مدونات

في الشروق رحمة

جيتي
نجوم السماء مضيئة تلمع وكأنها دموع ليل جريح، والقمر تاج ليل زيّنه انشقاق وصدع خفيف. تراقب وحيداً ظلمةً حالكةً وأنت تنتظر نورَ الصباح الوهّاج، ترتقب فجرها الحنون ليخلّصك من حساب الليل العسير، متأهباً لتمسح على قلبك الرياح الباردة، وتسقط على جبينك بقعة ضوء انحرفت من شمس كان نورها في يوم من الأيام منتظماً.

بدأتَ تنفعلُ وتندفعُ تجاه أصغر تفاصيل الصباح، كطفل يقف بجانب والدته يحاول إيقاظها من سبات عميق، تنفعل تجاه رائحة الخبز وطعم القهوة وصوت المئذنة وملمس جدران الجوامع الباردة، تندفع حتى نحو الإمام حين ينادي لصلاة الفجر، تودّ لو أنك تقبّل جبينه شاكراً، فهو يسحبك من متاهة لم يعلِّمك أحد سبيل الخلاص منها.

بزغَ الفجر وها أنت تتحسس معطفك البنيّ الذي يلازمك في جولاتك الصباحية، وتبحث عن فردة حذائك الذي كان في يومٍ من الأيام أبيض، تسير في الطرقات ببطء، تصافح الشوارع الرمادية، وتلتصق قدماك بالأرصفة المرتبة وكأنها فُروض مدرسيّة راكمتَها بجانب بعضها البعض.

أكان الصباح حلماً قبل اليوم؟

أكان الفجر رحمة قبل اليوم؟

أكان بياض شعرك أسود قبل اليوم؟

تسأل نفسك مرارا وكأنك ما مللت من أسئلة الليل، ثم تصل إلى نتيجة وصلت لها قبل ذلك سبعا وعشرين ألف مرة على أقل تقدير، وتصل إلى أن كل الطرق مُبهمة. وكل الأسئلة لا جواب لها، وكل نظرة صباح تصاحِبُها دمعة ليل كادت أن تقتل صاحبها لو طال الوقت قليلاً.