بورتريه

البرغوثي هل يكون مانديلا فلسطين؟ (بورتريه)

يرى محللون أن البرغوثي قادر على تحريك الجماهير الفلسطينية وهو الوحيد الذي يستطيع إنهاء الانقسام بين جميع الفصائل- عربي21
حين ألقى رئيس وزراء الاحتلال أرييل شارون القبض عليه قال: "يؤسفني إلقاء القبض عليه حيا، كنت أفضل أن يكون رمادا في جرة".

أحد الرموز الفلسطينية، أدى دورا وطنيا محوريا في الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية، وكان ذلك سببا رئيسا في اعتقاله وسجنه مدى الحياة مكرر.

بقي يقاوم حتى وهو في سجون الاحتلال، محاولا دون كلل التغلب على السجن والسجان، وأن يقتل الوقت بدل أن يقتله الوقت.

انضم مروان البرغوثي، المولود عام 1958 في قرية كوبر شمال غرب مدينة رام الله، إلى حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) في سن الخامسة عشرة، وفي عام 1976 ألقى الاحتلال القبض عليه بتهمة المشاركة في تظاهرات مناهضة وسجن لمدة عام حيث تعلم اللغة العبرية وحصل على الثانوية العامة.

بعد إطلاق سراحه التحق عام 1978 بجامعة بيرزيت وترأس مجلس الطلبة في الجامعة لثلاث دورات متعاقبة، وتخرج منها بشهادة البكالوريوس في التاريخ والعلوم السياسية، كما نال الماجستير في العلاقات الدولية من نفس الجامعة.

وعمل حتى اعتقاله محاضرا في جامعة القدس في أبو ديس، وتولى العديد من المسؤوليات السياسية.

انخرط في العمل الوطني الفلسطيني في وقت مبكر، ففي عام 1983 عمل على تأسيس منظمة الشبيبة الفتحاوية في الأراضي الفلسطينية، حيث شكلت القاعدة الشعبية الأكثر تنظيما وقوة.

اعتقل في عام 1984 لعدة أسابيع وأعيد اعتقاله في عام 1985 لأكثر من 50 يوما، ثم فرضت عليه الإقامة الجبرية ثم تحول إلى الاعتقال الإداري، وفي عام 1986 تم إطلاق سراحه وأصبح مطاردا من قوات الاحتلال.

ولعب دورا رئيسا في الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 فألقت السلطات الإسرائيلية القبض عليه، وأبعدته إلى الأردن بقرار من وزير الدفاع آنذاك اسحق رابين.

عمل البرغوثي بعد إبعاده إلى جانب الشهيد خليل الوزير (أبو جهاد) الذي كلفه بالمسؤولية والمتابعة في تنظيم الأراضي الفلسطينية.

استمر البرغوثي في موقعه في المنفى عضوا في اللجنة العليا للانتفاضة وانتخب عضوا في المجلس الثوري لـ"فتح".

ومكث في الأردن حتى عام 1994 حيث عاد إلى الضفة الغربية بعد توقيع "اتفاق أوسلو"، وانتخب أمين سر للحركة في الضفة الغربية ليبدأ مرحلة جديدة من العمل التنظيمي والنضالي.

أعاد تنظيم "فتح" في الضفة الغربية بعد حالة من الانقسام رغم المعارضة الشديدة من قبل اللجنة المركزية.

وانتخب عضوا في المجلس التشريعي الفلسطيني عام 1996 عن دائرة محافظة رام الله والبيرة. وتعرض البرغوثي لأكثر من محاولة اغتيال ونجا منها، وفي إحداها أطلقت عليه وعلى مساعديه صواريخ موجهة، كما تم إرسال سيارة ملغومة له خصيصا.

وعند اعتقاله بعد أحداث مخيم جنين قال وزير دفاع الاحتلال شاؤول موفاز: "إن اعتقال البرغوثي ضربة قاتلة للانتفاضة".

وأصدرت محكمة الاحتلال في تل أبيب قرار إدانة البرغوثي، بخمس تهم منها بوصفه قائدا في كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة لفتح.

وحكم عليه في 6 حزيران/يونيو عام 2004 بالسجن خمسة مؤبدات و40 عاما.

ولم يتوقف البرغوثي عن النضال حتى وهو في السجن فقد ساهم في إنجاح "اتفاق القاهرة" بين الفصائل الفلسطينية، والذي قاد إلى مشاركة معظم الفصائل في انتخابات عام 2006، ودعا إلى إصلاح "فتح" ونبذ سياسة الإقصاء والتغييب.

كما وقع "وثيقة الوفاق الوطني" الصادرة عن القادة الأسرى لمختلف الفصائل الفلسطينية بسجون الاحتلال، وهي الوثيقة التي قادت إلى اتفاق مكة بين "فتح" و"حماس".

