سياسة عربية

اقتحام نقابة المهندسين بمصر.. خبراء يحذرون من "مؤشرات كارثية"

جدت أحداث عنف خلال الحمعية العمومية غير العادية لنقابة المهندسين بمصر- تويتر
أثار اقتحام مؤيدين للنظام المصري الحاكم مقر اقتراع الجمعية العمومية غير العادية لنقابة المهندسين المصريين في العاصمة القاهرة، الثلاثاء، وإتلاف عشرات الصناديق التي شارك بها نحو 25 ألف مهندس، المخاوف على مستقبل العمل النقابي في البلاد.

"صراع المهندسين"
بداية القصة جاءت بطلب نحو ألفي عضو من أعضاء الجمعية العمومية لنقابة المهندسين المصرية من التابعين لحزب "مستقبل وطن" ذي الأغلبية بمجلسي النواب والشيوخ والذراع السياسية لرئيس النظام عبدالفتاح السيسي، سحب الثقة من نقيب المهندسين الذي استجاب لذلك المطلب.

نقيب المهندسين، طارق النبرواي، ذو التوجه الناصري والمحسوب على جبهة "الاستقلال"، المعارضة، كان قد فاز بمنصب النقيب بعد هزيمة رجل النظام النقيب السابق ووزير النقل السابق هاني ضاحي، في آذار/ مارس 2022، فيما سيطر حزب "مستقبل وطن"، على أغلب لجان النقابة.

جرت الدعوة للجمعية العمومية، الثلاثاء، بمركز المؤتمرات "شرق القاهرة"، وبإشراف قضائي، فيما اكتمل النصاب وأشارت النتائج الأولية تأكيد أغلب المهندسين المشاركين تمسكهم بنقيبهم في مواجهة دعوات مهندسي حزب "مستقبل وطن"، سحب الثقة منه.

لكن، وفي العاشرة مساء بالتوقيت المحلي، وقبيل إعلان القضاة النتائج النهائية، رصدت بعض مقاطع الفيديو المصورة في بث مباشر عبر الإنترنت هجوم بعض الأشخاص بينهم نواب بالبرلمان عن "حزب مستقبل وطن"، على مقر الجمعية العمومية وقيامهم بإتلاف صناديق الاقتراع.

وهو ما قابله اتهامات من المهندسين الغاضبين لـ"حزب مستقبل وطن"، ولمن أسموهم بالبلطجية برعاية "الأمن الوطني"، بارتكاب هذا الفعل، وفق بعض المقاطع.

ونشر نقيب المهندسين، مقطعا لاعتداء من دعاهم بالبلطجية، وبعض المهندسين ورؤساء بعض اللجان بالنقابة عن حزب "مستقبل وطن"، فيما ظهرت صور ثلاثة برلمانيين بمجلس النواب وهم إيهاب العمدة، ومحمد عبدالرحمن راضي، وأبانوب عزت عزيز.



"90 بالمئة"
عقب الواقعة خاطب النبرواي، المهندسين قائلا: "كان مشهدا تاريخيا لنحو 24 ألف مهندس، في رقم لم يحدث بتاريخ النقابة، جاءوا دفاعا عن نقابتهم ومطالب مهنتهم ورفضا لتدخل الأحزاب بالعمل النقابي".

وأعلن أن "نتيجة الاقتراع جاءت برفض طلب مهندسي حزب (مستقبل وطن) بطرح الثقة في النقيب"، مشيرا إلى أن "أكثر من 90 بالمئة من المهندسين يرفضون سحب الثقة من النقيب".

النبراوي، طالب السيسي، بمنع تدخل حزب الأغلبية بشؤون نقابة المهندسين، وبضرورة إعلان نتيجة الجمعية العمومية، المثبتة بالكاميرات، والتحقيق مع من تسبب في هذا الأمر وأعضاء من حزب "مستقبل وطن".



"بلاغ للنائب العام"
وفي بث مباشر خلال صفحتها بـ"فيسبوك"، تقدمت النائبة بمجلس النواب مها عبدالناصر، ببلاغ للنائب العام المصري، بالواقعة، مؤكدة أنها شاهدة عيان على اقتحام من أسمتهم بـ"المنتفعين من النقابة ومن لا يريدون لمصر التقدم"، بكسر الصناديق وكسر ذراع أحد المهندسين.

وقالت مخاطبة الجهات القضائية والسيادية والرسمية، إنها جاهزة للسؤال أمام جميع تلك الجهات، مطالبة بمحاسبة كل من تورط في تسليط البلطجية وترويع القضاة حتى لا يعلنوا نتيجة اقتراع المهندسين، متسائلة: "هل تتقدم مصر بهذه الطريقة؟".



