترضت من أجل سداد الفوائد والأقساط،
وهي في الحقيقة لم تسددها كما تقول؛ لأن هناك فرقا بين السداد من إيرادات دولارية وبين
السداد من خلال الاقتراض، والدليل على ذلك أن حجم الدين الخارجي يزيد بوتيرة أسرع ولا
ينقص".
مضيفا
لـ"عربي21": "حجم أعباء الدين (2.4 تريليون جنيه) يتجاوز حجم إيرادات
الدولة بمقدار 2.1 تريليون جنيه؛ بالتالي لا يوجد مليم واحد للإنفاق على الصحة والتعليم
والأجور وغيرها، كل الإيرادات موجهة لسداد خدمة الدين في سابقة من نوعها في تاريخ مصر،
هي تقترض للإنفاق على كل بنود الموازنة؛ نتيجة الإنفاق على مشروعات وأسلحة لا عائد
حقيقي لها".
وأشار
عضو مجموعة "تكنوقراط مصر" إلى أن "المؤسسات المالية الدولية طالبت مصر
مرارا بتهدئة وتيرة ما يسمى بالمشروعات القومية ووقفها، لأن إيرادات الدولة لا تحتمل
مثل هذه المشروعات في الوقت الحالي ولا ينبغي أن تكون جميعها بالقروض، والدليل على
أنها غير مجدية أن الفائدة الوحيدة من العاصمة الإدارية هو بيع وحدات أسمنتية لمرة
واحدة فقط".
وحذر
وهبة من بيع شركات الدولة للأجانب، قائلا: "بيع 32 شركة لمستثمرين أجانب هو خسارة
على المدى المتوسط والكبير، سيوفر المال لمرة واحدة فقط، وفي المرات المقبلة ستذهب
الأرباح للمستثمر الأجنبي وتحول إلى الدولة الأم وسوف تخرج بالدولار وبالتالي سيزيد
الضغط على العملة المحلية".