حقوق وحريات

لماذا يرفض السيسي الإفراج عن 23 معتقلا بقضية "كتائب حلوان"؟

دأب النظام المصري على عدم الإفراج عن المعتقلين برغم حصول الآلاف منهم على أحكام براءة- جيتي

"مع انتظار تأشيرة الأمن الوطني فإننا يئسنا من تنفيذ أي قرار بإخلاء سبيل بحق ابني المعتقل منذ 2013"، هكذا تحدثت والدة الشاب "ب. ش"، لـ"عربي21"، عن حالته بعد انتهاء فترة محكوميته، وقضائه 8 سنوات في محبسه هو ووالده، على خلفية معارضتهما للانقلاب العسكري في مصر في 3 تموز/ يوليو 2013.


وعلى الرغم من أحكام قضائية نهائية بالبراءة لمئات المعتقلين المصريين وانتهاء محكوميات الآلاف منهم؛ إلا أن النظام الحاكم وأجهزته الأمنية يرفضون الإفراج عنهم ويتركونهم بالزنازين يواجهون الموت مع اليأس، ما يجعل أحكام البراءة منعدمة بل إنها تصبح قرارات يعاقب على أثرها المعتقلون، وفق حقوقيين.


"قرار أمني"


وبينما هي تحمل أحمالا ثقيلة ما بين ملابس وأدوات وخردوات دراسية تتاجر بها لتعول أسرتها، بعد اعتقال زوجها وابنها قبل 8 أعوام، فإنها تقول إنه "بالفعل جرى ترحيل ابني من سجن جمصة، ونقله إلى مركز الشرطة، الذي وضعه في الثلاجة (مكان المخلي سبيلهم)، وانتظرنا عدة أسابيع خبر خروجه دون جدوى". 


وأكدت أنه "جرى تدويره في قضية أخرى برغم أنه كان محبوسا لديهم"، مشيرة إلى أن "تحريات الأمن الوطني هي التي تمنع الإفراج عنه، لتحرمنا من حلم لمسه مجددا، وتعويضه عن سنوات السجن بخطبة فتاة يبدأ معها حياته". 


ومن أشهر الأسماء الذين حصلوا على قرارات إخلاء سبيل أو انتهت فترة حبسهم احتياطيا أو فترة محكوميتهم وجرى تدويرهم: الحقوقي إبراهيم متولي، والسياسي محمد القصاص، والدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، والمدون إسلام رفاعي، وعلا القرضاوي، وعبير الفتي.. وغيرهم وفقا لتقرير "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" في شباط/ فبراير 2020. 


وفي كانون الثاني/ يناير 2021، قدرت منظمة العفو الدولية عدد المعتقلين والمسجونين بمصر بنحو 114 ألف سجين، وحتى آذار/ مارس 2021، فيما أكدت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، أن عدد السجناء والمحبوسين احتياطيا والمحتجزين 120 ألفا. 


 وأوضحت أن منهم 65 ألف سجين ومحبوس سياسي، مبينة أن عدد المحبوسين احتياطيا يبلغ نحو 37 ألفا، ويصل عدد المحكوم عليهم إلى نحو 82 ألف سجين.


"آخر الضحايا"


أحد المسؤولين من قيادات الصف الثاني من جماعة الإخوان المسلمين عن ملف المعتقلين، رصد في حديثه لـ"عربي21"، أعداد نحو 30 معتقلا من قرى المركز الذي يعيش فيه في دلتا مصر، موضحا أنهم يفاجأون بخبر من المحامين بأن أحد المعتقلين سيخرج ويظل الأهالي ينظرون بلا فائدة. 


وأكد أنه "في قرية واحدة حصل 7 معتقلين على أحكام براءة وأنهى بعضهم فترة العقوبة إلا أن الأمن الوطني يرفض تنفيذ قرار إخلاء السبيل ويواصل اعتقالهم وسجنهم في قضايا أخرى وسجون غير التي كانوا فيها". 


