أكدت فرنسا، الاثنين، على لسان وزيرة خارجيتها
كاترين كولونا، أنه لا يمكن تقديم عرض أفضل لإيران لتوقيع الاتفاق النووي مجددا مع
القوى العالمية.
ولفتت كولونا في حديث لها على هامش اجتماعات
الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، إلى أن الكرة الآن في الملعب
الإيراني، وأن الأمر بيد طهران لتتخذ قرارها بشأن آخر عرض قُدم لها.
وأوضحت الوزيرة الفرنسية أنه "لن يتم
تقديم عرض أفضل لطهران، وأن القرار متروك لها لتتخذ القرارات الصحيحة"، مضيفة: "موقف واشنطن والأوروبيين من قضية إنهاء تحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية
في آثار "يورانيوم" عثر عليها في ثلاثة مواقع غير معلنة في إيران متطابق تماما".
بالمقابل، جددت إيران على لسان رئيسها إبراهيم
رئيسي المطالبة بـ"ضمانات" أمريكية بعدم تكرار خروجها من أي اتفاق نووي
مقبل كما فعلت أول مرة، حينما انسحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق الأول
في 2015.
وأوضح رئيسي في حديث له قبل بدء زيارته
لنيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، أنه "يؤيد الوصول
لاتفاق عادل وجيد".
تجميد مؤقت
رئيس وحدة الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية
في مركز جنيف للدراسات، ناصر زهير، أعرب عن اعتقاده بأن "المفاوضات تتجه للتجميد في الوقت الحالي لمدة
شهر أو شهرين لما بعد الانتخابات النصفية في الكونغرس الأمريكي، حتى تتبلور رؤية
ثانية، أو أن تقوم إيران بتوفير الوقت والتوقيع قبل ذلك".
وتابع زهير في حديث لـ"عربي21"
:"لكن المشكلة أن البرنامج النووي الإيراني في مرحلته أو وقته الأخير، حيث
قال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافاييل غروسي، إن إيران لديها
يورانيوم مخصب بنسبة 60 في المئة يكفي لصنع سلاح نووي، وبالتالي هي معركة عض
أصابع، ومن يتنازل ويوافق أولا، ولكن لا اعتقد أن المفاوضات ستنهار بشكل
كامل".
ولفت إلى أن "المفاوضات ستبقى مجمدة حتى
يقوم أحد الطرفين بالإعلان عن تقديمه تنازلات، وبرأيي الأقرب لفعل ذلك هي إيران؛ لأنها هي من قدم تنازلات خلال الأشهر الماضية في أكثر من مناسبة".
واستدرك بالقول: "لكن المشكلة أن إيران
لديها شرط يُعدّ خطا أحمر بالنسبة للأمريكيين والأوروبيين، ولن يتنازلوا عنه، وهو
تفسير آثار اليورانيوم التي تم العثور عليه في 3 مواقع غير معلنة، بالمقابل ايران
تشترط إغلاق هذا الملف".
تناقض إيراني
من جهته، قال مدير الأبحاث ورئيس برنامج إيران
في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، باتريك كلاوسون، إن "إيران لا تبدو حريصة على التوصل لاتفاق، حيث تواصل اقتراح شروط تم رفضها في مفاوضات سابقة".
وأوضح كلاوسون في حديث لـ"عربي21"،
أنه "في الوقت الذي يتوق فيه فريق المفاوضين ووزارة الخارجية الإيرانية
للتوصل إلى صفقة، فإن مراكز القوة الحقيقية -المرشد الأعلى، والحرس الثوري
الإيراني، والمجلس الأعلى للأمن القومي- لا يريدون ذلك".
وأكد أن "إدارة بايدن مستعدة للانسحاب من
المفاوضات، على عكس إدارة أوباما التي كانت مصممة على الوصول لصفقة حتى لو تطلب
ذلك تنازلات كبيرة، كذلك الأوروبيون سئموا من إثارة إيران للقضايا التي سبق أن تم
تناولها، بمعنى آخر، لا أحد من الأطراف مستعد لتغيير موقفه كثيرًا، بالتالي قد
تكون هناك صفقة، لكن فرص الوصول لها لا تبدو جيدة".