ولم ينس البرغوثي أن التعليم هو أهم عنصر في حياة الفلسطينيين فحصل في عام 2010 على الدكتوراه في العلوم السياسية من معهد البحوث والدراسات التابع لجامعة الدول العربية. ورغم وجوده بالسجن، انتخب البرغوثي مجددا عضوا في اللجنة المركزية لـ"فتح" عام 2016.

ولا تنفصل سيرة البرغوثي عن زوجته المحامية الفلسطينية فدوى البرغوثي التي برزت كوجه سياسي وإعلامي بعد اعتقال زوجها من قبل الإسرائيليين حيث تمكنت من الدفاع عن زوجها وحمل رسالته في كافة الدول وفي وسائل الإعلام المختلفة.

ابنه الأكبر قسام تكرر اعتقاله أكثر من مرة في الآونة الأخيرة.

وقد صدرت للبرغوثي بحوث وكتب، من بينها كتب: "ألف يوم في زنزانة العزل الانفرادي" و"الوعد" و"الوحدة الوطنية قانون الانتصار".

ويرى محللون أن البرغوثي قادر على تحريك الجماهير الفلسطينية، وهو الوحيد الذي يستطيع إنهاء الانقسام بين جميع الفصائل.

وفي عام 2017، سرب البرغوثي من سجنه مقالا نشر في "نيويورك تايمز" قال فيه إن السنوات التي أمضاها في السجون الإسرائيلية خولته أن يصبح شاهدا وضحية لنظام الاعتقالات الجماعية العشوائية الذي تقوم عليه المنظومة الإسرائيلية غير القانونية بحق الفلسطينيين وإساءة معاملتهم.

ودلل البرغوثي على وحشية الممارسات الإسرائيلية وقال: "كنت في الـ 15 من عمري عندما سجنت للمرة الأولى، وكنت بالكاد في الـ18 عندما أجبرني محقق إسرائيلي على الوقوف مباعدا بين ساقي وأنا عارٍ، قبل أن يضرب أعضائي التناسلية. أغمي علي فورا من شدة الألم وارتطم رأسي بالأرض، وما زالت به ندوب من ذلك، وقال ساخرا مني إن أمثالي يجب ألا ينجبوا لأنني لا أنجب سوى إرهابيين ومجرمين".

ووجه البرغوثي العام الماضي رسالة استعرض فيها أغلب التطورات الحاصلة على الساحة الفلسطينية، وأزمة حركة فتح الداخلية، التي توحي الرسالة بقلقه من تبعاتها المستقبلية على مكانة "فتح" ودورها وربما على تماسكها.

وكان هناك حديث عن إمكانية ترشحه لرئاسة السلطة في الانتخابات التي كان مزمعا إجراؤها قبل عامين، قبل إصدار رئيس السلطة محمود عباس والمنظمة قرارا بإلغائها. ويحظى البرغوثي بثقة وتأييد جزء مهم من شعب فلسطين داخل فلسطين وخارجها، انطلاقا من مواقفه من الانقسام السياسي والعلاقة مع حركتي "حماس" و"الجهاد"، والموقف من التنسيق الأمني والمقاومة الشعبية والمسلحة وغيرها من القضايا.

ولمعرفته بوزن البرغوثي قرر وزير ما يسمى الأمن الداخلي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، نقل مروان و70 أسيرا آخرين إلى سجن نفحة شديد الحراسة.

الاحتلال يصر على ألا يكون البرغوثي في أية صفقة تبادل أسرى، وتتفق الأوساط الإسرائيلية على أن شخصية البرغوثي تشبه شخصية الرئيس الراحل ياسر عرفات ( أبو عمار) في أنه يفاوض لكنه لا يتخلى عن المقاومة لتحقيق حلم شعبه.

"حماس" طلبت ضم البرغوثي، لصفقة تبادل الأسرى المزمع عقدها لكن سلطات الاحتلال تحفظت على هذا الطلب حتى الآن.

الصحافة الغربية تعتقد أن البرغوثي من الممكن أن يقوم بدور شبيه بدور نيلسون مانديلا الذي عاش سنوات طويلة في سجون الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وبأنه في حال ترشحه لرئاسة السلطة سيفوز حتى لو كان منافسه عباس نفسه أو إسماعيل هنية، وسيعمل على وأد الخلاف وحالة الانقسام.

عائلة البرغوثي وآخرون يعتقدون بأن السلطة لا ترغب إطلاقا في الإفراج عن البرغوثي بوصفه منافسا لها وفي حال فوزه برئاسة السلطة فهو سيعمد إلى طرد "عصابة" التنسيق الأمني خارج حدود المقاطعة.