كتاب عربي 21

لماذا يتعاطف الغرب مع معتقلين ليبراليين ويتجاهل الإسلاميين؟

1300x600

إذا كنت عزيزي القارئ تنتظر أن يكون الجواب على سؤال العنوان هو أن الغرب يحابي الليبراليين ويعادي أو يخاصم الإسلاميين لأسباب أيديولوجية، فأقول لك إن هذا الجواب غير صحيح أو على الأقل غير كاف!

لا يمكن تفسير ظاهرة سياسية معقدة -وكل الظواهر السياسية معقدة- بسبب أحادي، بل يجب أن يشمل التحليل عدة أسباب ذاتية -تتعلق بأطراف الظاهرة- وأخرى موضوعية تتعلق بالتفاعلات السياسية والأيديولوجية وممارسات هذه الأطراف.

الأبواب المواربة.. والمغلقة!

لا شك أن الغرب قائم على الفلسفة الليبرالية العلمانية، ولذلك فإن من الطبيعي أن يتعاطف السياسيون والحقوقيون والإعلاميون في الغرب أكثر مع نظرائهم المضطهدين، فهذا هو التصرف الطبيعي البشري. يقول أحد الباحثين والسياسيين الأمريكيين المهمين في دراسة عن اللوبي الصهيوني وتأثيره في الغرب إن السبب في نجاحه ليس فقط وجوده المتجذر في السياسة الأمريكية أو عمله الدؤوب، ولكن أيضا بسبب محاولته لفتح "أبواب مواربة"، أي مفتوحة جزئيا بسبب تقارب الثقافات والإرث التاريخي والديني والسياسي بين "إسرائيل" والغرب، بينما يجد العرب أبوابا مغلقة ولذلك فإنهم يحتاجون لجهد أكبر لفتح هذه الأبواب.

ينطبق توصيف "الأبواب المواربة" على حالة ناشطي حقوق الإنسان العرب، إذ أن الناشطين الليبراليين يطرقون أبوابا مفتوحة جزئيا عند نظرائهم الغربيين، بينما يحتاج الإسلاميون لجهد أكبر ونشاط أوسع ليفتحوا الأبواب المغلقة أمامهم

ينطبق توصيف "الأبواب المواربة" على حالة ناشطي حقوق الإنسان العرب، إذ أن الناشطين الليبراليين يطرقون أبوابا مفتوحة جزئيا عند نظرائهم الغربيين، بينما يحتاج الإسلاميون لجهد أكبر ونشاط أوسع ليفتحوا الأبواب المغلقة أمامهم. لا يمكن تفسير استمرار الأبواب مغلقة في وجه الإسلاميين فقط بكونها مغلقة أصلا، ولكن أيضا بنقص الجهد المبذول لفتح هذه الأبواب.

علاء عبد الفتاح ورفاقه.. و60 ألفا آخرون!

ربما يمثل العنوان الفرعي أعلاه أحد أسباب المشكلة/ الظاهرة. يعرف المهتمون في الشرق والغرب أن هناك معتقلا اسمه "علاء عبد الفتاح"، وهو ناشط سياسي معتقل ظلما ويستحق أن يُعرف، ويستحق أن يدافع عنه في كل المنابر الحقوقية والإعلامية في العالم. يعرف المهتمون وغير المهتمين أيضا أن هناك ستين ألف معتقل آخرين، لا يعرف إلا المتابعون والمتخصصون أسماءهم وصفاتهم، مع أنهم سياسيون ونشطاء معتقلون ظلما ويستحقون أن يُعرفوا وأن يدافع عنهم إعلاميا وحقوقيا.

