فجر
الكاتب الصحفي
المصري عماد الدين أديب، جدلا كبيرا بالشارع السياسي المصري والعربي
عبر مقال رصد فيه 14 سببا لسقوط الحكام والأنظمة وخاصة العربية منها، وهي الأسباب التي
تنطبق جميعها على رئيس النظام المصري عبدالفتاح
السيسي، وفقا لتلميحات أديب.
في مقاله
المنشور الأحد، بموقع "أساس ميديا، اللبناني، بعنوان "14 سببا لسقوط الحكّام
والأنظمة!"، حصر أسباب فشل "طبخة استقرار الأنظمة"، في "الفساد
المطلوب للحاكم"، و"تغاضيه وسماحه للحلقة الضيّقة القريبة منه بممارسة الفساد
والإفساد".
و"الاعتماد
على رجال ثقة موالين له على الرغم من ضعف كفاءتهم وفشلهم.."، و"تحوّل رجال
الثقة بعد تمكّنهم من مفاصل الدولة إلى خدمة مصالحهم.."، و"استقواء بعض
رجال السلطة وتضحيتهم بالحاكم من أجل بقاء مصالحهم..".
و"قيام
بعض عناصر الحكم بالارتباط بعلاقة عمالة مع قوى إقليمية أو دولية للاستقواء بها في
معادلة اختطاف الحكم لصالحها"، و"صراع أجهزة الحكم بعضها مع البعض الآخر
بشكل مدمر.."، و"انصراف أجهزة الدولة المنوط بها الحفاظ على المال العامّ
إلى الانشغال بتحقيق مكاسب شخصية..".
و"عدم
اهتمام فريق الجهاز الحكومي بشؤون الدولة وانصرافه إلى تصفية بعضه البعض.."،
و"شعور بعض التيارات أو القوى بعدم أحقّيّة الحاكم في الحكم.."، و"تعرّض
بعض الحكّام إنسانيّا لضغوط عاطفية من أفراد عائلتهم تجعلهم يضعونهم في مناصب لا يستحقّونها..".
و"حاكم
يجهل ما يُرضي شعبه وما يغضبه"، و"حاكم يعطي امتيازا خاصا استثنائيا لجهاز
سيادي أو طبقة أو طائفة أو منطقة حيوية مفضّلا أحدها على الآخر"، و"حاكم
لا يتابع مدى التزام جهازه التنفيذي بأوامره وقراراته الرئيسية".
"تذكّروا
كلامي"
وقال
أديب، إن "أخطر ما يمكن أن يقع فيه الحاكم هو ألّا يُحسن اختيار فريقه الأساسي،
وألّا يتعامل مع أعضائه بناء على مدى التزامهم بالإنجاز بل على أساس عبارات المديح
والولاء الفارغة".
لكنه
في مقاله المليء بالتلميحات أشار إلى سقوط نظام عربي في العام المقبل، وأكد أن
"كلّ الأسباب السابقة تزداد خطورتها وتصبح معها الأنظمة في مهبّ الريح إذا ما
توافرت واجتمعت في عالم مرتبك فوضويّ مثل عالم اليوم".
وختم
بجملة قال فيها: "لذلك كلّه، وتذكّروا كلامي، يا خوفي الشديد على كثير من أنظمتنا
وشعوبنا من الآن حتى منتصف العام المقبل حينما تصبح لقمة العيش وسوء الخدمات واستحالة
الحياة اليومية هي وقود اضطرابات اجتماعية مدمّرة".
سبق
مقال أديب، مقال آخر أثار الجدل في 12 حزيران/ يونيو الماضي، وعبر نفس الموقع حذر
من عواقب كارثية وثورة جياع مصرية تهدد أوروبا ودول الخليج إذا لم تدعم الاقتصاد المصري
بشكل عاجل بمبلغ 25 مليار دولار.
وعبر
مواقع التواصل الاجتماعي فجر المقال الجدل والتكهنات بأن أديب القريب من الخليج لديه
معلومة وأراد أن يعلن أنه لم يعد متمسكا بالسيسي، لكن آخرين قالوا إنه يريد القفز من
مركب السيسي قبل سقوطه، فيما تساءل البعض عن احتمالات ردود فعل النظام من أديب.
