ملفات وتقارير

لماذا لم يحرك قضاء العراق ساكنا إزاء "التسريبات"؟

القضاء العراقي- موقعه

على نحو متسارع، تتوالى التسريبات الصوتية ومقاطع الفيديو بالخروج إلى العلن في العراق، لتكشف وجها آخر لبعض القوى والشخصيات السياسية.

ورغم كل ما يخرج إلى العلن من تلك المقاطع والجدل الذي تثيره في الأوساط السياسية والشعبية، فإن القضاء لا يزال يلتزم الصمت في أحيان كثيرة، أو الاكتفاء بفتح تحقيق دون إعلان نتائج، الأمر الذي أثار تساؤلات عدة حول أسباب ذلك، وتداعياته على الواقع العراقي.

مسؤولية قانونية

وتعليقا على موقف القضاء من تلك التسريبات وما تحمله من تفاصيل يصفها مراقبون بالخطيرة، قال الخبير القانوني العراقي أمير الدعمي، لـ"عربي21" إنه "يفترض الآن ومن واجبات الادعاء العام تحريك الشكوى الجزائية تجاه من يظهر في المقاطع المسربة".

وأضاف الدعمي: "بحسب علمي فإن هناك تحريك شكوى جزائية بخصوص تسريبات المالكي (رئيس الوزراء العراقي الأسبق)، ووصلت إلى محكمة تحقيق الكرخ في بغداد، لكننا لا نعرف كيف سار القضاء بالدعوى، وهل جرى التحقيق بالتسريبات أم لا؟".

وتابع: "ننتظر أيضا تحرك القضاء بخصوص تسريبات وزير الصناعة السابق، لأن هذا يدخل في باب الخيانة العظمى والحنث باليمين وتصل عقوبة ذلك إلى الإعدام، بالتوافق مع مواد الاشتراك 47، 48، 49".

وأكد الدعمي أنه "حتى وإن كانت تلك التسريبات قد جاءت في سياق المناكفات السياسية، فإني أنظر إليها من منظور قانوني، وأن القضاء هو المسؤول الآن عن مثل هذه التسريبات، لأنها تمس الأمن القومي العراقي، وبالتالي فيجب أن يكون هناك تحرك".

وأعرب الخبير القانوني عن اعتقاده بأن "الجميع يترقب إجراءات القضاء باتجاه أن تكون هناك إجراءات قضائية تجاه التسريبات التي تحصل، وكذلك لا بد من معرفة أين وصلت القضية المتعلقة بالتسريبات المنسوبة للمالكي".

وشدد على أن "الادعاء العام يعتبر جهاز الدولة ومن واجباته وفقا للمادة الثانية والخامسة من القانون رقم 79، حماية أمن الدولة والمال العام، بالتالي فإن ما يتسرب اليوم هو من مسؤولية القضاء والادعاء العام بالذات في تحريك الدعاوى، لكن من الممكن لأي مواطن أن يقيم الشكوى لاعتبار أن الأمر يمس الأمن القومي العراقي".

"شراء الوقت"

من جهته، قال المحلل السياسي العراقي غانم العابد لـ"عربي21" إن "العراق يشهد حاليا حرب تسريب ملفات حقيقية بين الطرفين السياسيين المتصارعين، وهما الإطار التنسيقي والتيار الصدري، وأعتقد أن الأيام المقبلة ستشهد تسريبات أكبر".

وتوقع العابد أن "تظهر تسريبات مستقبلا تتعلق بأعمال إبادة جماعية حدثت أثناء الحرب ضد تنظيم الدولة منذ عام 2014 وحتى 2017، وكذلك هروب قيادات القاعدة من سجن أبو غريب، وما يتعلق بأسرار سقوط مدينة الموصل التي لا تزال غامضة للرأي العام العراقي".

وتابع: "نتيجة للانسداد السياسي الحاصل والمشاكل الكبيرة، فإن القضاء حاليا في موقف عليه الكثير من الملاحظات من ناحية عدم التحرك إزاء التسريبات.. فمثلا تسريبات نوري المالكي مضى عليها أكثر من شهر والشارع العراقي لم يتلمس أي نتيجة".

