عبّرت شخصيات كويتية عن إدانتهم ورفضهم الكامل لمساعي رئيسة الوزراء البريطانية، ليز تراس، لنقل السفارة البريطانية في إسرائيل من تل أبيب إلى مدينة القدس المحتلة، مؤكدين أن هذا الأمر -في حال إتمامه- ستكون له "ارتدادات خطيرة"، داعين الدول العربية والخليجية لاستخدام سلاح الاقتصاد في مواجهة بريطانيا من أجل إثنائها عن تلك الخطوة.
وخلال الشهر الماضي، نقلت صحيفة "تلغراف" البريطانية عن المتحدثة باسم الحكومة البريطانية، أن "تراس تراجع موقع السفارة الحالي في تل أبيب".
وكانت "تراس" قدمت تعهدا أثناء توليها وزارة الخارجية بمراجعة موقع السفارة، وذلك في رسالة إلى منظمة "أصدقاء إسرائيل" من حزب المحافظين خلال منافستها على قيادة الحزب.
من جانبه، شدّد الكاتب والمحامي الكويتي، عبد العزيز بدر القطان، على أن "ليز تراس أصبحت عنصرا غير مرغوب فيه داخل حزب المحافظين البريطاني، وأمامها عامان فقط حتى الانتخابات المقبلة عام 2024؛ ففي عهدها تأزم الوضع الاقتصادي لبريطانيا كثيرا، والآن هي تبحث عن إنجاز لصرف النظر عن أخطائها القاتلة إن جاز التعبير من خلال مساعيها لنقل سفارة بلادها إلى القدس".
"ثورة داخل بريطانيا"
ونوّه القطان، في تصريحات خاصة مع "عربي21"، إلى أن "هذا الأمر ستكون له ارتدادات خطيرة، وربما سيخلق ثورة داخلية في بريطانيا، والشارع البريطاني قد ينتظر الشرارة التي من الوارد جدا أن تشعل الأوضاع الداخلية، والتي ربما تتمثل هذه الشرارة في عملية نقل السفارة للقدس".
وفي رؤيته لموقف دول الخليج تجاه هذه الخطوة، أردف: "كما هو معروف أن قرارات منظمة (أوبك+) الأخيرة المتعلقة بتخفيض إنتاج النفط في خطوة انتهجتها السعودية بالتعاون مع روسيا، أغضبت الجانب الأمريكي كثيرا، فضلا عن أن هناك حديثا يدور حول الإعداد من قِبل الكونغرس الأمريكي لمبادرة لسحب أنظمة الدفاع الصاروخي والجيش الأمريكي من السعودية والإمارات ردا على هذه الخطوة".
وتابع: "بالتالي، ربما الخليج الآن ليس في صدد فتح جبهة مع الغرب، بل يحاول امتصاص الوضع الحالي، وهذا على الصعيد الرسمي. لكن شعبيا من المؤكد أن هذا السعي البريطاني لن يمر دون عواقب، لأن القضية الفلسطينية هي القضية الأم بالنسبة لشعب الخليج، وبالأخص للشعب الكويتي".
واستطرد القطان قائلا: "لا تحتاج فلسطين منا إلى بيانات تنديد واستنكارات بقدر ما تحتاج إلى خطوات ملموسة تضع حدا لهذا الجبروت الاستعماري، وأعتقد أن الغرب اليوم ليس في موقع يستطيع فيه إملاء شروطه كما في أوقات سابقة، خاصة وأن الأزمة الأوكرانية استنزفته على كافة الأصعدة".
وأشار الكاتب الكويتي إلى احتمالية استخدام الدول العربية لسلاح الاقتصاد في مواجهة بريطانيا في حال أقدمت على نقل سفارتها للقدس، خاصة وأن لندن تتفاوض مع دول الخليج لإبرام اتفاقية مع دول الخليج، وقال: "بالتأكيد هذا الأمر سيحدث، ومن الممكن القول إنه بدأ مع قرارات (أوبك+)".
وذكر أن "لندن ليست في موقع قوة لتبتز أيا من الدول العربية، وهي تعي ذلك، والحكومة البريطانية ذاتها ستقف في وجه ليز تراس لردعها عن هذا الأمر، خاصة وأن الحديث في بريطانيا اليوم هو كيف سيصمدون في الشتاء، فضلا عن بدء التقنين الكهربائي في الدولة العظمى، مع الإشارة إلى أن بريطانيا لم تعد بلدا جذابا للاستثمار خاصة وأن مستوى الثقة منخفض بهذه الحكومة الحالية".
اقرأ أيضا: إيكونوميست: لماذا فشلت ليز تراس في بداية عهدها بالحكومة؟
تداعيات خطيرة
في السياق ذاته، قالت الناشطة السياسية الكويتية، هدى سعود الكريباني، إن "نقل سفارة بريطانيا في إسرائيل إلى القدس يُعدّ انتهاكا للقانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية التي تؤكد على ضرورة إنهاء الاحتلال، وستكون لها تداعيات كثيرة وخطيرة، وستعطي الحق لمَن ليس له حق أساسا في التمادي في القمع وانتهاك حقوق الإنسان".
ولفتت، في تصريح لـ"عربي21"، إلى أن جامعة الدول العربية والبرلمان العربي رفضوا وشجبوا تصريحات رئيسة وزراء بريطانيا، لكن هذا الرفض والشجب غير كاف دون ضغط دولي فعلي على بريطانيا التي يجب عليها احترام القوانين والنظم الدولية، ودعم عملية السلام، والدفع لإنهاء الاحتلال الصهيوني.
وعن تفسيرها لسبب عدم إعلان دول الخليج، حتى الآن، موقفا تجاه هذه الخطوة، قالت الناشطة الكويتية: "دول الخليج لها مُمثلون في الجامعة العربية والبرلمان العربي، وبالتالي فقد اتخذوا موقفا في هذا الصدد".
