تقارير

"الهاليو" ورقة رابحة لكوريا الجنوبية!

فرقة "بي تي إس" في مقر الأمم المتحدة
الـ"هاليو-Hallyu" مصطلح شائع استعمله صحفيون صينيون لأول مرة، وأشاروا به إلى الثقافة الكورية وانتشارها الواسع، من مسلسلات وأفلام وموسيقى، فتمثل الهاليو الثقافة الشعبية الكورية التي اجتاحت العالم.

مرت كوريا بأزمة اقتصادية كبيرة عام 1997، مما دفعها إلى التفكير بشكل أعمق بطريقة لزيادة إيرادات الدولة، فانصب اهتمام الحكومة على التكنولوجيا ومجالاتها، ثم وجدت أن العمل على تصدير الثقافة الشعبية إلى خارج حدود البلاد، وزيادة الاهتمام بقطاع الترفيه، وتوسيع الصناعات الإبداعية المحددة، قد تجلب عائدا لا يُستهان به، واعتبرتها الدولة أسلوبا لتعزيز النمو الاقتصادي، وهذا بالضبط ما نشهده اليوم في كوريا الجنوبية، فأصبح لثقافتها تأثير كبير وانتشار مدوٍ، وكل هذا يعد إحدى نقاط قوة الدولة.

شهدت الموجة الكورية إقبالاً شديدًا بين صفوف الشباب والمراهقين في شرق آسيا أولاً، ثم امتدت شعبيتها إلى أوروبا وأمريكا والشرق الأوسط، وصولا إلى كافة أنحاء العالم، واعتمدوا على الفن والموسيقى والأفلام والمسلسلات في نشر ثقافة بلادهم من أطعمة وتقاليد ولغة.

فاليوم لم تعد أفلام هوليوود هي وحدها من تحقق نسب مشاهدات عالية، ولم تعد الأغاني الأجنبية هي وحدها الفن الموسيقي الرائج بين الشباب، كما لم تعد الجوائز حصرًا على الفنانين من بلاد الغرب، بل أصبحت كوريا إحدى البلاد التي لها صوتها الصاخب والمسموع في ميادين الفن بأنواعه، وأصبحت خصمًا لا يستهان به في تصدير هذا الفن، ويعتمد فنّهم على المواهب الشبابية التي تعمل وكالات الترفيه على اكتشافها، وتدريبها لفترات طويلة قد تمتد لسنوات، ثم تعمل على إخراجها بصورة مناسبة للجمهور بعد جاهزيتها.

الدراما الكورية
للدراما الكورية والتي يطلق عليها اسم (كي دراما/ K-Dramas) أطنان من المشاهدين وملايين من المتابعين، وهناك الكثير من المسلسلات الكورية التي حققت نجاحًا عالميا مبهرا، وأبرزها "لعبة الحبار- squid Game" إذ حقق نسبة هائلة من المشاهدات منذ أن عرض، ووفقا لما نشره الحساب الرسمي لنيتفلكس على "تويتر"، فقد "وصل عدد متابعي سكويد غيم رسميًا إلى 111 مليونًا مما يجعله صاحب أكبر انطلاقة لمسلسل لنيتفلكس على الإطلاق" ونشرت هذه التغريدة بعد أقل من شهر من بداية عرض المسلسل فقط.


في عام 2020، فاز فيلم "Parasite- طفيلي" الكوري بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية، وجائزة أفضل سيناريو أصلي، والملفت أن مخرج الفيلم ومؤلفه "بونغ جون هو" قد نال أربع جوائز أوسكار مرة واحدة في نفس العام، وبالتأكيد كان لهذه الجوائز صداها المدوي بين الجماهير حول العالم، وهذه النجاحات للدراما الكورية، استطاعت لفت أنظار العالم نحوها، وإثبات قوتها وقدرتها على منافسة أفلام هوليوود.

الكيبوب
إن فن البوب الكوري "K-POP"، والأغاني الكورية قد تعتبر الحجر الأساس في انتشار الثقافة الشعبية الكورية، والإقبال عليها، والرغبة في تعلم لغتها، فكما كان لموسيقى البوب الأمريكية عصر ذهبي، فاليوم هو العصر الذهبي للبوب الكوري، وواحدة من أهم الأغاني الكورية التي ساعدت على انتشار الكيبوب، هي أغنية "Gangnam Style" التي صدرت عام 2012، وحقق الفيديو الموسيقي الخاص بالأغنية على منصة يوتيوب رقما قياسيا بوصفه أول فيديو موسيقي يحصل على مليار مشاهدة على يوتيوب.

ثم بدأ الاهتمام بهذا النوع من الأغاني بالتزايد، وأخذت أغاني البوب الكورية بالانتشار بشكل أسرع، وبدأت بتلقي الترحيب الكبير من قبل الجمهور، وزاد هذا الاهتمام بعد ظهور فرقتي "بي تي إس"، و"بلاك بينك".

BTS
وتعرف أيضا بـ"بانقتان سونيوندان"، وهي إحدى أشهر الفرق الغنائية بالعالم، تتبع وكالة "بيغ هيت" الكورية، وظهرت رسميًا لأول مرة عام 2013، مكونة من سبعة أعضاء شباب، تتطرق أغانيهم إلى مواضيع ذات روح شبابية أكثر، ولا تكتفي بالحديث عن الحب كما هو معتاد في الموسيقى، بل تتحدث عن الصعوبات التي يمر بها الأفراد في سن الشباب والمراهقة، وتتطرق إلى مواضيع الصحة النفسية والسلام النفسي وحب الذات، ولهم ألبوم كامل يدعى "love your self".

