كتاب عربي 21

ما بعد الاتفاق الإيراني- السعودي: العودة إلى وستفاليا العربية الإسلامية

مصالحة سعودية إيرانية رافقتها تطورات على صعيد العلاقات البينية بين الدول العربية والإسلامية- واس
لا يزال الاتفاق الإيراني- السعودي، والذي عقد في بكين قبل حوالي أسبوعين برعاية صينية، محور النقاشات والاهتمامات في الأوساط العربية والإسلامية والدولية، سواء على مستوى المضمون أو التداعيات والدلالات أو حول تأثيراته المستقبلية على العلاقات العربية- الإيرانية.

وقد ترافق هذا الاتفاق مع تطورات مهمة على صعيد العلاقات البينية بين الدول العربية والإسلامية، فالعلاقات بين تركيا والدول العربية تشهد تطورات مهمة، وقد شهدنا مؤخرا زيارة وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو إلى مصر واللقاء مع نظيره المصري سامح شكري، وقد أعلن الطرفان عن تطوير العلاقات بين بلديهما في كافة المجالات، كما جرى البحث في عقد قمة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

ترافق هذا الاتفاق مع تطورات مهمة على صعيد العلاقات البينية بين الدول العربية والإسلامية، فالعلاقات بين تركيا والدول العربية تشهد تطورات مهمة

وبموازاة ذلك تجري جهود إيرانية- روسية لعقد لقاء رباعي سوري- تركي- إيراني- روسي، وقد يمهّد لاحقا لعقد قمة تركية- سورية، ورغم تأخر موعد هذين اللقاءين، فإن كل المعطيات السياسية والعملية تؤكد الحاجة إلى ضرورة عودة العلاقات التركية- السورية إلى طبيعتها، وهذه حاجة استراتيجية للبلدين لمواجهة مختلف التحديات المشتركة التي يواجهها البلدان، ولا سيما بعد سلسلة الزلازل والهزات التي تعرضا لها مؤخرا.

وعلى صعيد العلاقات العربية- الإيرانية نشهد تطورات إيجابية، فإضافة للاتفاق السعودي- الإيراني والتطور الإيجابي في العلاقة بين البلدين، فهناك مؤشرات إيجابية على تحسن علاقات إيران مع العديد من الدول العربية ومنها البحرين ومصر والأردن، إضافة لتعزيز هذه العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة والعراق من خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الأدميرال علي شمخاني لكل من الإمارات والعراق، وتطوير العلاقات بين إيران وهذين البلدين.

كما شهدنا أيضا مؤشرات مهمة على صعيد تطوير العلاقات بين عدد من الدول العربية وسوريا، وإمكانية عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.

وكل هذه التطورات تؤكد الحاجة إلى إعادة العلاقات العربية الإسلامية إلى أفضل مستوى لها بعد التطورات والأحداث التي شهدها العالم العربي طيلة السنوات الماضية، وأدت إما إلى قطع العلاقات بين هذه الدول أو تراجعها.

هذه التطورات تؤكد الحاجة إلى إعادة العلاقات العربية الإسلامية إلى أفضل مستوى لها بعد التطورات والأحداث التي شهدها العالم العربي طيلة السنوات الماضية، وأدت إما إلى قطع العلاقات بين هذه الدول أو تراجعها

وقد يكون البعض يتخوف من أن تكون كل هذه التطورات ليست لصالح الشعوب العربية والإسلامية، أو أن هدفها فقط تعويم بعض الأنظمة ومواجهة الثورات العربية والعودة إلى مرحلة ما قبل الثورات العربية. وهذه المخاوف رغم أهميتها وأحقيتها، فإنها تتعاطى مع التطورات من زاوية محددة وتغفل الكثير من الجوانب الإيجابية التي يمكن أن تنعكس عليها هذه التطورات على الصعد الاقتصادية والاجتماعية، ووقف الصراعات والحروب التي عانت منها بعض الدول العربية خلال السنوات الأخيرة.

فخلال السنوات الأربعين الماضية، وقبل الثورات العربية، عانت المنطقة العربية والإسلامية من العديد من الصراعات والحروب، منذ الحرب العراقية- الإيرانية ومن ثم غزو صدام حسين للعراق وحرب الخليج الثانية، ومن ثم الاحتلال الأمريكي لأفغانستان والعراق، وصولا للثورات العربية والحروب والصراعات في اليمن وليبيا وسوريا والعراق، والأزمات في لبنان والبحرين وتونس والسودان ومصر، إضافة إلى الصراعات البينية بين عدد من الدول العربية مثل الخلاف المغربي- الجزائري، وقطع العلاقات بين بعض دول الخليج ومصر من جهة وقطر من جهة أخرى، وتدهور العلاقات التركية- العربية، إضافة للصراعات الإيرانية- العربية..