ورأى العابد أن "محاولة القضاء شراء الوقت لن تنفع، لأن الرأي العام العراقي سيضعه بمثابة طرف سياسي وليس قضائيا، لذلك فإنه يفترض بالادعاء العام سرعة التحرك والتحقيق وإعلان النتائج، وليس محاولة تبرير هذا الموقف بأنه قد يزيد من الانسداد والانغلاق السياسي".

ولفت إلى أنه "في ظل استخدام الإطار التنسيقي أو التيار الصدري ورقة الشارع، فإن هناك ورقة تشرين وعددها أضعاف الطرفين، وإذا بقي الوضع على حاله وظهرت الكثير من الكوارث في التسريبات تتعلق بالسلم الأهلي والفساد، وبقي الادعاء العام على وضعه، فإنها ستكون إحدى محفزات الشارع للعودة إلى التظاهر".

وتابع: "لكن في هذه المرة وعطفا على ما حصل عام 2019 من مقتل نحو 800 متظاهر وإصابة أكثر من 30 ألف آخرين، لا أعتقد أن المظاهرات المتوقعة ستكون بذات السلمية التي كانت عليها آنذاك، وإذا ما خرجت فإنها ستنهي هذا النظام السياسي بالكامل، الذي أصبح حاليا آيلا للسقوط".

 

اقرأ أيضا: تسريب جديد بالعراق: وزير يقسم بالولاء لرئيس حزبه (شاهد)

تسريبات خطيرة

آخر تلك التسريبات، ما نشره الإعلام العراقي المقيم في الولايات المتحدة علي فاضل، الجمعة، عن وزير الصناعة السابق صالح عبد الله الجبوري، وهو يؤدي القسم بأن يكون ولاءه المطلق لرئيس حزبه النائب أحمد الجبوري (أبي مازن)، وتنفيذ توجيهاته حرفيا بإدارة الوزارة.

وتوعد علي فاضل خلال مقابلة مع قناة "الشرقية" العراقية، السبت، بنشر المزيد من مقاطع الفيديو سواء المتعلقة بالنائب أحمد الجبوري، أو غيره من الشخصيات السياسية، التي قال إنه يمتلك مقاطع فيديو ووثائق تدينها بممارسات غير أخلاقية وأخرى تتعلق بالفساد، والتحريض على القتل.

وعن هذا المقطع تحديدا، قال مجلس القضاء الأعلى، الأحد، إن "محكمة تحقيق الكرخ الثانية قررت اتخاذ الإجراءات القانونية بحق وزير الصناعة السابق صالح عبدالله الجبوري، للتحقيق معه في ما ورد في التسجيل الذي يظهر فيه وهو يؤدي اليمين للعمل لمصلحة جهة سياسية".

في الأسبوع الماضي، نشرت منصات قريبة من التيار الصدري، منها قناة "الجدار نيوز" على "تليغرام"، مقطعا مصورا لرئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض يظهر في لقاء سابق مع زعيم التيار مقتدى الصدر (لم يعرف تاريخه)، يتحدث عن "شرعية قتل المعتقلين السنة في العقيدة الشيعية".

وكذلك نشرت المنصات ذاتها مقاطع فيديو لإعدامات جماعية قالت إن مليشيات كتائب حزب الله نفذتها بحق مدنيين من السُنة في عام 2015 بعد اختطافهم، ونشرت أيضا مقاطع لتفكيك مصفاة بيجي النفطية في محافظة صلاح الدين على يد عناصر مليشيا "عصائب أهل الحق".

وقبل نحو شهر نشر الإعلامي العراقي علي فاضل 7 تسريبات صوتية تخص رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وجه فيها شتائم إلى زعيم التيار الصدري، وكشف عن اتفاقه مع مجاميع مسلحة للهجوم ضد مقتدى الصدر في مدينة النجف، متهما إياه بالعمل ضمن مشروع بريطاني إسرائيلي.

وفي 19 تموز/ يوليو الماضي، أعلن مجلس القضاء الأعلى تلقيه طلبا للتحقيق في تسريبات منسوبة إلى المالكي، موضحا أن "محكمة تحقيق الكرخ تلقت طلبا مقدما إلى الادعاء العام لاتخاذ الإجراءات القانونية بخصوص التسريبات الصوتية المنسوبة إلى نوري المالكي، وأن المحكمة تجري حاليا التحقيق الأصولي بخصوصها وفق القانون".