طغى اللون الأزرق على أغلب أعمال صفوان ميلاد

الحروفي صفوان ميلاد.. معارض في الشوارع وعلى قباب القيروان العتيقة (صور)

صفوان ميلاد فنان تشكيلي حروفي أربعيني، لا يدين بما وصل إليه في مسيرته للتكوين الأكاديمي في مجال الفنون، بل لهوس لديه بالفن التشكيلي سكنه منذ صباه حين كان والده الفنان التشكيلي خالد ميلاد، يصحبه إلى كل ما له علاقة بالفنون، التشكيلية منها على وجه الخصوص.

اطّلع منذ الصغر على دروس الفنون الجميلة من خلال الذين ارتادوا الجامعة، هو الذي لم يدرس في معاهد الفنون الجميلة، بل اكتفى بما شاهده في محيطه، وما تعلمه من والده، أو ما تمكن من الوصول إليه بفضوله الجامح المتعطش لكل ما هو جمالي وحروفي على وجه أدق. درس في المعهد الوطني للخطّ العربي، ولم ينه دراسته، لأنه لم يقبل أن يكون أسيرًا للأسلوب والنمط الأكاديمي.

فتح عينيه على تجربة والده خالد ميلاد التي كانت تتراوح بين الخط العربي وتوظيفه التشكيلي، حيث كان يعاين تعامله مع الألوان وتأثره بالمخطوط وقديم المكتوب والمنقوش والمرسوم، ويطّلع على خطوط وكتابات الأستاذ الخطاط التونسي الماهر محمد الصالح الخماسي، كما اقترب من التأمل في أعمال الخطاط والحروفي القيرواني المرحوم البشير العيساوي، إضافة إلى ما تزخر به المدوّنة الحروفية العربية شرقا وغربا من إبداعات لأسماء عديدة. كانت القيروان معلمته وملهمته في أعماله الفنية بما تحتويه من آثار حروفية في مخطوطاتها ومعمارها، وما تزخر به من موروث حضاري.



القيروان ملهمته

كان الحرف هو العنصر الأساسي ومحور جميع بحوثه التشكيلية، اجتهد كثيرا من أجل تجريد الحرف وترحيله من عالم الخط العربي المكتوب، إلى عالم الخط المرسوم. كما سعى لنقل الحرف إلى عالم الألوان، والمزج بين الأصالة والحداثة، بحثا عن توازن بين جميع العناصر التشكيلية، المستوحاة من التراث العربي الأصيل.

اختار الفنان التشكيلي صفوان ميلاد مدينة القيروان نمطاً له في كل أعماله، واتخذ من هويتها دليلا. وجسّم من خلال الجداريات، (التي تغطي مساحات واسعة من المدينة التاريخية والحديثة)، ما آمن به وترجم ألوانه في فضاءات مفتوحة على أكثر من أفق، وعلى جدران الشوارع التي تعبق برائحة ماض يوشح تاريخ القيروان. كان همه أن يجعل لوحاته الفنية مفتوحة لعموم الناس، في الشوارع والساحات ويحررها من قيود الفضاءات المغلقة، ويعفي الزوار من رسوم الدخول.

اعتمد صفوان على رمزية وإيحاءات الحرف العربي، وهي تتوزع على محامل مختلفة من القماش والجلد والخشب والخزف، من أجل رؤية جديدة يؤسس بها مدرسة حروفية تشكيلية معاصرة ذاتية. ومن وحي التجربة قرر الخروج بفنه من المساحات الضيقة والمعارض المغلقة إلى فضاءات وجدران المدن العتيقة وقبابها. وقد شكلت اللوحات الجدارية تجربة جديدة في مسار صفوان، فهي بمثابة "معارض مفتوحة" تزين المدن العتيقة، وتجسم في نظر ميلاد "رؤية فنية أكثر انفتاحا على المحيط ومتاحة أكثر للجمهور".

تأثره بمعمار المدينة العتيقة والنقوش والزخارف على مآذن المساجد وفن عمارة القباب والتيجان وشرفات السّور، طبعت لديه مرجعية ثقافية، فلا تخلو لوحاته من استلهام الفن المعماري والخط الكوفي القيرواني. وهكذا أصبحت أعماله الفنية والحروفية، محل متابعة من جميع الأوساط الإعلامية، والثقافية. وبفضل لمسات ميلاد على قباب المدينة العتيقة خاصة تلك المجاورة لجامع عقبة بن نافع بالقيروان، أصبحت القباب المزخرفة بألوان السماء، كأنما تسبح في أفق واحد. هام صفوان بالقيروان فنذر إبداعه لتخليدها، وتحلق أعماله على قباب الجوامع.


بحثا عن التفرد

نضجت التجربة، وأقام صفوان عديد المعارض والورشات والجداريات في داخل تونس وخارجها، في أعياد ومناسبات وطنية. برزت أعماله ومسيرته في عديد الصحف والقنوات الوطنية العربية والعالمية وأنجز عديد الوثائقيات. سبقته شهرته فنزل ضيف شرف على العديد من المراكز الثقافية في أوروبا، وأقام عديد الورشات وجداريات مختلفة، كما بيعت أعماله بالمزاد العلني في عديد التظاهرات الثقافية بأوروبا. ومن القيروان العتيقة توسع صفوان بأعماله التي ذاع صيتها، لينزل من جديد ضيفا على هامبورغ الألمانية وبعض بلدان الخليج العربي مثل المدينة المنورة حيث أقام ورشة هناك.

"ليس للإبداع نهاية"، هذا هو شعار الحروفي صفوان ميلاد، فهو فنان ترك بصمته في أكثر من منطقة من الجمهورية التونسية، حروفياته أصبحت علامته الفنية المميزة الموشاة بالألوان، تتماهى مع طبيعة المكان ومناخه، الحضور الطاغي للأزرق، يليق بالمناطق التي تحتضن البحر. من ياسمين الحمامات، إلى تازركة.. بصماته واضحة، في خزندار، وقصر السعيد وأريانة وتالة وهرقلة، وغيرها من المدن التونسية. "طموحي تمرير الرسالة الفنية إلى الجيل القادم من الشباب، أريد تمرير هذه الموهبة إلى الجيل الصاعد ليحافظ على الموروث الثقافي".

صفوان ميلاد يرفض أن يشارك فنانين آخرين في رسم جدارية لأنه يؤمن بأن لكل فنان رؤيته الخاصة للألوان والحروف، مؤكدا بحثه عن التفرد والتميز.

سمو الأزرق

لماذا طغى اللون الأزرق على أغلب أعمال صفوان ميلاد؟

"الأزرق لون فيه سمو ورقة"

الأزرق

ربانيّ الطلعة

يسمو في سلطنة الإشراق

يسري مثل الفكرة

يستوطن عذب الأحلام"



"جميع الألوان عنده مترعة بالأحاسيس، تنبض بالحياة، يسمح حفيفها على سطح اللوحة والجدران والقباب، وكل المحامل الأخرى، وتنمو وتتناسل. العين ميالة لقبول مفاتن الطبيعة من ألوان جذابة تارة تتوهج، وطورا تتقد وتخفت وتنطفئ، لتستجيب إلى تلك الحالات التي تنمو داخل روح الفنان".

صفوان الذي بدأ مسيرته هاويا ومتطوعا أصبح الخط العربي مصدر مورد مالي يدره بيع اللوحات في الداخل والخارج. ورغم تفرده لا يبخل على غيره بالتوجيه والنصيحة وهو الذي في رصيده حوالي 300 أثر فني، مضيفا بأنه لا يبحث إلا عن التفرد لكنه لا يزعجه سعي البعض لتقليده.