ملفات وتقارير

مزارعون مصريون غاضبون من الحكومة والتجار.. "يسرقون جهدنا"

سعر طن الأرز الأبيض وصل قبل شهر رمضان الماضي إلى 24 ألف جنيه وهو اليوم يناهز 30 ألف جنيه- عربي21
اشتكى فلاحون ومزارعون مصريون، مما اعتبروه سرقة التجار والدولة جهدهم طوال العام، بشراء محاصيلهم بأسعار بخسة لا تعوضهم عما أنفقوه، وفي المقابل تربح التجار من ورائهم وزيادة أزمات البلاد ومعاناة نحو 105 ملايين مصري من التضخم والغلاء.

وفي حديثهم لـ"عربي21"، ضربوا مثلا بمحصول الأرز الشعير الذي اشتراه منهم التجار بسعر ما بين 7 و10 آلاف جنيه للطن بحسب نوعيته عقب الحصاد، ليقوم التجار بجمعه وتخزينه ثم بيعه، بين 14 و15 ألف جنيه، بعد نحو شهرين من الحصاد، حتى وصل سعره الآن نحو 3 أضعاف سعر شرائه من الفلاح، (سعر الدولار 30.84 جنيها).

وأوضحوا أن سعر طن الأرز الأبيض وصل قبل شهر رمضان الماضي إلى 24 ألف جنيه، وهو اليوم يناهز 30 ألف جنيه، منتقدين غياب دور الدولة، متمثلة في وزارات الزراعة والتموين والداخلية.

ووجهوا الاتهامات للحكومة بتركهم للتجار دون رقابة مع علم الأجهزة الرقابية والتموينية باحتكار السلع وتخزينها حتى تشح في الأسواق ثم بيعها بأضعاف الثمن، ما يثقل كاهل ملايين المصريين.

وأكدوا أن جهدهم في محصول البصل والقمح اللذين جرى جنيهما قبل أيام سيذهب سدى، حيث أنهم مضطرون للبيع لتعويض ما صرفوه طوال الموسم، وبسعر لا يعادل جهدهم، ليقوم التجار بجمع تلك المحاصيل وتخزينها ثم رفع سعرها.

"نار التجار ونار الأسعار"
عماد، (50 عاما)، أحد صغار المزارعين، يقول لـ"عربي21": "الحكومة تتركنا للتجار ولا ترحمنها هي الأخرى من زيادة موسمية بأسعار الأسمدة الكيماوية والمبيدات الحشرية والبذور، والسولار الذي يرفع أسعار آلات الحرث والحصاد والدريس".

ويضيف: "باع الفلاح للتجار طن الأرز البلدي شعير  الموسم الماضي بـ10 آلاف جنيه، بينما باع نوع (104) أرز شعير بـ8 آلاف جنيه، والآن وصل سعر طن الشعير نحو 20 ألف جنيه، أي كسب التجار الضعف بتخزين المحصول".

ويبين أن "الأرز الأبيض بلغ سعر الكيلو للمستهلك الآن 35 جنيها، وتعدى سعر الشيكارة زنة 25 كيلو مبلغ الـ800 جنيه لدى التجار وأصحاب المضارب"، وهو السعر الذي يزيد عن تلك القيمة في السوبر ماركت والمحال التجارية والمناطق الحضرية.

ويوضح أن "السعر الذي نبيع به للتجار غير عادل ولا يناسب جهدي وجهد أسرتي طوال الموسم، ولا يتناسب مع ارتفاع أسعار التقاوي والأسمدة الكيماوية ولا تكلفة الحرث والري ولا الحصاد والدريس".

ويؤكد أن "هذا العام بلغ سعر تقاوي الأرز ما بين 25 و30 جنيها للكيلو بحسب نوعيته"، لافتا إلى أن "الفدان يحتاج مشتلا بمساحة 24 قصبة التي يكفيها 5 كيلو أرز، ما يعني أن الفدان يحتاج نحو 3 آلاف جنيه تقاوي"، ملمحا إلى أن "فدان الذرة يحتاج شيكارة 5 ك ثمنها 1300 جنيه".

"صدمات متتالية"
الحاج عبد الله، (70 عاما) مؤاجر لقطعة أرض يزرعها في الشتاء قمحا وفي الصيف أرزا، يقول لـ"عربي21"، إن "صدمة الفلاح كل موسم كبيرة".