وحول تأثير الانتخابات النصفية على موقف واشنطن
من المفاوضات، قال كلاوسون: "من المؤكد أن بايدن متردد في اتخاذ أي خطوات
الآن قد تعطي قوة داعمة للمرشحين الجمهوريين في انتخابات تشرين ثان/ نوفمبر".
واستدرك بالقول: "لكن إذا كان أداء
الجمهوريين جيدًا في الانتخابات النصفية، فلن يكون مستعدًا أيضًا لخوض معركة مع
الكونغرس الذي يقوده الجمهوريون، فقط إذا كان أداء الديمقراطيين جيدًا في
الانتخابات، يمكن أن يُسهل ذلك على بايدن التنازل في المحادثات النووية الإيرانية، وهذا غير مرجح بشكل خاص".
من جهته، قال مدير السياسات في المجلس الوطني
الإيراني الأمريكي، ريان كوستيلو، إن "المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود على
المدى القريب، وهناك احتمال كبير وخطير بأن تنهار قبل نهاية العام، لكن لا تزال
هناك فرصة لتحقيق انفراجة، خاصة إذا تراجعت إيران عن نقاط رئيسية من ردها الأخير
على المفاوضين الغربيين".
وأوضح كوستيلو خلال حديثه
لـ"عربي21"، أنه "تم الانتهاء من معظم المفاوضات، وهناك أيضا اتفاق
يخفف من ضغط العقوبات على إيران للحصول على ضمانات ملموسة لمنع الانتشار النووي، مطروح على الطاولة، وكل هذا يعني أنه لا يزال من الممكن التوصل إلى اتفاق
سريعًا".
خيانة العهود
بالمقابل، أكد الدبلوماسي الإيراني السابق، هادي
أفقهي، على أن "إيران ستبقي المفاوضات مجمدة حتى يتم تحقيق مطالبها، حيث أعلنت
طهران بمجرد تسلم السيد إبراهيم رئيسي للحكم عن تغير الفريق المفاوض، ووضعت خطوطا حمراء لا تقبل أن يتم تجاوزها".
وأوضح أفقهي خلال حديثه لـ"عربي21"،
أن "هذه الخطوط الحمراء هي، إلغاء جميع العقوبات المفروضة على إيران، وإعطاء
الضمانات، وكذلك إغلاق ملف وكالة الطاقة الذرية".
وأضاف: "يُعتبر ملف وكالة الطاقة الذرية
بالنسبة لنا جرح مفتوح، فقد يأتي رئيسها غروسي مرة أخرى برواية إسرائيلية جديدة،
بالتالي عندها ماذا تفعل إيران؟! فنحن بتنا نشعر أننا نفاوض إسرائيل وليس
الوكالة".
وأشار إلى أنه "يجب في البداية أن يُحاكم
الأمريكيين والفرنسيين، وذلك لأنهم وعدوا إيران وخانوا هذا العهد وخرجوا من
الاتفاق النووي، فواشنطن خرجت من الاتفاق بصورة مباشرة وفرضت عقوبات ظالمة، وأما
الأوروبيون، وخصوصا الفرنسيين الذين طالما لعبوا دور الشرطي السيئ، تهربوا من
التعهدات التي أبرموها مع إيران بمجرد خروج الأمريكيين من الاتفاق".
وتابع: "أيضا وعدونا بتنفيذ 11 مطلبا لنا
في حال عدم خروج إيران من الاتفاق ردا على خروج ترامب من الاتفاق، ومن هذه المطالب
تعويضها عن الخسائر المترتبة على الخروج الأحادي الأمريكي، ولكن انتظرنا ثلاث
سنوات ولم يتم الوفاء بأي وعد من وعودهم".
وأكد أن "إيران اليوم بددت وأفرغت حجج
الغربيين ورفعت كل الشبهات، حيث قدمت الحلول لتسهيل التوصل إلى اتفاق نووي يرضي
الطرفين، لكنهم ما زالوا ينافقون ويتهربون، ويقولون إن إيران هي التي تتعنت، والأهم
نحن نسأل: لماذا لا تعطينا أمريكا ضمانات بألّا تخرج من الاتفاق النووي الجديد إذا
ما تم؟".
