قضايا وآراء

السيسي والاعتذار الأخير

اعتاد السيسي على الاعتذار في كل مرة- جيتي
"ولا تنسوا الفضل بينكم".. عبارة قالها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أثناء افتتاحه المرحلة الثانية لشركة سايلو فودز، واحدة من أكبر شركات جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة المصرية.

لم يكن هناك سياق محدد أو مناسبة لحديث السيسي، ولكنه انتظر طويلا حتى نهاية الاحتفالية وقبل مغادرته بلحظات أمسك بالميكرفون فجأة وقال بعض العبارات الواضحة بخصوص الأزمة الأخيرة بين بلاده والمملكة العربية السعودية: "لما يكون فيه أزمة وهفترض ده مينفعش أطول لساني".

السيسي والخليج، حكاية شحات يشعر بالدونية، يطمع في مال الكفيل، ويفعل المستحيل من أجل حصوله على المال.. السيسي يعتذر للخليج، اعتذار بدا للوهلة الأولى أنه مجبور على قوله، مهدد إذا لم يفعله، مأمور بإعلانه أمام الكاميرات.

كلمات السيسي بدا وكأنها اعتذار عن سفاهات وتجاوزات الإعلام المصري بعد مقال عبد الرازق توفيق رئيس تحرير الجمهورية، الذي أثار حفيظة السعودية بشكل كبير، بعد وصفه لهم بالحفاة العراة ومحدثي النعمة.

السيسي والخليج، حكاية شحات يشعر بالدونية، يطمع في مال الكفيل، ويفعل المستحيل من أجل حصوله على المال.. السيسي يعتذر للخليج، اعتذار بدا للوهلة الأولى أنه مجبور على قوله، مهدد إذا لم يفعله، مأمور بإعلانه أمام الكاميرات.

اعتذار ليس الأول ولن يكون الأخير، الرجل يتعامل مع السعودية كماكينة لصرف الأموال، لديها من الرز ما يكفيها ويكفيه ويفيض، وإذا توقفت يوما عن الدفع فلديه قطعان من سليطي اللسان بذيئي اللغة يطلقهم فينطلقون، يأمرهم فيمتثلون، يملي عليهم ما يقولون فيسبوا السعودية وتاريخها ويهينوا ثقافة شعبها وتراثها.

تغضب المملكة، تتذكر عنوانا آخر وإهانة أخرى واحتقارا آخر عنوانه السيسي يحتقر الخليج.

منذ ثماني سنوات وفي مثل هذا الشهر، كنت شاهدا على إذاعة أحد أهم التسريبات الصوتية من سلسلة تسريب مكتب السيسي، التي أذعتها عبر شاشة قناة مكملين في عام 2015، في هذا التسريب كان السيسي يصف السعودية ودول الخليج بأنصاف الدول، يسبها ويسخر منها برفقة مدير مكتبه عباس كامل، ثم عشنا نفس السيناريو، تغضب المملكة، يخاف السيسي وهرول إليها معتذرا طالبا العفو والغفران، وهو ما حدث بعدها بأيام.

خرج السيسي بعدها بأيام، وتحديدا يوم الثاني والعشرين من شباط/ فبراير من نفس العام، في برنامج مسجل بعنوان "حديث الرئيس"، تحدث فيه عن ملفات كثيرة كان أبرزها رده على التسريبات وإهانته للخليج وعلى رأسه السعودية، خرج السيسي يقسم أنه لم يفعل ولم يتجاوز، ويعلن عن حبه للسعودية وقيادتها.

علاقة مسمومة، السيسي تارة يحتقر الخليج وتارة ينهب أموالهم وتارة يبتزه وتارة يتودد إليه وينافقه، وتارة أخرى يطلق أذرعه تهاجمه، ثم ينتهي به الأمر في كل مرة معتذرا له

يتكرر المشهد في الأسابيع الأخيرة.. إعلام السيسي لا يقدح من رأسه، يسب المملكة ويصفها أحدهم بالحفاة العراة، تغضب السعودية، تمنع المال، تهدد بعدم شراء الأصول، يخاف السيسي، يحاول تصحيح الأمر، تنشر الجمهورية مقالا آخر للاعتذار، لا تقتنع السعودية، تضغط أكثر، يخرج السيسي معتذرا على الهواء مباشرة.

علاقة مسمومة، السيسي تارة يحتقر الخليج وتارة ينهب أموالهم وتارة يبتزه وتارة يتودد إليه وينافقه، وتارة أخرى يطلق أذرعه تهاجمه، ثم ينتهي به الأمر في كل مرة معتذرا له.

الأخبار التي تأتي تباعا من الرياض كلها تؤشر إلى أمر واحد، أن السعودية ما عادت تطيق شحاذة السيسي وطلبه للمال، أعلنها وزير المالية السعودية محمد الجدعان من دافوس، أشار إليها تركي الحمد وخالد الدخيل وكتاب سعوديون كثر، لن ندفع للسيسي بنفس الطريقة، وإنما سنحصل على المقابل، ولا يوجد مقابل أهم من أصول الدولة المصرية.

نشر موقع تاكتيكال ريبورت الاستخباراتي تقريرا أشار فيه إلى تنافس إماراتي سعودي على شراء الحصة الأكبر من الهيئة العربية للتصنيع، وهي واحدة من أهم وأكبر قطاعات التصنيع العسكري المملوكة للجيش المصري.

السيسي يعيش أزمة حقيقية، وإن كانت سياسة الاعتذار قد أنقذته سابقا، فلا يبدو لي أنه سيفلت بها هذه المرة من غضب حلفائه الخليجيين، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية

تم إنشاء الهيئة بمبادرة سعودية إماراتية قطرية مصرية في عام 1975، ثم تنازلت السعودية والإمارات عن حصتها لمصر عام 1993 مقابل 1.8 مليار دولار، واليوم تعود السعودية والإمارات للضغط على السيسي وتهديده بوقف المساعدات المالية كافة، إذا لم تحصل الدولتان الخليجيتان على نصيب الأسد من الهيئة العربية للتصنيع، وفق ما قاله التقرير.

مثل السيسي في احتياجه للمال كمثل عباس كامل في احتياجه لحبتين من الترامادول، الرجل فقد عقله من أجل المال وأفقدته الأزمة الاقتصادية صوابه، فبات كمن يتعاطى المخدرات ينتظرها بفارغ الصبر ويتنازل من أجلها عن كل شيء، ولو كان نفسه وأصول بلده وتراب وطنه.

السيسي يعيش أزمة حقيقية، وإن كانت سياسة الاعتذار قد أنقذته سابقا، فلا يبدو لي أنه سيفلت بها هذه المرة من غضب حلفائه الخليجيين، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية.

twitter.com/osgaweesh