تقارير

المسرح قوة الفلسطينيين الناعمة لحفظ الهوية ونشر الثقافة.. تجارب

مسرح جمال باشا في يافا عام 1937.. كان قبلة للفنانين الفلسطينيين والعرب
يعتبر المسرح الفلسطيني واحدا من أهم المسارح العربية والذي كان له دور كبير في نشر الثقافة في كل الوطن العربي، إضافة إلى دوره الأساسي في الحفاظ على الهوية الفلسطينية من الاندثار على مدار قرابة القرن من الزمان.

عدد كبير من النجوم العرب في مطلع القرن الماضي كانت شهرتهم من خلال اعتلاء خشبة المسرح الفلسطيني في القدس ويافا وذلك لأهمية هذا المسرح والدور الكبير الذي كان يلعبه في حقبة مهمة من تاريخ الوطن العربي.

وصنع المسرح الفلسطيني شخصية المناضل الفلسطيني المثقف الذي لم ينكسر وحول خشبة المسرح إلى ميدان مهم لحفظ الهوية وحب الأرض، وكان ذلك ظاهرا في معظم الأعمال المسرحية تاريخيا.

يقول المخرج والممثل والكاتب المسرحي علي أبو ياسين: "المسرح مثله مثل باقي أدوات الثقافة الفلسطينية، الكتابة والصورة والفن التشكيلي والسينما، فدورنا هو من خلال ما نقدم من ثقافة وفن هو تعزيز الهوية الفلسطينية، والتمسك بأرضنا ودحض الرواية الاسرائيلية خاصة في الفترات الأخيرة لأننا نلاحظ ان هناك هجمة صهيونية على تراثنا علاوة على أرضنا".

وأضاف أبو ياسين لـ "عربي21": "هناك محاولة سرقة للثوب والأكل وكل أدوات الجمال الذي ورثناها عن أجددنا".

وتابع: "هم (المحتلون) يحاولون سرقة ليس الهواء الذي نتنفسه ولكن حكايا الجدات والسم والإبرة التي كن يطرزن بهما أثوابهن".


                                        علي أبو ياسين.. مخرج مسرحي فلسطيني

وأوضح أبو علي أن المسرح الفلسطيني مر بعدة مراحل مهمة وهي: مرحلة ما قبل النكبة والتي شهدت نهوضا ثقافيا كبيرا.

وقال: "العديد من أبناء شعبنا لا يعلمون أنه كان في يافا وحيفا والقدس فقط 15 مسرحا، وكان العرض الذي كان لا بد أن يكتب له النجاح يجب أن يقدم على مسارع حيفا ويافا".

وأضاف أن "العديد من نجوم مصر مثل يوسف وهبي وجورج أبيض وأم كلثوم وعبد الحليم وقفوا على مسارح فلسطين".

وتابع: "كان هناك نهضة فلسطينية كبيرة، وكان في القدس وحدها 15 فرقة مسرحية".

وأشار أبو ياسين إلى أنه بعد النكبة انحصر العمل المسرحي نتيجة النكبة والهجرة، ولكن في بداية ستينيات القرن الماضي عاد المسرح ليلتقط أنفاسه ويقدم عروضا رمزية لها دور مناهض للاحتلال.

وقال: "بعد سنة 1965م تشكل مسرح الثورة الفلسطينية (المسرح الوطني) الذي تكون في الخارج وكان من أهم رواده خليل طافش وحسين الأسمر.. وغيره من الأندية والمدارس بأيدي بعض الفلسطينيين".

وأضاف: "قبل قدوم السلطة درب مسرح عشتار عدة ممثلين على التمثيل المسرحي ونتيجة الظروف السياسية تراجعت عشتار، بعد ذلك أسسنا المسرح الفلسطيني ثم أسسنا البيادر التي عملت منذ عام 1994م إلى الآن وازدهرت عدة فرق".

وعدد المخرج الفلسطيني هذه المؤسسات والمسارح مثل: مؤسسة بسمة، فكرة، حكايا، مسرح الجنوب في غزة، والحكواتي، عشتار، المسرح الوطني، مسرح نعم، الحارة، والحرية في الضفة الغربية.

وقال: "كان جل ما نقدمه هو لخدمة القضية الفلسطينية، والآن المسرح الفلسطيني في أوج قوته ويقدم تدريبات مسرحية للعالم العربي وكل العالم".

وأضاف: "معظم الأعمال المسرحية التي تشارك في المهرجانات العالمية هي التي تحصد جوائز، ولدينا قدرات فردية بحاجة إلى صقل ورعاية وطنية والقطاع الخاص كي تستمر في العمل والنهوض وأخذ دورها حتى تحرير الوطن وترسيخ وتعزيز الهوية الفلسطينية".

واستبعد أبو ياسين أن تكون الحداثة وثورة المعلومات ومواقع التواصل قد أثرت على التقدم المسرحي إلى الأمام وحضور المسرح القوي.

وقال: "المسرح قديم وعريق منذ 3 آلاف عام، لا شيء يؤثر عليه، وسيظل المسرح حاضر، لأن للمسرح سحر رؤية دموع الممثلين وحضورهم".