وحول مصير المفاوضات، قال الدبلوماسي الإيراني
السابق: "يجب أن نتفق وفق معادلة يكون فيها رابحان، بمعنى نحن نربح وهم كذلك
يربحون، ما عدا ذلك هم بالتأكيد سيصعدون، بل حتى هم هددونا بالخيار العسكري، نعم
هو حاليا ليس مطروحا، ولكن هناك تلويح وتهديد به".
وتابع: "وبمقابل تعنتهم وتهديدهم، إيران
أيضا لديها خيارات، منها ما هو تقني على مستوى التخصيب، حيث يمكن أن توصله لنسبة
99.9 في المئة، كذلك يمكنها تفعيل أجهزة طرد مركزي لم تفعلها إلى الآن، أيضا خيار
زيادة نسبة اليورانيوم المخصب والمخزن بنسبة 20- 60 في المئة، ووقف كل تعاملات
طهران مع وكالة الطاقة الذرية، لأنها خرجت عن حياديتها عندما سافر رئيسها غروسي
إلى تل أبيب وأخذ الرواية الإسرائيلية التي نشرها الموساد، وصدقها ورفعها إلى مجلس الحكماء".
ورقة الطاقة
وتمر حاليا الدول الأوروبية بأزمة طاقة حادة
ناجمة عن الحرب الروسية على أوكرانيا، وقطع الغاز الروسي عن هذه الدول، وتشير
التقارير الأوروبية إلى وجود مخاوف من ارتفاع أسعار الطاقة، وتقلص كمياتها، خاصة مع
اقتراب فصل الشتاء.
ودفعت المخاوف من حدوث أزمة حقيقة في الطاقة
خلال فصل الشتاء المقبل دول الاتحاد الأوروبي للبحث عن بدائل للطاقة الروسية، منها
استيراد الغاز والنفط من دول أخرى كالجزائر وفنزويلا وقطر، فهل يمكن أن نرى تنازلا غربيا في المفاوضات لتخفيف أزمة الطاقة عبر استيراد النفط والغاز من طهران؟
يرى مدير الأبحاث في معهد واشنطن، باتريك
كلاوسون، أن "أزمة الطاقة في أوروبا تدور في الغالب حول الغاز الطبيعي، وليس
لإيران دور تلعبه في توفير المزيد من الغاز الطبيعي للدول الأخرى، ناهيك عن
أوروبا".
وأضاف: "في الواقع، إيران غير قادرة على
الوفاء بالتزاماتها التعاقدية لتوفير الغاز للعراق، لأنها تحتاجه داخليا، لذا هي
لا تعتبر لاعباً في أزمة الطاقة في أوروبا، وفي الوقت نفسه، فإن موقفها من
أوكرانيا، بما في ذلك تزويد روسيا بطائرات دون طيار مسلحة، أزعج أوروبا بشكل كبير، وجعل المسؤولين الأوروبيين أقل تعاطفاً مع قضيتها بشأن الملف النووي".
واتفق الباحث زهير ناصر مع كلاوسون في الرأي، وقال: "لن يتنازل الأوروبيون بسبب أزمة الطاقة، لأن إيران ليس لديها ما تقدمه
أكثر من مليون ونصف برميل، وبمقابل ذلك فنزويلا أعلنت أنها مستعدة لزيادة الإنتاج،
وفي ذات الوقت أوبك قالت إنها ستقلل الإنتاج في حال دخل النفط الإيراني
للسوق".
وتابع: "بالتالي لن يكون هناك فائدة كبيرة
للطاقة الإيرانية لو دخلت السوق، وفيما يتعلق بالغاز، فهو يحتاج 2- 3 سنوات،
بالتالي لا يوجد هناك دافع كبير بالنسبة للأوروبيين حتى يتنازلوا".
بدوره، عبر الخبير في منع انتشار الأسلحة
النووية وخطة العمل الشاملة المشتركة، ريان كوستيلو، عن "اعتقاده بأنه ليس
هناك رغبة لدى الولايات المتحدة أو أوروبا لتقديم المزيد من التنازلات، لا سيما
فيما يتعلق بالتحقيق المنفصل، ولكن الموازي للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولقد
تصاعدت الشكوك لدى الجانبين في أن إيران تنوي إنهاء المفاوضات، خاصة بعد ردها
الأخير، بالتالي لا توجد بدائل جيدة لحل دبلوماسي، ولكن يبدو أن المحادثات معلقة على الطلبات
التي لا يمكن تلبيتها".