من أكثر مقاطع الفيديو التي وصفت الحادثة تأثيرا، كان بث مباشر بكت من خلاله مهندسة مصرية على ما اعتبرته ضياع إرادة المهندسين، متهمة الأمن بالتواطؤ، قائلة: "الأمن سابنا (تركنا) والصناديق اتكسرت".


من جانبه، أمر النائب العام المصري المستشار حمادة الصاوي، بالتحقيق في البلاغات المقدمة حول الأحداث التي شهدتها الجمعية العمومية الطارئة.

وتأتي واقعة اقتحام نقابة المهندسين على غرار اقتحام الأمن والبلطجية نقابة الصحفيين في أيار/ مايو عام 2016، كما تأتي محاولة سحب الثقة من نقيب المهندسين المعارض للنظام بعد فوز تيار المعارضة بنقابة الصحفيين بمنصب النقيب في آذار/ مارس الماضي، ما يثير المخاوف حول مستقبل العمل النقابي بالبلاد.

"مستقبل كئيب ويائس"
وفي تعليقه على واقعة تخريب صناديق اقتراع المهندسين، قال القيادي بحزب "التحالف الشعبي"، المهندس فؤاد سراج الدين، لـ"عربي21"، إن "ما حدث من تعدي على نقابة المهندسين هو تهريج وبلطجة أضرت بالنظام قبل المعارضين".

وأضاف: "خاصة ونحن مقبلون على انتخابات الرئاسة 2024، وأثناء إجراء الحوار الوطني، الذي انسحب منه فاقدي الثقة في جدواه؛ ما زاد من توتر وزعزعة الجميع واستنكارهم لتصرفات بعض المحسوبين على النظام".

ووصف ما يجري من بعض المنتسبين للنظام في مصر بأنهم كمن "ألقى بحجر لقتل ذبابة على وجه المسؤولين فبطحوهم، ويحسبون أنهم بغباء يحسنون صنعا، تماما كما يفعل غباء بعض الإعلاميين، فهم يخصمون من شعبية النظام كل دقيقة يتحدثون فيها حتى كادت تقوضه".

سراج الدين، أكد أن اللجوء إلى القانون هنا هو الأجدر بالاتباع، معتقدا أن "التحقيق في واقعة اقتحام مقر الجمعية العمومية للمهندسين سريعا قد يخفف من هول الصدمة التي أغضبتنا مع آلاف المهندسين".

وختم حديثه بالقول: "هذه الرعونة وغباء تصرفات البعض ينذر بمستقبل كئيب ويائس وكوارث تطل علينا من الأفق السياسي البعيد".

"تفاعل وغضب"
أحداث نقابة المهندسين شهدت تفاعلا واسعا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث وصفها نشطاء بـ"البلطجة"، لمنع القاضي من إعلان النتيجة المحسومة لصالح نقيب المهندسين وإرادة أغلبية المهندسين، منتقدين حدوث الواقعة بالتزامن مع مجريات "الحوار الوطني".


وبرغم ما جرى من تحطيم لصناديق الاقتراع إلا أن رئيس حزب الخضر المصري المهندس محمد عوض، اعتبر أن تصويت المهندسين برفض سحب الثقة من نقيبهم "درسا من مهندسي مصر"، مؤكدا أن من اقترعوا هم "خريجو كليات الهندسة الحقيقيين"، مؤكدا أن تصويتهم يعد "إنذارا نهائيا".



لكن نشطاء، بتحري بعض المقاطع والصور المنشورة لواقعة اقتحام الجمعية العمومية للمهندسين، أكدوا تورط النائب عن "مستقبل وطن" إيهاب العمدة، عضو الحزب الوطني السابق، والمتهم الرئيسي في الاعتداء على ثوار يناير 2011، بميدان التحرير في "موقعة الجمل" 2 شباط/ فبراير 2011.



"ماذا يجري في المهندسين؟"
من جانبه، عبر المستشار الأسبق لوزير البيئة المصري المهندس حسام محرم، عن أسفه "لما حدث بنقابة المهندسين من اعتداءات وبلطجة وتحطيم لصناديق التصويت بهدف عرقلة إعلان النتائج".

واعتبر في حديثه لـ"عربي21"، أن "انسحاب ممثلي الجهات التي تدير الانتخابات بدلا من الإصرار على استكمالها للحفاظ على هيبة الدولة والمؤسسات والقانون، وإشاعة البلطجة وشريعة الغاب، إهدار لفكرة دولة القانون".

وقال: "في حدود رصدي لمجريات الأمور في النقابة، هناك ملفات ساهمت بتفجير الموقف بعد تولي النبراوي لمنصب النقيب، أهمها قرار عدم الجمع بين عضوية مجلس النقابة وبين تمثيل النقابة في مجالس إدارات الشركات".