كل ذلك أدى لخسارة العرب والمسلمين آلاف مليارات الدولارات وتراجع التنمية في الدول العربية والإسلامية، وسقوط ملايين الضحايا وتهجير الملايين من العرب والمسلمين، سواء داخل الدول العربية والإسلامية، أو إلى كافة أنحاء العالم، وتحول العالم العربي إلى ساحة للصراعات الدولية والإقليمية.

كل ذلك يعيدنا اليوم مجددا إلى المشروع الذي أطلقه عدد من المفكرين العرب خلال السنوات الماضية، ومنهم المفكر العراقي الدكتور عبد الحسين شعبان، والمفكر اللبناني سعد محيو، والقيادي في حزب الله الدكتور علي فياض، والوزير التونسي السابق الدكتور خالد شوكات، والأمير الأردني الحسن بن طلال، والمناضل الراحل أنيس النقاش، والباحث الفلسطيني الدكتور إياد البرغوتي، والدكتور زياد الحافظ، أو المفكر العراقي الراحل الدكتور خير الدين حسيب، والمؤتمر القومي الإسلامي، وغيرهم الكثير الكثير.

من الواضح أن العالم والمنطقة يشهدان اليوم تطورات مهمة واستراتيجية، ولا سيما منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا والعودة إلى ما يشبه الحرب الباردة في العالم وتراجع الدور الأمريكي، والأزمات التي يواجهها الكيان الصهيوني، وصعود قوى إقليمية ودولية جديدة على المسرح العالمي.. كل ذلك أعطى العرب والمسلمين الفرصة مجددا للعودة إلى ترتيب أوضاعهم

وهذا المشروع يدعو إلى حوار تركي- عربي- إيراني- كردي، وإطلاق مشروع "وستفاليا عربية إسلامية"، أو "الكونفدرالية المشرقية"، أو "الإمبراطورية المشرقية" لإنهاء الصراعات العربية والإسلامية والعمل لإعادة تعزيز الدول العربية والإسلامية ووقف كل الصراعات والحروب في المنطقة، سواء كانت بسبب الخلافات المذهبية أو التاريخية أو السياسية، وإطلاق مشروع نهضوي عربي- إسلامي يقوم على دعم حقوق الإنسان والتنمية والتعاون والتكامل الاقتصادي، والتركيز على مواجهة العدو الصهيوني والحوكمة الرشيدة.

طبعا لا تعني عودة العلاقات العربية- الإيرانية أو العلاقات العربية- التركية أو العلاقات العربية- العربية إلى طبيعتها؛ نهاية كل المشاكل ووقف كل الصراعات وتأمين حاجات المواطنين العرب والمسلمين ونهاية كل الخلافات، لكن على الأقل أنها البداية الصحيحة وفرصة جديدة لتقييم ما جرى خلال كل السنوات الماضية، والاستفادة من الأخطاء التي حصلت والعمل لبناء أسس جديدة لهذه العلاقات.

من الواضح أن العالم والمنطقة يشهدان اليوم تطورات مهمة واستراتيجية، ولا سيما منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا والعودة إلى ما يشبه الحرب الباردة في العالم وتراجع الدور الأمريكي، والأزمات التي يواجهها الكيان الصهيوني، وصعود قوى إقليمية ودولية جديدة على المسرح العالمي.. كل ذلك أعطى العرب والمسلمين الفرصة مجددا للعودة إلى ترتيب أوضاعهم ووقف الصراعات فيما بينهم، والعمل لإطلاق مشروع "وستفاليا العربية الإسلامية" مجددا.

ونحن اليوم على أبواب شهر رمضان المبارك، فهل نستفيد من هذه المناسبة الدينية العظيمة كي نفكر مجددا في مستقبل بلداننا والعمل لنشر ثقافة التعاون والتضامن والتكامل والتكافل بدل ثقافة الحروب والصراعات والكراهية والحقد؟

وكل عام وأنتم جميعا بخير.

twitter.com/kassirkassem