نالت هذه الفرقة شهرتها بنوع موسيقاها الفريد، فكان لها حضورها القوي حتى في أمريكا، التي كانت تتسيّد فن البوب في وقت من الأوقات.

عُرفت هذه الفرقة بتحقيقها للأرقام القياسية، وحصولها على كثير من الجوائز على الصعيد الوطني والعالمي، فتعتبر الفرقة أول فنان كوري يتصدر قائمة بيلبورد 200، وهو مخطط موسيقي عالمي يرتب الأغاني وفق حجم المبيعات أو الاستماع والبث، وحصلت الفرقة على جائزة بيلبورد الموسيقية لأفضل فنان اجتماعي عام 2017، وتعتبر "بي تي إس" أول فرقة كورية تقدم أداءً موسيقيًا في حفل جوائز الموسيقى الأمريكية، كما كانت أول فرقة كورية تحصل على شهادة ذهبية من ""RIAA، والكثير من الجوائز والأرقام القياسية التي ما زالت هذه الفرقة تسجلها بفضل جمهورها الداعم والذي يعتبر أقوى قاعدة جماهيرية في العالم "الآرمي- Army".

وفي الحديث عن الأرقام القياسية، كان لهذه الفرقة بصمتها أيضا، فقد حققت أغنيتهم "Dynamite" (ديناميت) التي صدرت عام 2020، 101 مليون مشاهدة في 24 ساعة فقط من إطلاقها، وتجاوزتها في العام التالي أغنية "butter” للفرقة نفسها، حيث حققت هذه الأغنية أكثر من 108 مليون مشاهدة خلال 24 ساعة فقط.

إن عائدات هذه الفرقة من الأغاني والإعلانات والمنتجات الخاصة بهم تفوق التوقعات، وأصبح حب الشباب لهم أحد أكبر أسباب الجذب السياحي لكوريا الجنوبية، ووفقا للأبحاث فإن هذه الفرقة تساهم بالمليارات في الاقتصاد الوطني الكوري.

أدوار إنسانية ودبلوماسية
إن الأمر المثير للاهتمام هو أن تأثير هذه الفرقة ليس في عالم الموسيقى والفن فحسب، ولم يختزل دورهم بدور الفنان الموسيقي للترفيه فقط، بل شهدنا لهم العديد من الإنجازات الأخرى، فقد قام الرئيس الكوري بتعيينهم بصفة "المبعوث الرئاسي الخاص للأجيال القادمة والثقافة".

وكان لهم خطاب في مقر الأمم المتحدة لليونيسيف، تحدثوا فيه عن حملتهم "love your self" التي قاموا بها بالاشتراك مع اليونيسيف، وتناول خطابهم الحديث عن حب الذات وتقبلها بكل أخطائها وتعثراتها، والحث على الحديث مع النفس وتفهمها، وهذا ما أثر بطريقة إيجابية على جماهيرهم الذين بدأوا بالحديث عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن تخطيهم للمصاعب ووصولهم لمرحلة تقبل الذات بفعل حملة "love your self" التي أطلقتها الفرقة عبر ألبومها.

وحضرت الفرقة الدورة الـ 75 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وقدمت خطابا فيها، وتحدثت فيه عن جائحة كورونا، والتحديات التي تواجه الشباب في ظل الجائحة، وحثت الفرقة الناس على أن يبحثوا عن الضوء في أنفسهم إن كان العالم مظلما.


كما حضرت الفرقة الدورة الـ 76 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وقدمت خطابًا مؤثرا كعادتها، يلمس واقع الشباب وأفكارهم وتخوفاتهم ونظرتهم نحو المستقبل، كما عملوا على تشجيع الناس لتلقي اللقاح الخاص بكوفيد 19، وبيّن قائد الفرقة "آر إم" بأن سبعتهم قد تلقوا اللقاح، وأن هذا اللقاح كان بمثابة تذكرة للقاء معجبيهم.

وبعد أن انتهى خطابهم، قاموا بعرض أغنيتهم "permission to dance" التي قاموا بتسجيلها مسبقًا، وهم يؤدون رقصتها الخاصة في ممرات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعرضوها بمثابة رسالة ترحيبية منهم إلى الشباب المتطلعين للمستقبل.

ولم يقف دورهم هنا، بل استدعاهم الرئيس الأمريكي "جو بايدن" إلى البيت الأبيض، وألقت الفرقة خطابا فيه، ونددت بتزايد جرائم الكراهية والعنصرية ضد الآسيويين أو الأمريكيين من أصول آسيوية، وشكر بايدن الفرقة قائلاً: "إن الكراهية تنخفض وتختبئ فقط عندما يتحدث الطيبون عنها وعن كم هي سيئة، لذا شكرًا لكم."

أما الرئيس الكوري فقد اعترف بشهرة هذه الفرقة وقوتها وتأثيرها على الصعيد الوطني والعالمي، فقد قال ممازحاً في زيارته الأخيرة للكونغرس الأمريكي: "لقد سبقتني فرقة بي تي إس في ذهابها إلى البيت الأبيض، ولكنني تمكنت من دخول الكونغرس قبلهم".

وأضاف: "حتى لو لم تكن تعرف اسمي، فلا بد من أنك تعرف بي تي إس وبلاك بينك".

وبهذا تتخطى فرقة "بي تي إس" حدودها كفرقة موسيقية، فتقوم بدور دبلوماسي تارة، وتضع بصمة لها في نفوس الشباب وتتحدث عن آلامهم وآمالهم من خلال الموسيقى تارة أخرى.

وهنا يراودني سؤال محير: إلى أي مدى قد تصل قوة "بي تي إس"؟ وهل هناك ما سيدهشنا في المستقبل أيضًا؟