صحافة دولية

MEE: دعم أمريكا للعسكر كما في مصر يزيد أزمة المناخ سوءا

بايدن التقى السيسي بشرم الشيخ واستمر بالمزاح معه وأعلن دعما لمصر- جيتي

تناول مراسل موقع "ميدل إيست أي" آزاد عيسى، في مقال له، دعم الولايات المتحدة الأمريكية العسكرة في منطقة الشرق الأوسط الغنية بالموارد، وكيف تساهم واشنطن في زيادة أزمة المناخ في حين أن إدارة جو بايدن تقول إنها مهتمة بها.

وأوضح عيسى في المقال الذي ترجمته "عربي21"، أن "مصر ليست سوى واحدة فقط من أذرع الإمبراطورية الأمريكية المنتشرة في الشرق الأوسط، والتي ما تزال تضع نصب عينيها نفط الخليج".

 

وشدد على أن السياسة الأمريكية للسيطرة على الموارد، تركز على أن "الاقتصاد القائم على استغلال العمالة البشرية واستخلاص الثروة لا يمكن الحفاظ عليه إلا من خلال العنف المنتظم والمنظم جيداً: أي من خلال العسكرة". 

 

اقرأ أيضا: مغردون يذكرون بايدن بوصفه السيسي "ديكتاتور ترامب المفضل"
 

وقال إن "المؤسسة العسكرية الأمريكية هي ذاتها التي تبث الحياة في الكيان العسكري الديكتاتوري للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وتقره على ما ارتكبه من مظالم في مصر طوال العقد المنصرم، بما في ذلك اعتقال نشطاء البيئة".


وتاليا النص الكامل للمقال كما ترجمته "عربي21":

في وقت مبكر من هذا الأسبوع، بدأ زعماء العالم والنشطاء وممثلو المجتمع المدني قمة ماراثونية في المنتجع المصري شرم الشيخ لمناقشة سبل ووسائل إنقاذ الكوكب. 

ولكن، وإذ يقبع عشرات الآلاف من المصريين، بما في ذلك الكاتب اللامع علاء عبد الفتاح، وراء القضبان كسجناء سياسيين في مصر منذ 2013، لم يكن ثمة مفر من أن يخطف الأضواء السجل المتدني للبلد المضيف في مجال حقوق الإنسان. 

منذ البداية، كان محكوماً على مؤتمر التغير المناخي للأمم المتحدة بالفشل الذريع. 

معروف عن الحكومة المصرية أنها تكتم الحريات، فتعتقل النشطاء وتعذبهم، وتضايق المجموعات البيئية وتراقبها وترصد تحركاتها، وتفرض الرقابة على الأخبار والمعلومات، وتحظر التظاهر في الأماكن العامة. إنها بالوعة من الرأسمالية الشللية والدكتاتورية وانتهاكات حقوق الإنسان. 

ولكن إذا كان اسم مصر لا يرتبط بالحفاظ على الكرامة الإنسانية، وإذا لم يكن يجدر بها أن تمنح فرصة استضافة قمة المناخ كوب27، إلا أنها في نفس الوقت الوجه الحقيقي للمهزلة. 

الطريق السريع نحو جحيم المناخ

في خطابه الافتتاحي أمام قمة المناخ كوب27، وصف أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيرس الكوكب بأنه "يقترب سريعاً من نقاط تحول ستغدو بعدها الفوضى المناخية أمراً لا رجعة فيه".

وقال مخاطباً رؤساء الدول الذين جاءوا من مختلف أنحاء العالم: "إننا نسير على طريق سريع يأخذنا إلى جحيم المناخ، ومع ذلك فإن قدمنا تضغط بقوة على دعسة الوقود".

وأضاف أنه في خضم الصراعات المضرمة حول الكوكب، لا يجوز بحال غض الطرف عن مسألة التغير المناخي، وذلك أن "كثيراً من الصراعات الحالية ترتبط بشكل وثيق بالفوضى المناخية المتنامية".

إلا أنه أسقط من خطابه أمراً في غاية الأهمية. فبينما حث أقطار النصف الشمالي من العالم على الوفاء بالتزاماتها التمويلية لمساعدة الأقطار ذات الدخل المنخفض على التكيف مع حالة الطوارئ المناخية والعمل على التخفيف من آثارها، إلا أنه لم يأت على ذكر المساهمات الضخمة للقوى العسكرية في العالم، وخاصة تلك التي تخص الولايات المتحدة الأمريكية، في إحداث التغير المناخي، كما فاته أن يشجع القوى العسكرية الكبرى في العالم على خفض انبعاثاتها الكربونية. 

تقدر إسهامات القوى المسلحة حول العالم في الانبعاث الكربوني عالمياً بما نسبته خمسة بالمائة في كل عام، وأكبر الجناة في هذا المجال هو الجيش الأمريكي الذي يملك ما يقرب من ثمانمائة قاعدة عسكرية منتشرة في 80 بلداً حول العالم. 