وأضاف: "هناك حالة علاقة ما بين الجمهور والمسرح، وهذه لا تتوفر إلا لدى المسرح، كذلك فإن المسرح في حد ذاته حاضر كثقافة وكمتعة مختلفة عن باقي أشكال الفنون".

تابع: "المسرح أب الفنون وسيبقى كذلك وإلى الآن لا نزال نلاحظ أن الجهور في بعض الدول حينما يحتاج أن يذهب إلى المسرح يحتاج أن يحجز تذكرة قبل أشهر، وكل الحادثة لن تؤثر على المسرح وسيظل المسرح حاضرا وشكلا من أشكال الحياة لدى الإنسان والبشرية".

واعتبر أن سحر المسرح هو في حضور الجمهور، مؤكدا أن المسرح قوي بذاته .

وقال المخرج الفلسطيني: "العرض المسرحي حينما يقدم على التلفاز يفقد اكثر من 70% من جماله، والعروض المسرحية تشاهد فقط على خشبة المسرح".

وأضاف: "مواقع التواصل وما إلى ذلك ثورة معلومات قد يساعد المسرح في الإعلام والإعلان عن العروض المسرحية".

وتابع : "لا بد لنا أن نستفيد من الحداثة وثورة المعلومات التي تسهل الآن التواصل ما بين المسرحين وبعضهم البعض واستغلاله في الاجتماعات المباشرة"، مستدركا بالقول "ولكن في عمق المسرح كعرض المسرح يظل الحياة والدم لديه على خشبة المسرح فقط".

ووصفت الكاتبة والأديبة الفلسطينية ديانا الشناوي المسرح بأنه "أبو الفنون بكل ما تحمله الكلمة من معنى".


                                           ديانا الشناوي.. كاتبة وأديبة فلسطينية

وقالت الشناوي لـ "عربي21": "المسرح هو المرآة الصادقة التي تعبر عن المجتمع بشكل مباشر، وتكون به ردة الفعل بدون حواجز، وهو نهر عطاء إبداعي".

وأضافت: "المسرح وهو أقدم وأول الفنون التي عرفتها البشرية، كما أن المسرح الفلسطيني له خصوصية مميزة حيث يعتبر سلاح ناعم ينقل أوجاع وأحلام المواطن الفلسطيني في الأراضي المحتلة وفي الشتات وهو منبر للمقاومة والتغيير".

وأكدت الشناوي أن الفنان الفلسطيني خلق ليكون مناضلا من خلال فنه، فهو يتعامل مع قضاياه وينتصر لها.

وأوضحت أن المسرح ساهم في تأصيل وبناء الشخصية الفلسطينية حيث كان ولا زال الهم الأكبر لأي مبدع فلسطيني هو تأكيد هويته والحفاظ عليها في ظل كل ما يحدث من نهب للأرض وللهوية وللتراث وما حدث منذ نكبة 48 ونكسة 67 من تهجير وإبعاد حتى اليوم.

وقالت الشناوي: "أنتج المسرح الفلسطيني منذ بدايته العديد من المسرحيات التي تتحدث عن حب الأرض والتمسك بها فكان وسيلة قوية للحفاظ على الهوية ودعم النضال والتواصل بين الاجيال وتعزيز المقومات النضالية والثقافة الإيجابية التي تساهم في البناء".

وأضافت: "مع تطور المسرح الفلسطيني تبني أساليب فنية حديثة وركز على المواضيع الإنسانية والاجتماعية التي تتناول القضايا الحياتية من تهجير الشباب والفقر وقضايا المرأة والطفل والبيئة وحقوق الانسان والمساواة وغيرها بأسلوب فني ومعالجة مستحدثة تربط بواقع الاحتلال وتأثيره على الحياة اليومية".

وشددت الشناوي على أن المسرح ساهم في بناء ثقافة فكرية حديثة يتلقاها الجمهور ويتفاعل معها.

وقالت الكاتبة والاديبة الفلسطينية: "المسرح هو القوة الناعمة المؤثرة والتي ستساهم عاجلا أم آجلا بترسيخ المفاهيم الإنسانية لبناء مجتمع متحضر يعرف حقوقه وواجباته".

وأضافت: "ان القضايا المعاصرة هي نتاج تاريخ طويل حيث تم استخدام المسرح الفلسطيني كوسيلة للتواصل المباشر مع الجمهور".

 وأكدت على أن المسرح يسعى دائما لتعزيز الهوية الفلسطينية ومعالجة القضايا الحياتية اليومية ويهتم بزيادة تثقيف وتوعية الشعب وتنويره وربطه بمجريات الأحداث حيث يفتح أمامه مزيدا من الآفاق التي تربط الواقع الفلسطيني بكل ما يحدث حوله في العالم.

وتابعت: "يقول شكسبير (أعطني خبزا ومسرحا أعطيك شعبا عظيما)، وأنا أضيف (أعطني مسرحا أعطيك إنسانا يحب الحياة لديه طاقة إيجابية وعقل متفتح على العالم متمسك بإرثه الثقافي والمعرفي)".

