بلغ الدين الخارجي المصري نحو 158 مليار دولار في الربع الأول من العام الجاري، الأمر الذي قال خبراء إنه خطير، وتخطى "الحدود الآمنة"، وإن السعودية والإمارات تبتزان مصر بـ"الانقضاض على أصول الدولة". في المقابل، هناك من يرى أن عمليات الاستحواذ على الشركات المصرية أمر جيد للاقتصاد، ومنبعه أن مصر دولة واعدة في الاستثمار.
وقال الباحث المصري في الاقتصاد السياسي والتنمية، مصطفى يوسف، إن "السلطات المصرية تعالج أزمة الديون التي تخطت الحدود الآمنة، ووصلت لمستويات غير مسبوقة، بوضع كارثي يتمثل في بيع ورهن أصول الدولة التي لا تقدر بثمن، وهو الأمر الذي يُعدّ تهديدا للأمن القومي المصري".
وبحسب بيانات أصدرها البنك الدولي خلال شهر تموز/ يوليو الماضي، بلغ الدين الخارجي المصري نحو 158 مليار دولار مع نهاية الربع الأول من العام الجاري، (ويُقدّر الدين الداخلي بـ6 تريليون جنيه، أي نحو 313 مليار دولار)، وتلتزم القاهرة بدفع مستحقات ديون خارجية بقيمة 33 مليار دولار في عام واحد من آذار/ مارس الماضي حتى آذار/ مارس المقبل.
وحددت معاهدة "ماستريخت" التجارية الأوروبية، المؤسسة للاتحاد الأوروبي، الحد الفاصل لنسبة "الديون الآمنة" بأن تكون الديون الحكومية أقل من 60% من الناتج المحلي.
تكرار سيناريو سيرلانكا
ورأى يوسف، في تصريحات خاصة لـ"عربي21"، أن "هذه الأرقام الضخمة من الديون الداخلية والخارجية تُهدّد باحتمالية تكرار سيناريو أزمة سيرلانكا في مصر خلال الفترة المقبلة حال تفاقم الأوضاع وتدهورها أكثر"، مضيفا: "عام 2023 ربما يشهد بدء ظهور الملامح الواضحة لهذا السيناريو السريلانكي".
وكشف يوسف، وهو مدير المركز الدولي للدراسات التنموية والاستراتيجية في كندا، أن "الاتفاقات المُبرمة بين دول خليجية ومصر، والمتعلقة بالاستحواذ على أصول مصرية، تتضمن بنودا سرية وغير معلنة، وهو ما يثير الكثير من الشكوك والريبة بشأن تلك الاتفاقات، التي ربما تمتد للسيطرة على أغلب الأصول المصرية المربحة والإستراتيجية".
وأردف: "النظام المصري غارق تماما في مستنقع الديون، وموقف النظام المصري التفاوضي -سواء كمشتر أو كبائع- ضعيف للغاية، لذلك رأت الإمارات والسعودية على وجه التحديد أن الفرصة باتت سانحة تماما للسيطرة بأسعار بخسة على أصول هامة للغاية في الدولة المصرية، استغلالا للظروف القاسية التي يمر بها نظام السيسي المفلس سياسيا واقتصاديا".
اقرأ أيضا: حكومة مصر توافق على تدبير 10 مليارات جنيه لدعم المصدرين
وأكمل الخبير الاقتصادي: "الإمارات والسعودية يبتزان نظام السيسي اعتمادا على القروض والودائع في البنك المركزي المصري، واليوم جاءت اللحظة المناسبة للانقضاض على أصول الدولة عن طريق إجراء مقاصة بين تلك الودائع وبين أصول مصرية معروضة للبيع".
واستطرد يوسف قائلا: "الأصول التي يتم بيعها ناجحة، وتحقق عائدات جيدة للاقتصاد المصري، وهو ما يضع الكثير من علامات الاستفهام والتعجب حول إقدام نظام السيسي على تلك الخطوة، التي لم تحدث سابقا في تاريخ مصر، إلا على نطاق ضيق ومحدود للغاية".
أخطر الكوارث
وتابع: "بيع الأصول يُعد من أكبر وأخطر الكوارث التي تورط فيها الرئيس السيسي، والذي يتبع أجندة تتعارض تماما مع متطلبات الأمن القومي، وتقوض من مقدرات الدولة المصرية"، منوها إلى أن "الصندوق السيادي المصري جعل جميع أصول الدولة تحت تصرف السيسي كيفما يشاء ووقتما يشاء، ودون أي رقابة أو مساءلة بأي صورة من الصورة؛ فعقب إنشاء هذا الصندوق غير الدستوري بدأت مصر مسلسل بيع الأصول".
وأشار إلى أن "الإمارات على وجه الخصوص تتبع استراتيجية واضحة وثابتة في محاولة السيطرة على العديد من الأصول -خاصة الموانئ- في دول عربية وأفريقية مختلفة؛ من أجل محاولة تعزيز دورها ومكانتها في المنطقة، وتسعى بشكل جلي للسيطرة على سبيل المثال على شركات وأراض وموانئ وبنوك مصرية، وموانئ البحر الأحمر، والموانئ اليمنية، وما إلى ذلك".
وشدّد يوسف على أن "برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي انتهجه النظام المصري لم يكن إصلاحا بأي شكل من الأشكال، بل بيع وإهدار القدرات والإمكانيات المصرية، التي تضعف قدرة الدولة ومناعتها في مواجهة أي تحديات إقليمية أو دولية".