وقبل
أيام كتب السياسي المصري أحمد طنطاوي مقالا عن عزل السيسي ومحاكمته منتصف تموز/ يوليو
الماضي، فقام النظام بحجب موقع "المنصة" الذي نشر المقال، وخرج طنطاوي من
مصر إلى لبنان وسط تسريبات عن ضغوط أمنية تعرض لها طنطاوي.
"القفز
من السفينة"
وفي
قراءته لدلالات حديث أديب، قال الناشر ورئيس "المنظمة المصرية لحقوق الإنسان"
سابقا، هشام قاسم، إنه "يجهز نفسه للخروج على الهواء بعد شهور ليقسم أنه لم يدعم
السيسي"، مؤكدا أنه "لا نحتاج مقاله لنعلم وضع النظام وأنه يقترب من (كش
ملك) له ولكل الحكم العسكري".
في حديثه
لـ"عربي21"، أضاف: "أديب، كان يقول إن علاقة السيسي بالله، تميزه عن
باقي الحكام، واليوم لما أدرك أنه سيغادر سيخرج حالفا أنه عارض السيسي"، موضحا
أن "ما قاله إبراء ذمة وليست رسائل أجهزة سيادية، وقربه منها وما لديه من معلومات
جعلته قادرا على قراءة المشهد والقفز من السفينة".
وفي
إجابته على التساؤل: "هل بالفعل ما يجري في مصر من أزمات هو مقدمة لاضطرابات اجتماعية
مدمرة، وفق قول أديب؟ قال قاسم: "الناس لديها اعتقاد بأن أمر السيسي سيطول، ولكن
لا يوجد حكم عسكري استمر، فهذا نمط فاشل ينشأ في ظل ظروف تاريخية معينة وينتهي بكوارث".
وأضاف:
"الجنيه بمقابل الإسترليني بداية عهد جمال عبدالناصر، بلغ جنيه وقرشين صاغ، ولكنه
أضاع أموال مصر في ثلاث حروب انهزم فيها، وجاء أنور السادات ليعتمد على الحرب الباردة
بين المعسكر السوفييتي والأمريكي، واعتمد حسني مبارك لبقائه على معاهدة السلام مع إسرائيل،
وكانت هذه هي مقومات حكم الثلاثة".
وتابع:
"ولكن السيسي ليس لديه مقومات حقيقية غير فكرة الفوضى التي ضربت البلاد، ولحاجة
الناس إلى الاستقرار صبروا عليه، ولكن لم يكن لديه فكرة كيف يدير الدولة، واستدان لعمل إنجازات، فأضر مصر أكثر مما أضرت روسيا وأوكرانيا اللتان تخوضان حربا منذ 6 أشهر".
وأشار
إلى أنه "ارتكب أخطاء كثيرة وورط البلد اقتصاديا بكوارث لا هروب منها، والجهة
الوحيدة هي صندوق النقد التي قد تعطي علامة ثقة للاقتصاد، ولكن الصندوق يدرك أنه لو
حصل على القرض الجديد فإنه سيطلب العام القادم قرضا آخر".
ولفت
إلى مقولة أن "مصر أكبر من أن تفشل"، موضحا أن "ذلك ليس مع السيسي،
الذي راهن على تكرار سيناريو حرب (تحرير الكويت)، فحينما شارك بها مبارك شطب (نادي
باريس) ديونه، لكن النادي اشترط تغيير النظام سبب الإفلاس، ولكن حفاظ مبارك على معاهدة
السلام مع إسرائيل، أنقذه".
ويعتقد
قاسم، أن "هذا لن يتكرر مع السيسي، لأن انتقال المنطقة العربية للتطبيع أكل من
رصيد ودور مصر السيسي، الذي لن يتعدى دوره طلب التهدئة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل،
وليس له قيمة إلا بهذا".
في نهاية
حديثه أكد أن "الشروط الموضوعة من الصندوق ليس هدفها الإطاحة بالسيسي، ولكنها
كفيلة بالإطاحة به، خاصة أن منها إبعاد الجيش عن الاقتصاد، وتعويم الجنيه، وكلاهما
لهما تأثير مضر على مستقبل السيسي".
