اقتصاد دولي

مخاوف إسرائيلية من سيطرة أبوظبي على عصب الاقتصاد الإسرائيلي

تحشى تل أبيب من سيطرة الإمارات على حقول الغاز الإسرائيلية - جيتي
حذرت صحيفة عبرية من محاولات الإمارات السيطرة على بعض مفاصل الاقتصاد الإسرائيلي، منوهة بأن المصالح الاقتصادية بالنسبة لأبوظبي أهم، رغم مواصلتها الضغط السياسي على تل أبيب في الشأن الفلسطيني، علما أن "حركة الكماشة" التي تسعى من خلالها للسيطرة على حقول الغاز في "إسرائيل" تثير مخاوف وقلق تل أبيب.

ونبهت صحيفة "هآرتس" في خبرها الرئيس الأربعاء الذي أعده الكاتب تسفي برئيل، أن نية شركة بترول أبوظبي الوطنية "أدنوك"، شراء بصف السيطرة في شركة "نيو- مد إنيرجي" الإسرائيلية من شركة "BP" البريطانية، "ستمنح الإمارات معقل نفوذ شديد القوة في خريطة السيطرة على نشاط الغاز في شرق حوض البحر المتوسط، وهذه هي ريح إسناد منعشة لبنيامين نتنياهو (رئيس الحكومة)، الذي تعرض لضغوط هائلة من جانب رئيس الإمارات محمد بن زايد لتهدئة سياسة القبضة الحديدية ضد الفلسطينيين وتطلعات الضم لوزرائه".

الضغط السياسي لم يتوقف
وأوضحت أن "أبوظبي لم تكتف بتحذيرات هاتفية وبمحادثات قاسية مع مندوبين إسرائيليين، بل بادرت مع الفلسطينيين لمشروع قرار في مجلس الأمن استهدف شجب سياسة إسرائيل، ومؤخرا نشر عن التهديد بتجميد صفقات أمنية، عقب تصريحات وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي أنكر وجود الشعب الفلسطيني، إضافة للحديث في مؤتمر على خلفية خريطة إسرائيل الكاملة التي تضمنت الأردن"، مؤكدة أن "الضغط السياسي لم يتوقف، لكن يبدو أن المصالح الاقتصادية أهم".

وأشارت الصحيفة إلى أنه منذ توقيع اتفاق التطبيع بين أبوظبي وتل أبيب في 2020، "رأت الإمارات في إسرائيل ذراعا حيوية لبسط نفوذها في شرق البحر المتوسط وما ورائه، عبر استثمارات مشتركة، وفي 2022، أعلن ابن زايد عن استثمارات بمبلغ 10 مليارات دولار في إسرائيل، كما عمدت شركات إماراتية شراء أجزاء في شركات إسرائيلية، بما فيها تلك التي تعنى بتطوير التكنولوجيات العسكرية، وارتفعت التجارة بين الطرفين لنحو 2 مليار دولار".

ولفتت إلى أن "تطور علاقات أبو ظبي مع تل أبيب، يأتي بالتوازي مع استثماراتها والمساعدة الاقتصادية للدول ذات الأهمية الاستراتيجية في المنطقة، مثل تركيا ومصر، حيث تسعى الإمارات من وراء الاستثمار في تركيا التي هي قاعدة التسويق الإقليمي للغاز إلى أوروبا، بحيث يكون فيها لأبو ظبي مكانة مركزية، وهذه الخطوات السياسية كفيلة بأن تضم تركيا إلى "منتدى غاز شرق البحر المتوسط" الذي يضم إلى جانب إسرائيل، اليونان، قبرص، مصر، إيطاليا، الأردن، وأبو ظبي، وحسب الخطة، غاز دول الشرق الأوسط سيوجه إلى تركيا ومن هناك إلى أوروبا، ويحل محل توريد الغاز الروسي".

وقدرت "هآرتس"، أن "سيطرة "أدنوك" على إنتاج وتسويق الغاز من حقل "لفيتان" الإسرائيلي، ستمنح أبو ظبي رافعة سيطرة مركزية في شبكة أنبوب الغاز في الشرق الأوسط، ومع ذلك، لم توقع على العقوبات التي فرضت على روسيا، والناقلات الروسية واصلت إنزال النفط في مصاف النفط التابع لـ"أدنوك" حتى وقت أخير مضى".