لا يهتم الناس عادة بالأرقام، ولكنهم يهتمون بالصور والأسماء. هذا ما يفسر الضجة الإعلامية التي تحدث عند ارتباط خبر بصورة أو بشخص. يحتاج الناس لأيقونات تحركهم وتمثل رمزية لنضالهم، ولهذا غطت أخبار الطفل الكردي الذي غرق أثناء محاولة عائلته الهجرة عبر البحر كل صحف العالم، فيما يموت يوميا أطفال مثله ورجال ونساء أثناء بحثهم عن حياة آمنة ومستقبل أفضل. تعاطف الناس مع إيلان لأن له اسما، ولأن له صورة. ويتعاطف الإعلام والحقوقيون والناس العاديون مع علاء عبد الفتاح -الذي يستحق كل التعاطف- لأن له اسما ولأن له صورة. لا يتعاطفون معه فقط لأنه ليبرالي أو ليس إسلاميا. صنعت عائلة علاء هذه الصورة والاسم بجهد دؤوب عظيم لا يتوقف، عملت العائلة بدون كلل أو ملل ولا تزال تعمل، ونتمنى أن يستمر هذا العمل إلى حين خروجه حرا من السجن الظالم.
يعرف المهتمون في الشرق والغرب أن هناك معتقلا اسمه "علاء عبد الفتاح"، وهو ناشط سياسي معتقل ظلما ويستحق أن يُعرف، ويستحق أن يدافع عنه في كل المنابر الحقوقية والإعلامية في العالم. يعرف المهتمون وغير المهتمين أيضا أن هناك ستين ألف معتقل آخرين، لا يعرف إلا المتابعون والمتخصصون أسماءهم وصفاتهم، مع أنهم سياسيون ونشطاء معتقلون ظلما

من هنا يجب أن يبدأ تحليل الظاهرة. إذا أراد الإسلاميون أن يفتحوا الأبواب المغلقة في منظمات حقوق الإنسان والإعلام العالمي، فإن عليهم أن يحولوا المعتقلين من مجرد أرقام إلى أشخاص لهم أسماء وصور معروفة، ويجب أن يعملوا بكل الطرق لتحقيق ذلك.

ولكن كيف يتم ذلك مع ستين ألف شخص؟ إنها مهمة صعبة بلا شك، ولكنها ليست مستحيلة!

صناعة الأيقونات

لا يمكن أن يحفظ الناس أسماء وصور ستين ألف معتقل. لذلك، فإن من يتصدى لمهمة الدفاع عن المعتقلين عليه أن يختار شخصيات ذات خصوصية معينة تصلح للترميز. لا يعني هذا أن هذه الشخصيات فقط هي من تستحق الدفاع عنها أو الخروج من ظلم السجن، ولكنها محاولة لجعل القضية أكثر حضورا وتأثيرا من خلال التركيز عليها، ما قد يؤدي بالنهاية لجعل معاناة المعتقلين السياسيين على قمة أجندات المؤسسات الحقوقية والإعلامية والسياسية.
من يتصدى لمهمة الدفاع عن المعتقلين عليه أن يختار شخصيات ذات خصوصية معينة تصلح للترميز. لا يعني هذا أن هذه الشخصيات فقط هي من تستحق الدفاع عنها أو الخروج من ظلم السجن، ولكنها محاولة لجعل القضية أكثر حضورا وتأثيرا من خلال التركيز عليها، ما قد يؤدي بالنهاية لجعل معاناة المعتقلين السياسيين على قمة أجندات المؤسسات الحقوقية والإعلامية والسياسية

يمكن أن يحصل هذا الترميز وصناعة الأيقونات من خلال اختيار معتقل أو اثنين لتمثيل فئة من المعتقلين. سعد الكتاتني مثلا كرمز لبرلمان منتخب، محمد بديع رمزا لكبار السن والعلماء، عبد المنعم أبو الفتوح رمزا لمرشحي الرئاسة، أحمد سبيع وربيع الشيخ رمزا للصحفيين، باسم عودة رمزا للوزراء، محمد البلتاجي وحسام أبو البخاري رمزا للأطباء، وغيرهم رموزا لفئات أخرى.

يحتاج الناس لصور وأسماء أشخاص لدعمهم، ولا يكفي رفع شعار "الحرية لفلان الفلاني" على أهميته ورمزيته، فإذا عرف الناس شعار "الحرية لرئيس البرلمان سعد الكتاتني"، و"الحرية لمرشح الرئاسة عبد المنعم أبو الفتوح"، سيعرفون بالتأكيد شعار "الحرية لفلان الفلاني".

يستطيع نشطاء حقوق الإنسان من الإسلاميين أن يصبوا جام غضبهم على انحياز الغرب، ولكن هذا لن يساعد المعتقلين في رفع قضيتهم. ما يحتاجه المعتقلون هو أن تعرف صورهم وأسماؤهم ولو عن طريق أيقونات ورموز يمثلون فئاتهم، وليس الغضب من انحياز الغرب!

 

twitter.com/ferasabuhelal