في قبضة الجيش
وقال: "نظام الجمهورية الجديدة، والذي بدأ في أعقاب 3 تموز/ يوليو 2013، يقوم على 4 محاور: الاقتراض، والمعونات، وبيع الأصول، وفرض الضرائب والرسوم. وأصبح معظم الاقتصاد المصري في قبضة المؤسسة العسكرية وداعميها الكبيرين السعودية والإمارات".
واستطرد قائلا: "غياب خطط التنمية، وانعدام الحوارات المجتمعية لتحديد الأولويات، أدى إلى إنفاق غير مدروس وتبذير وسفه حكومي كبير، كالذي حدث على سبيل المثال في تفريعة قناة السويس، والعاصمة الإدارية الجديدة".
واختتم الخبير الاقتصادي بقوله: "نظام السيسي وضع الدولة المصرية الآن في وضع صعب جدا ينذر بانفجار مجتمعي وشيك، وأعاد مصر لعصر الخديوي إسماعيل، الذي سيطر فيه الأجانب على مقدرات الدولة المصرية".
ولجأت الحكومة المصرية على مدى السنوات الماضية إلى تمديد الودائع (زيادة آجال الاستحقاق) التي لديها من السعودية والإمارات والكويت، أو إعادة هيكلتها، وأنقذتها تلك الخطوة سابقا من فخ التخلف عن السداد، ودعم الاحتياطي الأجنبي.
يشار إلى أن السعودية والإمارات والكويت قدموا مساعدات بقيمة 12 مليار دولار عقب عزل الرئيس الراحل محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا بمصر، في شكل منح وودائع بالبنك المركزي، إضافة إلى مساعدات بترولية، فيما زادت قيمة الودائع خلال الأعوام القليلة الماضية.
"توجّه صحيح وطبيعي"
لكن في المقابل، يرى الرئيس الأسبق لأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، الدكتور عبد المطلب عبد الحميد، أن "الاستحواذات الخليجية على بعض الشركات المصرية أمر جيد وطبيعي، وتوجّه صحيح تماما؛ فهم يرون أن مصر دولة واعدة في الاستثمار، خاصة أن موقعها وإمكانياتها مهمة، وتسمح بشراكات واستثمارات مختلفة، ولا غضاضة في ذلك على الإطلاق".
وذكر عبد الحميد، في تصريح خاص لـ"عربي21"، أن "مصر ستجني مكاسب كبيرة جدا، وستحصل على العديد من المميزات جراء الإقدام على مثل هذه الخطوات التي ستنعكس إيجابا على الاقتصاد المصري"، مؤكدا أن "فرص النجاح مؤكدة تماما جراء تلك الخطوة، لأن كل مقومات النجاح موجودة على الأرض"، على حد قوله.
وقال: "الاستحواذات الخليجية سيكون لها تأثيرها الملموس على مناخ الاستثمار في بلادنا، وستجذب استثمارات أجنبية أخرى بشكل مؤكد، وستساهم في زيادة حصيلة مصر من النقد الأجنبي، وستعزز التجارة الدولية، وتزيد من الصادرات المحلية، وستستقطب شركات متعددة الجنسيات في مراحل لاحقة".
مرحلة جديدة من العولمة
واستطرد الخبير الاقتصادي قائلا: "نحن سندخل في مرحلة جديدة من العولمة، لأننا دخلنا عصر العولمة بالفعل، وينبغي ألّا ننفصل عنه بأي صورة من الصور".
فيما شدّد عبد الحميد على رفضه التام لأي أقاويل تؤكد أن الاستحواذات الخليجية تُعدّ تفريطا أو بيعا للأصول المصرية، وذكر أن "فكرة السيادة أصبحت موضوعا قديما، وعفا عليها الزمن، ولن تجعلنا منفتحين على العالم"، وفق قوله.
وقال: "مثل تلك الأقاويل عبثية وغير مقبولة تماما، وهذا تصور قاصر للغاية، ومَن يقولونها لا يفهمون مطلقا معنى وآليات العولمة. هذا تعاون مشترك بين مصر ودول عربية شقيقة، وليس هناك أي مجال للقول بأنها تفريط في السيادة أو غيرها كما يزعم البعض".
ورأى عبد الحميد أن "كل الدول تتبع مثل هذا النهج، ولا تقول سيادة أو غير سيادة، والمُشكّكين والمزايدين هم مَن يروجون لتلك الترهات، لأن مختلف دول العالم تستقبل استثمارات مختلفة ومنفحته تماما على بعضها البعض، بل إن هناك تنافسا على جذب تلك الاستثمارات المماثلة".
وأضاف: "العولمة جعلت العالم بلا حدود، وبلا قيود، وجعلته قائما على الاعتماد الاقتصادي المتبادل؛ فلا يمكن لأي أحد أن يُعزل عن الآخر، وهذا المعنى مُطبق منذ نحو 20 عاما، والصين نجحت تماما في فهم العولمة، وكسبت منه كثيرا، لذلك لا بد من استيعاب تلك المتغيرات، وعلينا اليوم استيعابها".
هل قررت الكويت الاستغناء عن 770 ألف عامل مصري؟
ما حقيقة شراء مصر مياه النيل من إثيوبيا بمال إماراتي؟
بلومبيرغ: مشاريع "نيوم" مصدرها أفلام الخيال وتواجه التعثر