"ابن
النظام"
وفي
رؤيته، قال الباحث والكاتب المصري محمد فخري، لـ"عربي21"، إن "الغريب
في حديث أديب هو تساؤله عن آفة الحكّام العرب، وكيف، ولماذا لا ينتقل الحكم سلميا دون
تكاليف مالية أو بشرية؟".
فخري،
أعرب عن استغرابه أن "يأتي هذا التساؤل من شخص قضى حياته في ظل قصور الحكام العرب
ورجالهم؛ وهو الذي عمل كأخصائي تجميل لحاكم سابق انتهى حكمه بثورة (مبارك)، واستعان
به حاكم حالي كساعي بريد ومندوب لطلب المعونة من دول الخليج (السيسي)".
وأضاف
أن "تأتي منه تلك المقالة فلا لشيء إلا أنه أراد أن يبقى على سطح الأحداث، ومحل
الاهتمام، معلنا طلب الخدمة، وخاصة أن كثيرا من الأسباب التي ذكرها تصب بخانة أن الحاكم
لا يحسن اختيار من يعتمد عليهم؛ وكأنه يقدم نفسه كمساعد يمكن الاستفادة منه في دائرة
الحكم".
ويرى
فخري، أن "ما يقوله أديب هو قراءة للمشهد، وليس نتيجة معلومات، سوى ما حُمل به
من قبل عبر رسالته في مقال (طلب دعم الخليج)، ومفادها أن الدولة أفلست إن لم يتم إمدادها
سريعا بمليارات الخليج".
ويعتقد
أيضا، أن "النظام نفسه يتفهم الفرق جيدا بين مقال أديب، ومقال أحمد طنطاوي، ولا
يمكن أن يضع الأول في نفس الخانة مع الثاني، فالنظام يتفهم الفرق بين المعارضة الحقيقية
وبين تدافع رجال القصر لتقديم الخدمة".
ومن
ملاحظاته في مقال أديب، لفت فخري إلى أن "كل الأسباب المذكورة بالمقال لا يوجد
منها سبب واحد يتحدث عن الديمقراطية، والتداول السلمي للسلطة، ورأي الجماهير، وحق الشعب
في اختيار حاكمه، ولا يتضمن تغيير من على رأس الحكم".
وتابع:
"وكأن أديب يدور في فلك الدكتاتورية ويتحدث من داخل القصر عن كيفية إدارة الحكم
بشكل هادئ وغير هادر".
وختم
متسائلا: "هل الأمر وقراءة المشهد القادم وحدوث الاضطرابات الاجتماعية نتيجة الفقر
والإفقار الشديد يحتاج لأديب لإقراره، بالعكس الهاجع والناجع وكل من يعيش بمصر يرى
أن الأحداث تدور بسرعة كبيرة باتجاه الهاوية الاقتصادية والسياسية".
"معلومات
مؤكدة"
الكاتب
والمعارض والسياسي المصري حسن حسين، يرى أن "مقال أديب يحمل الكثير من الدلالات،
منها تنبيه وتحذير للنظام الذي يخدمه حرصا عليه، وخوفا من أن يسقط فيسقط هو أيضا وطبقته
وبقية العملاء".
حسين،
في حديثه لـ"عربي21"، قطع بأن "كل الأسباب الـ14 التي ذكرها أديب، تنطبق
على كل الأنظمة الحاكمة في مصر منذ 1970 وحتى الآن"، بحسب رؤيته.
ويعتقد
أن لدى أديب، "معلومات مؤكدة... كما أن التحليل الموضوعي كفيل
بالوصول إلى نفس النتائج حتى لو غابت المعلومات".
وعن
ما يجري في مصر من أزمات وهل هي مقدمة لإضرابات اجتماعية مدمرة وفق قول أديب، قال حسين
إن "الوضع الجماهيري بمصر عبر التاريخ مرشح دائما للانفجار ولديه أسبابه الموضوعية".
وختم
مستدركا: "لكن في غياب طليعة سياسية واعية وحركة وطنية جبهوية صلبة وقوية تتأخر
تلك الانتفاضات؛ وإذا حدثت فهي لا تفضي لشيء إيجابي، لغياب الرؤية والانضباط".