ملفات وتقارير

لماذا بدأ نتنياهو جولاته الخارجية بعمّان رغم تاريخه بتأزيم العلاقات؟

زيارة نتنياهو إلى الأردن جاءت مفاجئة ودون التقاط صور- أرشيفية الديوان الملكي الأردني
تعيد زيارة رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للأردن، مساء أمس الثلاثاء، ولقاؤه بالملك عبد الله الثاني، التذكير بتاريخ من العلاقات غير الودية بين الطرفين، والأزمات التي نشبت خلالها، بفعل السياسات الإسرائيلية، تجاه الأردن، والقدس المحتلة والأوضاع في الضفة الغربية.

وكان نتنياهو التقى الملك في عمان، وأشار بيان للديوان الملكي، إلى أنه جرى التأكيد على احترام "الوضع التاريخي والقانوني القائم في المسجد الأقصى. فضلا عن "ضرورة الالتزام بالتهدئة ووقف أعمال العنف لفتح المجال أمام أفق سياسي لعملية السلام".

وأشار بيان الديوان إلى أن الملك أكد موقف بلاده الملتزم "بحل الدولتين، والذي يضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من يونيو/حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، لتعيش بأمن وسلام إلى جانب إسرائيل".

في حين نقلت وسائل إعلام إسرائيلية أن نتنياهو تعهد خلال لقائه ملك الأردن بالحفاظ على الوضع التاريخي والقانوني للأقصى.

وبالعودة إلى تاريخ الأزمات بين نتنياهو الذي شكل الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ الاحتلال، مع الأردن، فقد بدأت في أول حكومة تولاها عام 1996، عبر محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، وهو مواطن أردني، في العاصمة عمان.

وتسبب الكشف عن مرتكبي محاولة الاغتيال بعد اعتقال الأمن الأردني أحدهم، وتبين أنه من الموساد، وفرار الباقين إلى السفارة، في اتخاذ العاهل الأردني الراحل الحسين بن طلال، قرارا بمحاصرتها، وطلب تسليمهم، فضلا عن مفاوضات بين عمان وتل أبيب، من أجل الحصول على المصل المضاد للسم الذي حقن فيه مشعل.


وكادت الأزمة بين عمان وتل أبيب، تتسبب في تمزيق اتفاقية وادي عربة، لكنها انتهت بعد اتفاق بالحصول على المصل المضاد، ومغادرة عناصر الموساد من عمان.

كما أشعل نتنياهو أزمة أخرى مع الأردن، عبر قراره لرئيس بلدية القدس التابعة للاحتلال آنذاك إيهود أولمرت، بفتح نفق في المنطقة الغربية، أسفل المسجد الأقصى، عام 1996، في محاولة لتوسيع السيطرة الإسرائيلية على المسجد الأقصى الذي يعد ضمن الوصاية الأردنية على المقدسات في القدس.

وفي عام 2014، أقدم الاحتلال على قتل القاضي الأردني، رائد زعيتر، خلال وجوده في الجانب الفلسطيني من جسر الملك حسين، في زيارته لبلدته بالضفة الغربية.

ولم تقدم حكومة نتنياهو، على أي إجراء من شأنه محاسبة المسؤولين عن استشهاد زعيتر، وجرى طي الملف منذ ذلك التاريخ.

وفي عام 2017، أشعل نتنياهو أزمة مجددا مع عمان، بعد قيامه بتركيب بوابات إلكترونية، على مداخل المسجد الأقصى، ومنع المصلين من حرية الدخول إليه.

وبعد هبة قام بها المقدسيون وفعاليات احتجاجية، واتصالات دولية، انتهت الأزمة بقيام الاحتلال برفع البوابات وإعادة الوضع إلى ما كان عليه سابقا.

وفي العام ذاته 2017، أقدم عنصر أمني في السفارة الإسرائيلية في عمان، على قتل مواطنين أردنيين، وهما محمد الجواودة الذي كان ينقل أثاثا للسفارة الإسرائيلية في عمان، والطبيب بشار حمارنة صاحب منزل مؤجر للسفارة، داخل شقته في العاصمة الأردنية، بزعم محاولة أحدهما طعنه، وبعد مفاوضات بين الحكومة الأردنية وحكومة نتنياهو، قدمت تل أبيب اعتذارا رسميا، وأعيد عنصر الأمن الإسرائيلي، وقام نتنياهو باستقبال استعراضي له أمام وسائل الإعلام العبرية، في خطوة أثارت انتقادات واسعة في عمّان.

كما شكل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، محطة من محطات التأزيم بين نتنياهو وعمّان، فضلا عن العديد من التقارير لصحيفة هآرتس الإسرائيلية عام 2021، تحدثت عن اتصالات إسرائيلية مع السعودية لبحث نقل الوصاية على المقدسات إليها بدلا من الأردن، وهو ما نفته السفارة السعودية في عمان، وأكدت على وقوف الرياض مع الوصاية الهاشمية للمقدسات.