 

اقرأ أيضا: بايدن يلتقي السيسي بشرم الشيخ ويعلن مساعدات لمصر

يقول الخبراء إن الجيش الأمريكي يستهلك من الطاقة أكثر مما يستهلكه أي كيان آخر في العالم وأنه يتحمل من المسؤولية عن غازات الاحتباس الحراري ما يفوق ذلك الذي يتحمله 130 بلداً، بما في ذلك سويسرا والنرويج. 

في تصريح لموقع ميدل إيست آي، قالت لارا كسواني، المدير التنفيذي للمركز العربي للموارد والتنظيم في سان فرانسيسكو: "إن الجيش الأمريكي هو الملوث رقم واحد في العالم. إنه صاحب أكبر مصدر للانبعاثات في العالم". 

وأضافت: "ومع ذلك، أين هو النقاش الذي يدور حول مساءلتهم عن ذلك أو حول السعي بأي طريقة لتقليص نشاطات الجيش الأمريكي من أجل تخفيض تبعاتها على التغير المناخي؟ حسناً، نعلم أن الاقتصاد القائم على استغلال العمالة البشرية واستخلاص الثروة لا يمكن الحفاظ عليه إلا من خلال العنف المنتظم والمنظم جيداً: أي من خلال العسكرة". 

وفي حديث مع موقع ميدل إيست آي، صرح ناطق باسم الأمم المتحدة أن ثمة نشاطين جانبيين سوف يتم خلالهما التركيز على الآثار التي تسببها الجيوش. قالت كسواني، التي سيشارك أحد زملائها في واحد من هذين النشاطين، إنه بالنظر إلى كون الحروب تخاض أصلاً من أجل الاستئثار بالموارد فإنه "يتوجب أن تشتمل المحادثات حول العدالة المناخية على حديث حول تحويل الاقتصاد، والانتقال بعيداً عن النمط الاستخلاصي إلى النمط التجديدي". 

حماية الوصول إلى منابع النفط


في كتاب لها بعنوان "البنتاغون، التغير المناخي، والحرب: المخطط البياني لصعود وسقوط الانبعاثات التي يسببها الجيش الأمريكي"، ترى نيتا سي كروفورد أنه على الرغم من تخفيض الجيش الأمريكي للانبعاثات الصادرة عنه خلال العشرين عاماً الماضية، إلا أن ذلك لا يقترب مما هو كاف. 

وكتبت كروفورد، التي تشغل أيضاً منصب مدير مشارك في مشروع تكلفة الحرب في جامعة براون، تقول: "بمعنى آخر، ثمة انعدام بالإحساس بالحاجة الملحة وبالمصلحة، وهذا أمر مثير للدهشة إذا ما أخذنا بالاعتبار أننا نتحدث عن كيان يعتقد بأن بإمكانه أن يفعل ما يشاء". 

وأضافت: "لا يبدو أن صناع القرار داخل وزارة الدفاع يعتقدون أن التخفيضات الكبيرة في استخدام البنتاغون للوقود، أو بالأحرى في الاستهلاك الكلي للوقود من قبل الولايات المتحدة، من شأنها أن تساهم بشكل كبير في تقليص الأخطار الناجمة عن العمليات المسببة للتغير المناخي وبذلك تقليص الأخطار المحدقة بالأمن القومي".

يعتبر كتاب كروفورد جهداً غير عادي في الدمج ما بين البحث والتوثيق فيما يتعلق باعتماد الجيش الأمريكي على الطاقة وبمدى ما يساهم به من انبعاثات كربونية، وبحثاً قيماً حول كيف غدت الإمبراطورية الأمريكية عالة على الوقود الأحفوري، مما جعلها تكرس جزءاً لا بأس به من سياستها الخارجية للجهود المبذولة لحماية الوصول إلى منابعه. 

ولا أدل على هذا الهوس بالنفط من حرب الخليج التي شنت في مطلع تسعينيات القرن الماضي أو من الجهود المستمرة والقائمة منذ أمد بعيد لدعم وحماية دولة ذات نظام حكم سلطوي مثل المملكة العربية السعودية. 
 
حينما يتعلق الأمر بالمناخ، ما فتئت الولايات المتحدة منذ عقود تضرب عرض الحائط بالإجماع الدولي. كان بروتوكول كيوتو في 1997 قد ألزم البلدان الصناعية بالقيام بتخفيضات إجبارية في انبعاث الغازات المسببة للانحباس الحراري، واستثنى من ذلك أمراً واحداً مهماً. فقد أسفرت الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة عن ضمان ألا تصنف النشاطات العسكرية جزءاً مما ينبغي فيه تخفيض الانبعاثات. ولكن بالرغم من ذلك رفضت الولايات المتحدة إقرار البروتوكول، مدللة بذلك تارة أخرى على التزامها بالحفاظ على هيمنتها العسكرية وعلى تفضيلها لقاعدتها الصناعية ومنحها الأولوية فوق أي هموم تتعلق بمصير الكوكب. 

قبيل غزو العراق في عام 2003، وحتى أثناء نشر وزارة الدفاع في الولايات المتحدة تقريراً حول آثار التغير المناخي على الأمن القومي، كانت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش ما تزال تلمح إلى أن التغير المناخي غير حقيقي. 