ويضيف: "بعت كيلو البصل بـ9 جنيهات من الأرض للتاجر، وبعد أيام قليلة باع التجار الكيلو من 15 حتى 20 جنيها محققين مكسبا من 6 إلى 11 جنيها رغم أننا ببداية الموسم، وبعد تخزينه سيصل سعره أضعاف ذلك بنهاية الموسم".

ويلفت إلى أنه باع "الغلة (القمح) من أرضها بـ1460 جنيها للأردب زنة 150 كيلو والتي يزنها التاجر 152.5 بزيادة 2.5 كيلو عن حقه، ويقوم التاجر بتوريدها للحكومة بـ1500 جنيه صافي، ولكنه يسلم جزءا بسيطا جدا ويخزن الباقي حتى يرتفع سعره".

ويؤكد أن "الفلاح يبيع ببلاش والتاجر يكسب دون جهد أو تعب أو تكلفة"، موضحا أن محصول "البامية بداية الموسم قبل أيام باعه المزارعون للتجار بـ25 جنيها، ولكنهم يبيعونه في أسواق الريف بـ50 جنيها ويصل لأكثر من ذلك في المدن والقاهرة".

ويعتقد أن "التاجر الوسيط يجمع محصول البامية من يد التجار بـ25 جنيها ويسلمها من 35 إلى 40 جنيها لتجار آخرين ليتم البيع بـ50 و60 وقد تصل في وقت من الموسم لـ100 جنيه".

"يسرقون شقانا"
عبد الستار، (65 عاما) مالك قطعة أرض من الإصلاح الزراعي، يتساءل: "ماذا يكسب الفلاح الذي يدفع ولا يحصل على شيء، ويتكلف إيجار الأرض والحرث والتقاوي والكيماويات والمبيدات والري، وشقا عائلة كاملة ومبيت في الغيط".

ويبين أن "حصيلة موسم فدان الغلة (القمح) نحو 25 ألف جنيه بعد البيع للتاجر، بالإضافة إلى ألف جنيه من ثمن التبن (طعام للحيوانات)، بينما يتكلف الفدان نحو 20 ألف جنيه".

ويوضح أن "إيجار الفدان 10 آلاف جنيه، بعدما ارتفع عن العام الماضي من 8 آلاف جنيه، فيما يتكلف الفدان حرثا، وريا، وأسمدة (3 شكاير بـ1200)، وكيماويات، وأجور عمالة، ثم حصاد ودريس، إجمالي نحو 10 آلاف جنيه، يعني جهد عام كامل مقابل 5 آلاف جنيه يكسبها التاجر لمجرد تخزين السلعة عدة أسابيع".

ويشير إلى الارتفاع الكبير في مدخلات الإنتاح، ويبين أن "فدان الأرز يحتاج نحو 120 كيلو تقاوي بسعر الكيلو 25 جنيها ما يعني 3 آلاف جنيه تقاوي فقط، بجانب تكلفة الفرد والشتيل حوالي 3 آلاف جنيه بزيادة 1000 جنيه عن العام الماضي".

ويؤكد أن "فدان الأرز يكلف المزارع نحو 10 آلاف جنيه بجانب 10 آلاف جنيه أخرى إيجار؛ بينما يُنتج الفدان نحو 2.5 طن أرز بقيمة حوالي 25 ألف جنيه، ما يعني أن مكسب الفلاح 5 آلاف جنيه فقط، بينما يحصد التجار أضعاف ذلك، والفلاح يعمل بدون أجر".

"ماذا يقول التجار؟"
"عربي21"، تواصلت مع صاحب إحدى مضارب الأرز في محافظة الشرقية، الذي رفض اتهام الفلاحين لأصحاب المضارب والمطاحن والتجار بالحصول على الغنيمة من عمليات الإنتاج الزراعي منفردين.

وينفي ما يثار حول تخزينهم للسلع واحتكارها ورفع سعرها، ويؤكد أن الرقابة الحكومية عليهم شديدة، وما يتعرضون له من غرامات ومحاضر تكلفهم آلاف الجنيهات، كما أن الحكومة تمنعهم من نقل السلع من محافظة لأخرى.

