سياسة عربية

مشروع حكومي لتعديل قانون الإجراءات الجنائية بمصر.. "خطر جديد"

انتقادات حقوقية للتعديلات التي تطلبها الحكومة- جيتي
يناقش مجلس النواب المصري، مشروع قانون الإجراءات الجنائية المقترح من الحكومة، وسط انتقادات قانونية وحقوقية لاستمرار السلطات التنفيذية في إجراء تعديلات على القانون، استجابة لرغبات السلطات المتكررة في تعزيز قبضتها الأمنية بما يقوض إجراءات العدالة.

وأجرى المشرعون المصريون، نحو خمسة تعديلات على الأقل على القانون، منذ 2013 الذي يعد الأهم في ضمان محاكمة عادلة، ورغم ذلك فقد تجاهل البرلمان المطالب المتكررة بتعديل بعض المواد التي تنتهك حقوق الإنسان، وتقوض أسس المحاكمة العادلة.

دأبت السلطة على استخدام الحبس الاحتياطي كعقوبة من خلال تمديدها وعدم وجود سقف زمني لمدة التحقيق، والتوسع في منح صفة الضبطية القضائية في العديد من مؤسسات الدولة، والتوسع في أماكن احتجاز المواطنين، وتقنين المنع من السفر، وفرض رقابة على مواقع التواصل وتفتيش الهواتف الخلوية دون سند قانوني وغيرها من الممارسات التي تُعتبر غير قانونية وتنتهك الحقوق الدستورية.

قانون جديد يقنن الانتهاكات

وقال المحامي والباحث في السياسات التشريعية عباس قباري: "النظام التشريعي المصري يتضمن مجموعة ضخمة من التشريعات يأتي على رأسها خمسة قوانين أساسية كبرى تتحكم بشكل طبيعي في حركة التقنين وتنظمها، وهي قوانين المرافعات والمدني والعقوبات والإثبات وقانون الإجراءات الجنائية، وقد استقرت هذه القوانين ومضى على إقراراها والعمل بها عشرات السنين، ولا ينبغي بأي حال تعديلها إلا عند الحاجة الملحة ولاعتبارات مجتمعية ضاغطة تمثل مطلبا عاما يقترب من الإجماع، كونها تؤثر بشكل كبير على حياة المواطنين وحرياتهم وأمورهم المالية والتجارية".

وأضاف لـ"عربي21": "في الفترة التي أعقبت تموز/ يوليو 2013 تم تعديل قانون الإجراءات الجنائية ست مرات تناولت بالتعديل مادة أو مادتين من مواده، أما التعديل الأخير المطروح بمجلس النواب الآن فهو يتضمن أكثر من 330 مادة وهو ما يقترب من إقرار قانون جديد أكثر من كونه تعديلا، وبالنظر لحساسية قانون الإجراءات الجنائية بالإضافة للسيولة التشريعية التي اعتمدها النظام خلال العشر سنوات الماضية فإنه يُخشى من تضمين القانون إجراءات استثنائية على غرار ما أجراه من تعديلات في قانون العقوبات وقانون محكمة النقض أثرت بشكل كبير في المحاكمات الاستثنائية وإجراءات القبض والحبس الاحتياطي".

وتابع قباري: "اللافت هنا أن النظام يسعى بشكل جدي وعبر مجموعات كبيرة من القوانين لتضمين وتقنين إجراءات وتدابير "قانون الطوارئ" وصياغتها في تعديلات للقوانين العادية غير الاستثنائية وتم ذلك في عشرات القوانين، يأتي في مقدمتها قانون القضاء العسكري وقانون العقوبات وقانون محكمة النقض والإرهاب والقوائم الإرهابية والتظاهر، بالإضافة لتعديلات قانون مجلس الدولة وقانون عدم جواز الطعن على التعاقدات الحكومية وغيرها من القوانين التي وفرت لنظام الانقلاب حرية حركة بلا ضابط أو قيد كما أنها أفرغت الدستور من أهم ضماناته إن لم يكن كلها".

واختتم حديثه بالقول: "هذا فضلاً عن ممارسات واقعية شاهدناها جميعا من القتل خارج إطار القانون والتوسع في إجراءات الإخفاء القسري وتجاوز مدد الحبس الاحتياطي والتدوير على القضايا من داخل أماكن الاحتجاز وهي أمور تثير التخوف من توجهات النظام ونواياه وراء تعديلات قانون الإجراءات الجنائية".

مشروع خطر

من جهته قال مدير مؤسسة دعم العدالة بالمركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، ناصر أمين، خلال اجتماع نظمته المؤسسة الأسبوع الماضي، إن مشروع قانون الإجراءات الجنائية المقترح من الحكومة والمعروض على مجلس النواب في الوقت الحالي يمثل خطرا جديدا على حقوق وحريات المواطنين على غرار ما حدث عام 2015 عند صدور قوانين مكافحة الإرهاب.

ونقل موقع مدى مصر المحلي عن المحامي عصام الإسلامبولي وصف المشروع بأنه يقنن إجراءات قانون الطوارئ، مطالبًا الحكومة والبرلمان بإعداد قانون جديد تفصل فلسفته بين سلطة التحقيق والاتهام، كما أكد على أن النيابة العامة هي جزء من السلطة التنفيذية.

ترسيخ النظام وانتهاك الدستور

وتعكس تعديلات قانون الإجراءات الجنائية المناخ التشريعي في مصر، بحسب رئيس محكمة استئناف الإسكندرية، ومنسق حركة قضاة من أجل مصر، المستشار محمد عوض، خاصة أن المشرع المصري ينحاز بشكل سافر إلى جانب السلطة التنفيذية على حساب حماية حقوق وحريات المواطنين.

وأكد في تصريحات لـ"عربي21" أن "مجرد تدخل المشرع لتقنين تدابير تنتهك حقوق المواطنين يقوض العدالة وضمان المحاكمة العادلة.. النظام منذ 2013 يسعى بكافة السبل مستخدما البرلمان في ترسيخ النظام بغض النظر عن مراعاة الدستور".

لافتا إلى أن "الدستور المصري وضع ضمانات كثيرة للحقوق والحريات الشخصية ونص صراحة على أنها مصونة ولا تمس إلا في حال التلبس بجريمة لكن من خلال القوانين وتعديلاتها كقانون الإرهاب والإجراءات الجنائية عززت قبضة النظام بالمخالفة لمواد الدستور، ومثل هذه القوانين هي التفاف على الدستور وانتهاك صارخ لأحكامه ما يؤكد أنها سلطة عسكرية حاكمة".


إخلال بمبادئ العدالة والدستور

بدوره؛ انتقد مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان، خلف بيومي، تماهي المشرع المصري مع رغبات السلطة في تقويض أسس العدالة، وقال: "مازال تفكير النظام ينحصر في تقنين إجراءاته الباطلة والتعسفية وهو ما وضح خلال تعديلات على دستور 2012 سواء في 2014 أو 2019".

وأضاف لـ"عربي21": "تعمد النص على اختصاص القضاء العسكري بنظر قضايا ليست من اختصاصه وهو اليوم يهتم بتقييم المراقبات والمتابعة بعدما وجهت له انتقادات كثيرة بسببها دون النظر لتعديل جوهره تتمثل في إعادة النظر في قانون الحبس الاحتياطي وسقفه دون النظر لوضع حل لازدواجية وضع النيابة العامة، ودون النظر لوضع حد ونهايه لتدوير المتهمين مرات ومرات".