وحتى وقت متأخر من عام 2007 كان نائب الرئيس ديك تشيني يعرب عن ارتيابه في صدقية تقرير طالب باتخاذ إجراء سريع. وكتبت مجلة رولينغ ستونز تقول عن البيت الأبيض إنه "ينظم حملة من المعلومات الكاذبة التي صيغت بلغة أهل الاختصاص في القطاع، القصد منها تضليل الجمهور الأمريكي بشأن الاحتباس الحراري العالمي والحيلولة دون وضع قيود على الملوثات المناخية".

كانت مثل هذه الحيل تُتبع بشكل دوري بمحاولات لتقويض الجهود الدولية المبذولة من أجل الحيلولة دون إلحاق أضرار إضافية بالبيئة. وحتى اتفاقية باريس، التي كانت موضع احتفاء كبير ووضعت حيز التنفيذ في عام 2016، لم تجد كثير نفع من حيث مساءلة ومحاسبة الجيوش على دورها في الانبعاث الكربوني، وذلك أنها بكل بساطة جعلت تقديم المعلومات حول الانبعاثات العسكرية أمراً طوعياً. 

وعن ذلك تقول كسواني: "لا يمكننا فصل النكبة البيئية للعسكرة الناجمة عن الإمبريالية الأمريكية، أو عن شراكاتها العالمية، سواء كان ذلك النظام المصري القمعي أو نظام الأبارتيد الإسرائيلي".

وتضيف: "وطوال الوقت نشاهد هذه الأنظمة تستهدف وتسجن النشطاء مثل علاء، أو المناضلين من أجل الحرية في فلسطين، أو حماة المياه هنا في الولايات المتحدة، وما يتربص به الخطر بالنسبة لنا جميعاً هو مستقبل العالم الحي الذي من أجله يقاتلون".

سياسات متضاربة

لطالما أكد المدافعون عن البيئة أن العدالة البيئية ترتبط بقوة بالعدالة الاقتصادية والاجتماعية. 

ومع ذلك، فإن المؤسسة العسكرية الأمريكية نفسها التي تبث الحياة في الكيان العسكري الدكتاتوري للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وتقره على ما ارتكبه من مظالم في مصر طوال العقد المنصرم – بما في ذلك اعتقال نشطاء البيئة – لا تساءل بتاتاً حول دورها هي في ما يلحق بالبيئة من أضرار. 

وعلى الرغم مما تقوم به بنفسها من أبحاث حول الآثار المترتبة على التغير المناخي إلا أن المؤسسة العسكرية لم تعترف، حتى وقت قريب جداً، بدورها المتضخم في انبعاث غازات الانحباس الحراري، كما كتبت كروفورد تقول. فالأمر إذن لا يقتصر على مجرد مساهمة الجيش الأمريكي في مفاقمة الأزمة، بل لطالما تمتع بالحصانة من الإقرار بدوره في تغذيتها. 

بدلاً من ذلك، وبينما غدت الظروف أكثر خطورة وبدأ الجيش الأمريكي يشهد بنفسه أحداثاً مناخية عاتية أثرت على كفاءة وفاعلية مرافقه المنتشرة حول العالم، راح الجيش الأمريكي ينظر في مسألة "التأقلم" مع الآثار المترتبة على التغير المناخي، مؤطراً تحركه بعيداً عن الوقود الأحفوري باعتباره مسألة تتعلق بالكفاءة. 

وطبقاً لكروفورد فإن التمييز بين الأمرين هام، وذلك لأن التركيز على خفض الانبعاثات الكربونية أقل. وبينما أقرت وزارة الدفاع بوجود قضية تستوجب الوقوف عندها، "تبدو سياسات الحكومة الفيدرالية متضاربة إن لم تكن متناقضة من حيث ما إذا كانت تعامل التغير المناخي باعتباره تهديداً وجوديا".

بمعنى آخر، ما زال الجيش يعطي الأولوية للأمن القومي فوق كل اعتبار آخر. 

ومما يدل على ذلك الغزو الروسي الكارثي لأوكرانيا في مطلع هذا العام ورفض حكومة الولايات المتحدة النظر في الحلول الدبلوماسية للأزمة التي شتتت الانتباه بعيداً عن قضية التغير المناخي وجرت العالم إلى حافة كارثة نووية. 

في زمن تفشت فيه النزاعات في أرجاء العالم – حيث يواجه ملايين البشر من بورتو ريكو وكوبا إلى الباكستان وحول القارة الأوروبية ظروفاً مناخية شديدة – يعتبر انعقاد قمة المناخ كوب27 في بلد لا يبدي اهتماماً في الحفاظ حتى على مجرد واجهة من الكرامة والنزاهة واحترام حق الناس العاديين في تقرير المصير، في حد ذاته إحراجاً. 

ولكن أن ينسى المرء أن مصر ما هي سوى ذراع من أذرع الإمبراطورية الأمريكية المنتشرة في الشرق الأوسط، إذ تبقي نصب عينيها الوقود الأحفوري في منطقة الخليج، فهذا يعني تناسي من هو المتواطئ، أو من هو الذي يقف دوماً من وراء السياسة المنتهجة.