ويشدد على أن سعر البيع والشراء تحدده الحكومة أو سوق العرض والطلب، وأنهم يقومون بتشغيل عمالة للنقل وفي المضارب والمطاحن والمخازن، ويدفعون للدولة ضرائب وتأمينات وكهرباء وإتاوات للموظفين.

"جمع وتخزين وتعطيش"
لكن أحد العاملين في مضرب أرز خاص، يقول لـ"عربي21": "يقوم صاحب المضرب بتوجيه عشرات التجار الصغار لجمع الأرز والقمح وباقي المحاصيل من المزارعين ويقوم بجمعها في مخازن خاصة به متفرقة في مناطق عديدة، ولا يُخرج منها إلا بحساب".

ويستدرك: "بينما يضع في المضرب كميات أقل بكثير جدا من الذي جمعه، وعند وصول أي لجنة تفتيش من وزارة التموين لا تجد مخالفات، وإن وجدت يجري تسويتها في الحال".

ويضيف أنه "يمنع خروج حبة أرز واحدة من مخازنه إلا بعد تعطيش السوق وارتفاع السعر للضعف، وبهذا يحقق أرباحا خيالية كل عام".

ويلفت إلى أنه "هذا العام قام بتبوير نحو نصف فدان، وقام بتبليطه بالأسمنت ليجمع أكبر كمية من الغلال، بأسعار زهيدة من الفلاحين".


"ماذا يقول الأهالي؟"
أبو أحمد، (موظف 55 عاما)، يقول: "كنت أشتري الأرز من الفلاحين مع الحصاد بسعر مناسب بعض الشيء، ولكن هذا العام نظرا لظروفي المالية لم أتمكن، ما فاقم تكلفة شرائي للأرز".

ويبين أنه "اشترى شيكارة الأرز 25 كيلو قبل أيام بـ750 جنيها ما يعني أن سعر الكيلو 30 جنيها"، متهما التجار بـ"التغول وزيادة أزمات المصريين والتربح منها".

ويوضح أنه حاول استدراك خطئه بشراء كمية من البصل تكفيه طوال العام، فوجد السعر 15 جنيها، وعندما ذهب للشراء في اليوم التالي وجده تعدى الـ20 جنيها، رغم تأكيد البعض أن سعره من الحقل 10 جنيهات فقط.

وحول عدم تقدمه بشكاوى لوزارة التموين أو أي جهة رقابية، يقول: "لن تغير الشكوى من توحش التجار، والجميع يعلم أن موظفي الحكومة يحصلون على الإتاوات من التجار والمضارب والمطاحن والمخابز والسوبر ماركت".

"الحل.. بورصة زراعية"
وعرضت "عربي21" شكاوى المزارعين والمستهلكين من التجار، على المستثمر المصري في المجال الزراعي خالد درويش، الذي يقول: "من الآخر كل ما ذكروه من شكاوى هي حقائق مؤسفة".

ويؤكد أن نماذج هذا التضارب عديدة والأرقام كثيرة ومتواصلة حول شراء التجار المحاصيل من المزارعين بسعر قليل وتخزينها وإعادة بيعها بأضعاف ثمنها.

ويوضح أن "كل السلع غير مسعرة إجباريا، سوى القمح فقط الذي يجري تسعيره من قبل الدولة"، مشيرا إلى أنك "لذلك تجد العجب العجاب".

ويضيف: "كل أنواع الخضروات مثل محاصيل البسلة والفاصوليا الخضراء، وغيرها، يشتريها التجار بثلث الثمن من المنتج الزراعي، وقس على ذلك جميع أنواع الفواكه وبينها الموز".

وبشأن الحل المفترض لإنصاف الفلاح وتعويض خسارته ودعمه، يرى درويش، أنه "بدون إيجاد الآليات العملية لضرب الحلقات الوسيطة بين المزارع والمستهلك فلا أمل".

وحول الآليات التي يقصدها، وهل منها الرقابة على التجار، يعتقد أن "الرقابة سوف تزيد اللصوص لصا، والحل بإيجاد بورصة زراعية شفافة، ليس دورها تسعير السلع بل إيجاد آليات شفافة لالتقاء المشتري والبائع مباشرة، وعندها يمكن الوصول لسعر عادل".