وفي تقرير آخر لـ "هآرتس/ ذي ماركر" شارك فيه كل من عيدان بنيامين وميخائيل روخفيرغر، أفادت بأن قيمة صفة شراء شركة بترول أبو ظبي 45 في المئة من "نيو- مد إنيرجي" (في السابق "ديلك" للتنقيب)؛ الشريك الأكبر في حقل "لفيتان"، وأيضا 5 في المئة من مجموعة "ديلك"، بلغت 14 مليار شيكل (دولار=3.55 شيكل)، منبهة إلى أن "دخول أبو ظبي لحقل "لفيتان" يبعث الخوف على المنافسة".

غياب المنافسة وزيادة المركزية
وأعلنت شركة "نيو- مد إنيرجي" أنها حصلت على عرض شراء غير ملزم من شركات الطاقة الدولية الضخمة، "بريتيش بتروليوم" وشركة "أدنوك"، والثمن المقترح هو 12.05 شيكل لكل وحدة شراكة في "نيو ميد"، وهذا يعكس ثمن أكثر 72 في المئة من الثمن في بورصة تل أبيب عشية تقديم العرض؛ حيث يشمل العرض دفع 7 مليارات شيكل نقدا.

وذكرت أن مجلس إدارة "نيو ميد"، سيعين لجنة لفحص الصفقة، وبعد أن تقدم اللجنة توصيتها، ستكون الصفقة بحاجة لمصادقة المحكمة التي ستحتاج إلى مصادقة الجمعية العمومية لـ"نيو ميد"، بأغلبية مالكي الأسهم في أوساط الجمهور، ومن ثم تحتاج الصفقة لمصادقة وزارة الطاقة الإسرائيلية.

وأفادت الصحيفة بأن الأسهم في "يو ميد" التي تسيطر عليها مجموعة "ديلك" (55 بالمئة) قفزت أمس 37 في المئة ووصلت إلى 11.7 مليار شيكل، أما أسهم "ديلك" قفزت 15 في المئة ووصلت إلى 7 مليارات شيكل.

وأكدت أن "دخول "أدنوك" الحكومية للاستثمار في "نيو ميد" يزيد الخوف من المس بالمنافسة بين حقول الغاز في إسرائيل، وربما حتى ارتفاع سعر الغاز في السوق الإسرائيلية، وهذا الخوف ينبع من أن "نيو ميد" هي شريكة في حقل "لفيتان"، الذي تمتلك حكومة أبوظبي فيه 22 في المئة من الحقوق في حقل الغاز الثاني من حيث حجمه في إسرائيل، حقل "تمار"، بواسطة شركة أخرى تمتلكها هي "مبادلة بتروليوم".

وقال مصدر رفيع سابق في مجال المنافسة: "الحكومة عملت الكثير لتفكيك المركزية في فرع الغاز، من المؤسف إذا عاد الوضع إلى الوراء"، مضيفا: "مبادلة" استثمرت في "تمار" قبل نحو عامين؛ عندما اشترت حقوق في الحقل من مجموعة شركات تابعة لـ"تشوفا"، وهذه ألزمت ببيعها لأنها كانت تمتلك "وهي ما تزال تمتلك حقوق في حقل "لفيتان" وحقل "كريش" (الذي تم بيعه لشركة "اينرجيان")، وهذا الطلب استهدف منع وضع فيه شركة واحدة تمتلك جميع حقول الغاز الطبيعي المهمة في إسرائيل، وتمنع المنافسة بينها".

ورأت "هآرتس"، أنه "يتعين على سلطة المنافسة الآن، أن تفحص بيع الحقوق في حقل "لفيتان" قبل أن تخرج هذه الصفقة لحيز التنفيذ"، لكن المدير العام للشركة، يوسي آبو، أوضح في محادة مع مستثمرين، أنه لا يرى أي مشكلة تنظيمية في الصفقة، و"يجب على حكومة إسرائيل مباركتها".