وأضاف:  "كنت صاحب هذا المقترح وقدمته عبر مجموعة نقابة المهندسين في واتساب منذ أشهر، تطبيقا لمبدأ الفصل بين الإدارة والملكية لضمان الخبرة والكفاءة، وإسناد عضوية مجالس إدارة الشركات لمهندسين ذوي خبرة من خارج تشكيلات النقابة لضمان عدم تضارب المصالح".

وأشار إلى أنه "تم الأخذ بهذا المقترح بعد موافقة الجمعية العمومية التي انعقدت منذ أشهر وأصدرت عدة قرارات أخرى هامة".

ولفت محرم، إلى أن "مخاوف البعض من توجه النقابة لإعادة تنظيم ملف المعاهد الهندسية الخاصة، ووضع ضوابط نوعية وكمية للقبول بكليات الهندسة، حفاظا على كفاءة وتنافسية وسمعة خريجي الهندسة، وخفض معدلات البطالة بينهم والناتجة عن تخمة التعليم الهندسي الخاص الذي تحول لسبوبة بلا ضوابط".

وتابع: "تساورني شكوك غير مؤكدة بشأن علاقة غسيل الأموال بالتعليم الخاص عموما في مصر استنادا لبعض الشواهد المريبة المتعلقة بهذا الملف في ظل تزايد مخاوف أصحاب الثروات المتحصلة بوسائل الكسب غير المشروع بعد ثورة يناير 2011، وينبغي تتبع هذه الشكوك لتحديد مدى صحتها".

ويعتقد المسؤول الحكومي السابق، أن "مصالح بعض المكاتب الإستشارية وبعض المصالح المرتبطة بقطاع المقاولات ربما يكون لها دور أيضا في التأثير على مجريات الأمور في النقابة، عبر ممثليها بالنقابة لضمان حماية وتمرير مصالحها المتعلقة بصلاحيات النقابة".

‏الإعلامي المصري في فضائية "الجزيرة" القطرية، مصطفى عاشور، أثار جانبا آخر من الصراع بين النظام وبين معارضيه داخل النقابة، مشيرا إلى رفض نقيب المهندسين طارق النبراوي، بيع الحكومة المصرية توكيل شركة بويات "jutun"، لأحد المستثمرين الخليجيين، وهو ما أشار إليه نقيب المهندسين في حوار سابق مع موقع "القاهرة 24" المحلي.

وقال عاشور: "ولأن النبراوي، نشف دماغه (رفض) كانت فكرة البلطجي الأولى سحب الثقة، ولما قال المهندسون كلمتهم وأعطوا النقيب النبراوي ثقتهم بـ90 بالمئة تضايق الواد (الولد) البلطجي فدمر المكان بمساعدة مجهولين معلومي الهوية".

"ماذا على الدولة؟"
وفي إجابته على هذا التساؤل، قال محرم: "ينبغي على الدولة معاقبة رجال الظل داخل وخارج النقابة، والذين خططوا لهذه المهزلة، حفاظا على سمعة مصر وصورتها أمام الرأي العام العالمي في توقيت تحتاج فيه التأكيد على مناخ الاستقرار بهدف جذب الاستثمارات لمواجهة الأزمة الاقتصادية".

وأضاف: "بدلا من التصرف بشكل مسئول فإذ بنا نشهد سلوكا مراهقا من بعض الكبار المتصاغرين بتصرفاتهم التي لا تليق برجال دولة أو محسوبين على الدولة".

ويرى محرم، أيضا أنه "ينبغي أن تخرج الدولة بدروس من هذه الواقعة، أهمها تنظيف مواقع صنع واتخاذ القرار من المراهقين، لأنهم يسيئون التصرف ويحرجون الدولة ويدمرون المجتمع المدني، الذي هو جزء من البنية المؤسسية للمجتمع".

وأكد أنهم، "يشوهون صورة مصر، ويشيعون اليأس من كل سبل الإصلاح ويزيدون من دائرة الكراهية، إما برعونة أو عن عمد باستغلال أي شاردة أو واردة لخلق أجواء تراكمية شبيهة بأجواء ما قبل اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات (1981)".

وأشار إلى أنهم "متوهمون أن الجناح الذي ينتمون له سيجني الثمار، بينما هم لا يدركون أن المشهد الوطني وصل درجة عميقة من الهشاشة لن تعطي الفرصة لأي جناح مؤيد أو معارض لجني ثمرة أي تحرك شعبي قادم، بل ربما سيكون أعداء مصر هم الرابح الوحيد".