وأوضحت أن المسرح يستمد موضوعاته من القضايا الحياتية اليومية التي يعيشها الفلسطيني سواء كان واقعا سياسيا أو اجتماعيا.

وقالت: "الفلسطيني محارب بطبعه، فحياته اليومية لا تنفصل عن واقعه السياسي، فنحن ننصهر داخل الأحداث التي تؤثر على تكويننا وثقافتنا وطريقة معيشتنا".

وأضافت: "إن مواضيع الهوية وحب الأرض والتراث هو كينونتنا التي لا نستطيع فصلها أو تجزئتها لتصبح منفردة وكأنها من عالم آخر، فالمسرح هو نبض حياتنا، يتشكل فوق الخشبة عالمنا الصادق الذي لا يخضع للرقيب".

وتابعت: "إنه يتم اختيار المواضيع المؤثرة الحساسة وتجسيدها بشخصيات تترجم الواقع وبسينوغرافيا تشكل المكان وبالتالي يكون هناك تواجد متواصل للقضية على المسرح حتى لو كانت بشكل غير مباشر فمازلنا نربط الماضي بالحاضر ولا زالت الذاكرة حاضرة وبقوة في معظم الأعمال".

وأكدت أن الكتابة المسرحية تحتاج لفنان مبدع يقوم باختيار موضوع مؤثر ويدرس مدى تأثيره على المجتمع وآلية معالجته بما يتناسب مع خشبة المسرح الثابتة ودراسة سينوغرافيا العمل والوقت الزمني المخصص للرواية والذي يعتمد على الحوار.

وقالت: "إن العرض المسرحي كفيل بإظهار جميع الجوانب النفسية والاجتماعية والسيكولوجية للشخصية وما تؤديه على خشبة المسرح حيث يتقيد الكاتب بهذه المساحة أثناء الكتابة ويراعي رد فعل الجمهور المباشر ".

وأضافت : "وإن كان موضوع حفظ الهوية وحب الأرض وارد في معظم الأعمال المسرحية إلا أن طريقة الطرح والمعالجة تختلف  حسب ثقافة الكاتب ورؤيته  للموضوع".

وتحدث أسامة العالول، مدير مركز هولست الثقافي التابع لبلدية غزة عن تجربته مع مسرح هولست في مدينة غزة وكيف تطور هذا المسرح.


                             أسامة العالول مدير مركز ومسرح هولست الثقافي في غزة

وقال العالول لـ "عربي21": "بعد تأسيس مركز هولست الثقافي عام 1998م في حي الدرج وسط مدينة عزة تم افتتاح مسرح مركز هولست الثقافي حيث ابتدأ بفريق مسرحي هولندي ونرويجي  ( جاك ويان ) ضمن مؤسسة  ( أيام المسرح ) والذين دربوا كادر فلسطيني على المسرح وشكلوا أول فريق مسرحي فلسطيني".

وشدد على أن افتقار المنطقة الشرقية لمدينة غزة للمسارح كان تأسيس مسرح مركز هولست الثقافي هناك.

واعتبر ذلك نقلة نوعية تضاف للفن الفلسطيني الهادف عامة والمسرح خاصة في ظل قلة المنافسة المسرحية لمحدوديتها، مستدركا بالقول "ورغم هذا كله تألق مسرح مركز هولست الثقافي بدوره الريادي المتميز باحتضانه الدائم للحركة الفنية المسرحية عامة واحتضان المواهب الطلابية خاصة".

وقال العالول: "بعد تأسيس المسرح قبل 25 عاما بدأت العروض المسرحية للمؤسسات والمدارس، حيث تستقبل خشبة المسرح في المركز يوميا عروضا مسرحية هادفة ".

وأوضح أنه كان عام 1999م احد المتدربين على المسرح تحت إشراف (جاك ويان ) والفنان والمخرج المسرحي ناهض حنونة والذي يرأس الآن مؤسسة بسمة للثقافة والفنون وهي إحدى المؤسسات التي تنفذ مع المركز عروض مسرحية وأنشطة ثقافية كان أخرها من فترة قريبة على مسرح المركز .

وشدد على أن بلدية غزة التي ترعى المركز تشجع المبادرات الشبابية والتي كان آخرها (مبادرة سينما الشارع) لفريق شبابي بالتعاون مع مركز القطان الثقافي حيث تم إعادة تأهيل المسرح بحلته الجديدة .

وقال الناشط الفلسطيني: "خلال هذه المسيرة الفنية استقبلت خشبة مسرح مركز هولست الثقافي العديد من الفعاليات والندوات والمسابقات الثقافية للتربية والتعليم والمسلمات ورحلات المدارس بالإضافة للعروض المسرحية والعديد من المسرحيات الشيقة والتدريب والدورات المسرحية".

وأضاف: "كما استضاف المسرح الصالونات الأدبية مثل صالون الأنوار الثقافي واحتفالات التخرج والبروفات المسرحية، ومبادرة مسرح الدمى لفريق استخدم تقنية خيوط الماريونيت والذي قدم عدة عروض شيقة لمدارس قطاع غزة على مسرح المركز وذلك لأول مرة في غزة".