وتصاعد التوتر في العلاقات بين الطرفين، بعد هدوء نسبي، في حقبة حكومة نفتالي بينيت ويائير لابيد، مع عودة نتنياهو، وتشكيله حكومة يمينية، وقيام الوزير المتطرف، ايتمار بن غفير، باقتحام الأقصى قبل نحو أسبوع، ورغم زيارة نتنياهو إلى عمان، بيوم واحد، أعاد بن غفير التهديد باقتحام الأقصى مجددا باعتباره تحت السيادة الإسرائيلية.

إضعاف للدور الأردني

أستاذ العلوم السياسية الدكتور أحمد سعيد نوفل، قال إن نتنياهو، يحاول التحرك من خلال الأوراق الحساسة لدى الأردن، خاصة مسألة الأقصى والمقدسات، والأوضاع حاليا مشتعلة بصورة كبيرة، في الأراضي الفلسطينية وربما نتنياهو يريد مقايضة ما لذلك بادر بزيارة عمان بعد تشكيله الحكومة.

وأوضح نوفل لـ"عربي21" أن ارتباطات الأردن بالقضية الفلسطينية، عبر حكمها حتى عام 1967، ووجود نصوص تتعلق بالوصاية في الاتفاقيات بين الأردن وإسرائيل، والعلاقات الممتدة داخل فلسطين والتي لم ينهها قرار فك الارتباط عام 1986، لا يدع أمام نتنياهو سوى الحضور إلى عمان من أجل التفاهم.

وأضاف: "بقاء هذا الدور مزعج لنتنياهو، وهو منذ صعوده إلى السلطة عام 1996، وحكومات إسرائيل المتعاقبة، تحاول بكل جهودها، تقليص الدور الأردني على الأماكن المقدسية الإسلامية والمسيحية، وتخفيض نفوذ الأردن في الضفة الغربية، وهو صاحب علاقة تأزيمية مع الأردن منذ سنوات طويلة".

وشدد على أن الحكومات الإسرائيلية، وتحديدا نتنياهو "ليسوا محل ثقة، وهو يريد في النهاية تمرير سياساته بطريقة، مختلفة عما قام به الآخرون، فكلهم يشجعون على الاستيطان وتهويد القدس، فنحن أمام مجتمع عدواني، والحكومة التي شكلها نتنياهو هي الأكثر عدوانية بينها".


وأشار إلى أن تصريحات إيتمار بن غفير، بإعادته الكرة لاقتحام الأقصى: "تعني أن ما جاء به نتنياهو، هو محاولات مراوغة، ويجب الحذر منها، وهناك مراهنات إسرائيلية كذلك على لعب الأردن دورا في الضغط على السلطة الفلسطينية، والفلسطينيين بالمجمل، لوقف مقاومة الاحتلال ووقف العمليات".

وأكد نوفل على أن استمرار مقاومة الفلسطينيين، لمشاريع الاحتلال في القدس والضفة الغربية، أكثر ما يربك حسابات حكومة نتنياهو، وأي زيارات يقوم بها رئيس حكومة الاحتلال، إلى الدول العربية وفتح علاقات تطبيع مع دول جديدة، لن يؤثر على مقاومة الفلسطينيين، الذين أثبتوا أن كل عمليات التطبيع، لم تثنهم عن التصدي للاحتلال، وإرباك حساباته".

إنهاء الوصاية

من جانبه حذر الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي، من تبعات زيارة نتنياهو، أو التعامل معه، باعتباره رأس حكومة متطرفة، لم تتراجع عن استهداف الأردن وفلسطين.

وأوضح العضايلة لـ"عربي21" أن حكومة نتنياهو تضرب بعرض الحائط وصاية الأردن على المقدسات، والحل ليس بالحوار معها بل باستخدام كل أوراق الضغط على الاحتلال، والدخول معه بمرحلة جديدة، لكبح مخططاته التي تريد إلحاق الضرر بالأردن وفلسطين على حد سواء.

وتابع: "ما شاهدناه من منع السفير الأردني لدى الاحتلال، من دخول الأقصى، رسالة لعمان بأننا أصحاب الوصاية، ونتنياهو المعروف بتاريخه في الأزمات مع الأردن، لن يأتي بشيء جديد، سوى استكمال المشاريع الصهيونية".

وشدد على أن الأردن مطالب بتقوية جبهته الداخلية، والاستناد على الموقف الشعبي الرافض للاحتلال، والذي يؤكد على دعم مقاومة الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة، وفرض أوراق القوة لديه، لإنفاذ الوصاية بصورة حقيقية على المسجد الأقصى وكافة المقدسات في القدس، بدلا من العبث الذي يمارسه الاحتلال فيها".