وأشارت الكريباني إلى أن "قرار تحالف (أوبك+) بخفض الإنتاج بمعدل مليوني برميل يوميا سيكون الضاغط الأكبر الذي تواجهه أوروبا اليوم، خصوصا بعد أزمة الطاقة التي يعيشونها، وهذا سيكون أكبر سلاح ضد حكومة ليز تراس الهشة أساسا".
وكان تحالف "أوبك+" قد أعلن، الأربعاء، خفض إنتاج أعضائه من النفط الخام بمقدار مليوني برميل يوميا اعتبارا من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
الكويت هي الاستثناء
بدوره، قال رئيس رابطة شباب لأجل القدس العالمية طارق الشايع، إن "بريطانيا دولة الاحتلال الأولى في القرن الماضي، ولا زالت، وهي التي مكّنت العصابات الصهيونية في القدوم إلى فلسطين (المحتلة) مسبقا من الجيش البريطاني، والذي ساهم بشكل رئيسي في النكبة الفلسطينية، من إمداد بالسلاح والمواقع والمخططات لتسهيل عمليات العصابات الصهيونية في بسط سيطرتها على الأراضي الفلسطينية".
وأشار الشايع، في حديث خاص مع "عربي21"، إلى أن "بريطانيا كانت سببا رئيسيا في قصة تهجير الملايين من الفلسطينيين، والتي لا زالت الأجيال الفلسطينية تتجرع مرارتها، فضلا عن أنها ساهمت في المجازر والإبادات وطمس معالم مئات القرى والمدن وهدم البيوت الفلسطينية".
وتابع: "لذلك، تأتي مساعي نقل السفارة البريطانية للقدس من دولة نشأت على الاحتلال، ولا زالت، ورعت الاحتلال الصهيوني قبل نشأته ولا تزال تقدم هذا الدعم بكل صوره. هي مساع متسقة مع منهجها الداعم للظلم والمنحاز للظالم دائما. ولا غرابة حين تأتي هذه الرغبة من بريطانيا فهي السباقة في إنشاء هذا الكيان الاحتلالي في فلسطين".
وحول مواقف دول الخليج من تصريحات "تراس"، ذكّر بأن "الكويت هي الاستثناء الوحيد بين دول الخليج، بل لربما لست مبالغا إذا قلت هي الاستثناء العربي الوحيد في بيان موقفها المناصر تجاه القضايا العربية والإسلامية، وخاصة القضية الفلسطينية، ولا أدل على ذلك حين أدانت دولة الكويت القرارين اللذين اتخذتهما الإدارة الأمريكية، وهما نقل السفارة الأمريكية للقدس، واعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالاحتلال الإسرائيلي على الجولان".
وواصل الشايع، وهو أيضا عضو الهيئة العليا لتنسيقية مناهضة الصهيونية ومقاومة التطبيع، حديثه: "لذلك، يقينا سيكون لدولة الكويت موقف واضح وجلي مناصر للقضية الفلسطينية ومناهض للمساعي البريطانية لنقل السفارة البريطانية للقدس، وسيكون لها بيان تدين فيه ذلك".
وأكمل: "أما دول الخليج المطبّعة فسيكون موقفها إما الموافقة والمباركة، وإما السكوت وعدم إبداء الرأي في ذلك؛ وهذا في رأيي سكوت عن الحق، وتشجيع للظالم ليزيد في ظلمه وغيه. ونتمنى أن يكون لها موقف مناصر للقضية الفلسطينية ومدين للإجراءات البريطانية".
سلاح الاقتصاد
على إثر ذلك، استبعد الشايع استخدام الدول العربية سلاح الاقتصاد ضد بريطانيا، قائلا: "لو كان لدول الخليج أو غيرها من الدول العربية والإسلامية القوة الكافية لأخذ موقف عملي حقيقي لكانت الدول النفطية هي مَن اتخذت الموقف ابتداءً، لكني أرى بأن المصالح لا زالت هي المسيطرة على القرار العربي والإسلامي".
بالرغم من ذلك، رأى رئيس رابطة شباب لأجل القدس العالمية، أن "سلاح الاقتصاد هو الخيار المطروح اليوم، ويجب الدفع بدول الخليج لاتخاذ موقف تجاهه؛ والدخول في مفاوضات لصالح القضية الفلسطينية إذا أرادت بريطانيا إبرام هذه الاتفاقية".
يشار إلى أن الحكومة البريطانية تسعى لإبرام اتفاق تبادل تجاري حر مع دول مجلس التعاون الخليجي، وعُقدت اجتماعات مختلفة من أجل محاولة إتمام تلك الخطوة التي تأتي في أعقاب خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي سنة 2016.
وتمتنع الغالبية العظمى من دول العالم عن نقل سفاراتها إلى القدس، نظرا لعدم اعترافها بشرعية الاحتلال الإسرائيلي لشقها الشرقي الذي تم عام 1967.
ولكن الولايات المتحدة الأمريكية نقلت سفارتها من تل أبيب إلى القدس في العام 2018، لتتبعها هندوراس وغواتيمالا وكوسفو.
واحتلت إسرائيل القدس الشرقية عام 1967، وأعلنت لاحقا ضمها إلى إسرائيل وتوحيدها مع الجزء الغربي، معتبرة إياها "عاصمة موحدة وأبدية لها"، وهو ما يرفض المجتمع الدولي الاعتراف به.
"عيد العرش" موسم الاقتحامات الأخطر على "الأقصى".. لماذا؟
انتخابات للمجالس المحلية بسوريا.. انتقادات ومقاطعة كردية
غاز غزة.. "معركة مفتوحة" بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال