سياسة عربية

"إعلان الجزائر" للمصالحة.. فرصة سانحة تهددها تحديات كثيرة

إعلان الجزائر يهدف إلى إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة للمؤسسات الفلسطينية - تويتر

شكل توقيع الفصائل الفلسطينية على "إعلان الجزائر" أمس، فرصة سانحة جديدة لمحاولة إنهاء الانقسام الفلسطيني الداخلي، وسط شكوك في إمكانية تنفيذه حقيقة واقعية على الأرض، في ظل وجود العديد من التحديات واستحضار التجارب السابقة.

ووقعت الفصائل الفلسطينية بحضور الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وغياب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مساء أمس، على "إعلان الجزائر" المنبثق عن "مؤتمر لم الشمل من أجل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية"، الذي عقد في الجزائر في الفترة ما بين 11-13 تشرين الأول/أكتوبر 2022.

إعلان إيجابي


ورأى عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية، طلال أبو ظريفة، أن حوارات الجزائر خرجت بـ"نتائج إيجابية"، معتبرا أنها "خطوة مهمة على طريق العمل الحثيث من أجل إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة للمؤسسات الوطنية الفلسطينية، وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني عبر إجراء انتخابات شاملة (تشريعية ورئاسية ومجلس وطني)، وفق التمثيل النسبي الكامل وخلال سقف زمني متفق عليه".

وثمن في تصريح خاص لـ"عربي21"، الدور الجزائري الذي كلل بالتوافق على ما جاء في "إعلان الجزائر"، ولم الشمل وتوحيد الصفوف والاتفاق على استراتيجية وطنية كفاحية لمواجهة الاحتلال والاستيطان".

وشدد أبو ظريفة الذي وقعت جبهته الإعلان، على ضرورة أن "تقوم الفصائل الفلسطينية بوضع الآليات من أجل تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في الجزائر، عبر استمرار الحوارات برعاية الجزائر"، مشيرا إلى أن "الأمر المؤسف؛ هو تعطيل النقطة السابعة من "إعلان الجزائر" المتعلقة بالحكومة".

وأوضح أن "هذه النقطة كادت أن "تعيد الأمور إلى نقطة الصفر لولا تدخل الإخوة الجزائريين الذي حاولوا جاهدين الوصول إلى توافق يحفظ ماء وجوه الوفود الفلسطينية أمام الشعب الفلسطيني والرأي العام العربي"، منبها إلى أهمية "وجود ضغط شعبي وفصائلي من أجل استكمال هذه النقطة، للمضي قدما في استعادة وحدتنا".

نقطة الصفر 


وفي قراءته لمخرجات حوارات الفصائل في الجزائر، قال الكاتب والمحلل السياسي حسام الدجني: "البيان يعكس حجم الإرادة الرسمية والشعبية لدى الجزائر، ويعكس أيضا حجم الأزمة والفجوة، وعدم وجود الإرادة السياسية لإنهاء الانقسام، لا سميا عند الرئيس أبو مازن، فمسألة الانتخابات خلال 3 أشهر ورفضها والإصرار على العام، يدلل على أن الرئيس والسلطة يريدون مزيدا من الوقت من أجل الهروب من الاستحقاق الانتخابي، وهذه مسالة بالغة الأهمية، وينبغي أن نلتفت إليها كثيرا".

وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "إصرار الرئيس وإفشاله أكثر من مرة التوافق على الحكومة، وإصراره أن تكون مرجعية الحكومة هي "الشرعية الدولية".

وتابع: "حتى بعد التوافق بين عزام الأحمد (رئيس وفد فتح في حوار الجزائر) والوفود المشاركة على استبدال كلمة "الشرعية الدولية" بـ"قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي ووثيقة الوفاق الوطني"، عاد الرئيس وأفشل هذا البند وعادت الأمور لنقطة الصفر، لولا قدرة الجزائر والفصائل على تجاوز هذه المعضلة بحذف هذا البند بالكامل، وهذا يؤكد أننا أمام تحدّ لا زال قائما، يتعلق بجماعات المصالح والهروب من الاستحقاق الانتخابي".

ونبه الدجني، إلى أن "هذا الوضع يتطلب من الشارع الفلسطيني المزيد من الضغط على الأطراف كافة، من أجل تنفيذ الاستحقاق الانتخابي"، معتبرا أن "أهم ما ورد في بنود الوثيقة، هو موضوع الانتخابات التي تعيد الاعتبار لكل المؤسسات السياسية والنظام السياسي الفلسطيني".

وعن إمكانية تنفيذ ما تم التوافق عليه في الجزائر، أوضح أن "هذا يتوقف على الجزائر؛ فهي دولة مهمة جدا والكل يكن لها الاحترام، وهي ملتزمة بدعمها الشعبي والسياسي والإعلامي وحتى المالي، فهي من أكثر الدول التزاما بضخ الأموال لخزينة السلطة بشكل شهري مستمر".

وشدد الكاتب على أهمية أن يكون هناك "موقف جزائري ضاغط، واتخاذ إجراءات بحق من يرفض إجراء الانتخابات، فنحن نريد انتخابات وحكومة وحدة وطنية، وأن يلتم الشمل في ظل هذه التحديات".

من جانبه، أكد المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية ناجي شراب، أن "المصالحة ليست مجرد بيان، ودليل ذلك، كانت هناك بيانات واتفاقات وتوافقات سابقة وقعت؛ مثل اتفاق مكة، فالبيان مجرد مؤشر، لكنه ليس برهانا قاطعا على إنهاء الانقسام؛ لأن التنفيذ على الأرض تواجهه الكثير من التحديات".

 

اقرأ أيضا: "عربي21" تكشف تفاصيل طلب لعباس كاد يفشل حوار الجزائر

نافذة جديدة


وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "من المنطق والطبيعي أن يصدر بيانا لمخرجات الحوار، يضم ما تم التوافق عليه بين الفصائل حول المبادئ العامة"، معتبرا أن "المصالحة عملية معقدة وهي ليست قاصرة على الفلسطينيين؛ إسرائيل لها دور مباشر، وكذلك أمريكا التي تعدّ حماس "منظمة إرهابية"، الدول العربية وتأثيرها على القرار الفلسطيني؛ سواء فتح أو حماس، كل هذه عوامل تؤكد الصعوبات والتحديات".

ونبه شراب، أن "هناك بنية انقسام متجذرة في الضفة الغربية وغزة، وهي لم تعد سهلة بسيطة، بل بنية معقدة"، متسائلا: "هل يمكن لحكومة وحدة وطنية أو انتقالية أن تتجاوز هذه البنية بكل سهولة؟".

ورأى أن "ما يدعو للتفاؤل؛ الجزائر ومكانتها التاريخية، والدور المباشر للرئيس تبون، واحتضانه لهذه الحوارات، كما أنه لا مستقبل لحماس ولا لفتح إلا من خلال الشرعية الفلسطينية، ولا يمكن لأي منهما أن تخطو خطوة إلى الأمام إلا بالمصالحة".

ومما يؤثر في عملية تحقيق المصالحة، ذكر أستاذ العلوم السياسية، أن "هناك تخوفات من مرحلة ما بعد الرئيس عباس؛ وهذا قد يكون عاملا غير معلن، وإلى أين ستذهب الأمور في ظل الانقسام؟، ومن ثم قد يكون هذا أحد العوامل التي تساهم في إنهاء الانقسام".

وقدر أنه "ليس من الصعب إحداث اختراق، فمن السهل تشكيل حكومة وحدة وطنية وإجراء الانتخابات على المستويات كافة، ومن خلالها يمكن تشكيل لجنة وطنية لصياغة مشروع وطني فلسطيني، يمتلك رؤية وطنية انتقالية، والاتفاق؛ خصوصا وأن حماس وفتح تقاربتا كثيرا من الموضوع السياسي، فحماس ليست بعيدة عن موضوع الدولة الفلسطينية كما تطالب فتح".

وبين شراب، أن "التخوفات؛ أن هناك بعض القوى والأفراد والجماعات التي لا تريد للانقسام أن ينتهي، ولكنْ، هناك بصيص أمل، وهذا يتوقف على دور الفصائل التي وقعت على "إعلان الجزائر"، ودور الشعب الفلسطيني ومؤسساته المجتمعية".

وقال: "أعتقد في هذه المرة، أن نافذة قد فتحت من جديد للمصالحة، والآن بدأت الجهود، وعلينا أن ننتظر لرؤية نتائج هذه الحوارات على أرض الواقع".

 

اقرأ أيضا: الفصائل الفلسطينية توقع "إعلان الجزائر" بشأن المصالحة

تحديات

أما المختص في الشأن الفلسطيني والإسرائيلي، مأمون أبو عامر، رأى أن "توقيع اتفاق المصالحة في الجزائر، فرصة كبيرة للنهوض بالحالة الفلسطينية؛ فالثقة بالجزائر كبيرة نظرا لموقفها الداعم لشعبنا ومقاومته".

وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "ومع هذا، هناك تحدّ كبير قد يعيق تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، ولا سيما أنه لا توجد آليات واضحة وتاريخ محدد لتنفيذ الاستحقاقات، وإشارة واضحة لأي طرف يمكن أن يخل بالالتزامات، لذا، هناك شكوك حول إمكانية تحقق أهداف هذه المصالحة".

وأشار أبو عامر، إلى "تراجع وفد "فتح" عن المسودة الأولى التي تم الاتفاق عليها، بسبب عدم اشتمالها على بند يؤكد التزام الحكومة بقرارات الشرعية الدولية، وتم حذف البند الخاص بحكومة الوحدة الوطنية"، مرجحا أن "الفصائل التي تمسكت بالاتفاق، قبلت بالتنازل مجاملة للجزائر، ولمنحها فرصة لمعالجة هذا الأمر، بعيدا عن التشنجات".


وتساءل: "هل يمتلك رئيس السلطة عباس القدرة على السير بخطوات المصالحة ودمج الفصائل التي تعترض عليها إسرائيل في إطار السلطة؟"، مضيفا: "التجربة تشي بأن هذا الأمر مشكوك فيه، والفصائل المعنية تعرف هذا جيدا، وهذا يعزز القناعة أنها وقعت على "بيان الجزائر" مجاملة".

وبناء على ما سبق، استبعد المختص، "فرصة تشكيل حكومة وحده وطنية، حتى لو توفرت النوايا والإرادة الجزائرية لإنجاز هذا الهدف؛ لأن حالة الارتباك والتردد نتيجة لتمسك السلطة بما يسمى اتفاقيات السلام، سيكون هو التحدي الأكبر والأصعب، ما دامت السلطة تنمسك بـ"حصان ميت"، تعتقد أنه قادر على جر عربة السلام المعطوبة أصلا، وهذا ارتهان للفيتو الإسرائيلي ومن خلفه الأمريكي على مصالحة تشمل الجميع".

وقال أبو عامر: "ليست المشكلة في التوصل إلى اتفاق، إنما لبّ المشكلة يكمن في إمكانية تنفيذ ما تم التوافق عليه بين الفصائل؛ وهذا ما شهدناه في اتفاق إسطنبول لإجراء الانتخاب الفلسطينية".