تل أبيب تفحص الصفقة
أما المحامي درور شتروم، المسؤول السابق عن المنافسة، فقال: "هذه مركزية مقلقة جدا، لأن الأمر لا يتعلق بامتلاك سلبي، هذا يضع أسئلة جدية أمام اللجنة المسؤولة عن الاستثمارات الأجنبية في مكتب رئيس الحكومة، هناك مخاوف من المس بالمصالح القومية لإسرائيل، ومع وجود جوانب تتعلق بالمنافسة، لكن في نهاية المطاف من ناحية سلطة المنافسة في الوضع الذي يوجد فيه الآن احتكار، "تمار" و"لفيتان" مسيطر عليهما من قبل جهة واحدة؛ "نوبل اينرجي" (التي تمتلك "تمار") و"شبرون" (التي تمتلك "لفيتان")، وهما نفس الجهة بالنسبة لي، لأن "شبرون" هي صاحبة "نوبل اينرجي".

المحامي اريئيل بارزيلاي، رئيس قسم الاقتصاد في "حركة جودة الحكم"، رأى أن "يد واحدة من أبو ظبي تمسك بحقل "تمار" والثانية موضوعة الآن على حقل "لفيتان"؛ بذلك أبو ظبي تعيدنا مرة أخرى لمشكلة الملكية المتقاطعة في الحقول، التي تضمن مرة أخرى غياب المنافسة وزيادة المركزية"

وبحسب بارزيلاي، "حركة الكماشة التي تنفذها أبو ظبي على اقتصاد إسرائيل؛ هي حركة مقلقة، لأن صندوق "أي.دي.كيو" (شركة القابضة الإماراتية) يريد السيطرة على "بينكس"، وقامت "مبادلة" بشراء "تمار"، والآن تسعى شركة أخرى من أبو ظبي لشراء جزء من حقل "لفيتان"، وبالتالي زيادة سيطرتها على حقول الغاز الطبيعي، التي تعتبر مادة أولية حيوية لقطاع الكهرباء، بعد السيطرة على صناديق التقاعد، هناك يد أجنبية سيطرت على الملجأ الوطني".

ونوهت الصحيفة بأن "القلق من الصفقة الآخذة في التبلور في وزارة الطاقة، بدرج أقل"، وزير الطاقة الحالي، يسرائيل كاتس، بارك الصفقة، لكنه أكد أنه "سيتم فحص تفاصيل الاتفاق بعد عرضها على مكتبه من الجهات المهنية ذات الصلة كشرط للمصادقة عليها".




كما أن هيئة المنافسة في "إسرائيل"، أكدت أنه "إذا وصلت الصفقة إليها، فسيتم فحصها".

وأشارت "هآرتس" إلى أن الصفقة من جانب مجموعة "ديلك" تحمل لها أنباء جيدة، لأنها ستحصل على نحو 700 مليون شيكل نقدا، ستساعدها على تسديد التزاماتها لمن يمتلكون أسهمها، وهي ستبقى تحت سيطرة مشتركة لـ"نيو ميد" مع "BP" وشركة بترول أبو ظبي، كما يمكن لـ"ديلك" توزيع أرباح كثيرة على أصحاب الأسهم فيها، وعلى رأسهم "تشوفا".

كما يمكن لشركة "منورة" أن تجني أرباح جيدة، فهي تمتلك بواسطة صناديق موازية 4.8  في المئة من "نيو ميد"، ويتوقع أن تربح 250 مليون شيكل، أما شركة "مغدال يتوبع" التي تمتلك 4.1 في المئة من "نيو ميد" ستربح 226 مليون شيكل.

يظهر من تقارير "نيو ميد"، أن إنتاج الغاز الطبيعي في حقل "لفيتان" زاد في 2022 ووصل إلى 11.4 مليار متر مكعب، زيادة 6.5 في المئة مقابل 2021، كما أن التصدير من حقل "لفيتان" إلى مصر في 2022 كان 4.9 مليار متر مكعب مقابل 3.4 مليار متر مكعب في 2021.