وتحدث عن حالة واحدة للشيخ والداعية (ع. غ)، المرشح السابق لمجلس الشوري المصري عام 2010، موضحا أنه"توفي اليوم السبت، بعد معاناة من المرض العقلي نتيجة التعذيب بسجن العزولي بالسويس، ونتيجة عدم تنفيذ قرارات إخلاء سبيله واعتقاله مرة تلو الأخرى".

وأشار إلى أنه "نتيجة التعذيب الشديد فقد الشيخ عقله واتزانه، وأنه رغم إخلاء سبيله لعدة أشهر فقد قامت السلطات الأمنية باعتقاله مجددا وتعذيبه ثانية، حتى تأكدوا من فقدانه وعيه، فأطلقوا سراحه دون إبلاغ أسرته وتركوه يتوه بين القرى حتى وصل بمساعدة الأهالي".


وأشار المسؤول بجماعة الإخوان، إلى أنه "في بداية إعلان السيسي عن تفعيل لجنة العفو الرئاسي (نيسان/ أبريل الماضي) تفاءل الأهالي؛ ولكن مع عدم إخلاء سبيل إلا المعروفين إعلاميا من المعتقلين واستمرار قرارات الأمن بعدم إخلاء السبيل، فإن الأهالي فقدوا حلمهم هذا".


وختم بالقول: "قد يكون مفهوما قرار السلطات بعدم إخلاء سبيل ناشط أو معتقل مشهور بأنه خوف من دوره في الشارع في ظل الظروف الصعبة الحالية، ولكن غير المفهوم هو عدم إخلاء معتقلين عاديين لم تسجل لهم أية أنشطة سياسية سابقة".

 

ودأبت السلطات المصرية على تلك الممارسة منذ 2016 وحتى 2018، ثم توسعت فيها تدريجياً لتصل إلى ذروتها في 2020، ولا تزال مستمرة رغم المطالبات المتكررة من المنظمات الحقوقية بإخلاء سبيل المتهمين، بحسب "معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط".


ورغم صعوبة الرصد، وقلة الحالات الموثقة بالمقارنة بالواقع الفعلي، فإنه في الفترة من كانون الثاني/ يناير 2018 وحتى 15 آذار/ مارس 2021 تم رصد 941 واقعة تدوير تعرض لها 774 معتقلا، وفق "مركز شفافية للأبحاث والأرشفة والتوثيق".


"23 معتقلا"


وفي أحدث الجرائم بهذا الملف، وتحت عنوان "الاستهزاء بالعدالة"، كشفت "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان"، لـ"عربي21"، أنه بعد مرور شهر من حكم قضائي ببراءة 23 من معتقلي القضية المعروفة إعلاميا باسم "كتائب حلوان" فما زالت السلطات الأمنية تحتجزهم بسجن "العقرب".

وفي 28 حزيران/ يونيو الماضي، قضت محكمة جنايات أمن الدولة العليا طوارئ، برئاسة المستشار شيرين فهمي، بإعدام 10 معتقلين والمؤبد لـ56 والسجن 15 عاما لـ11، وبراءة 43 آخرين، بتلك القضية، والمحال فيها إلى محاكمة 215 شخصا سجنوا احتياطيا منذ العام 2014، بسجن "العقرب" شديد الحراسة.


المدير التنفيذي للشبكة المصرية لحقوق الإنسان أحمد العطار، أكد لـ"عربي21"، أن السلطات الأمنية ترفض الإفراج عن المعتقلين الـ23 وأن ذويهم تقدموا بالعديد من الشكاوى لإطلاق سراحهم وفقا للحكم القضائي، إلا أن السلطات ترفض تنفيذ الحكم، بالمخالفة للقانون.


ولفت إلى تقرير الشبكة الذي وصل "عربي21"، نسخة منه، مبينا أنه "ونظرا لعدم صدور أحكام أخرى بحق المعتقلين الـ23 أو كونهم مطلوبين للتحقيق على ذمة قضايا أخرى، فإنه كان يتوجب على مصلحة السجون المصرية فور صدور حكم المحكمة ببراءتهم ترحيلهم إلى أقرب قسم شرطة بمحيط سكنهم".


وأوضح التقرير أنه كان "يجب منذ ذلك الوقت إنهاء إجراءات إخلاء سبيلهم بعد حبسهم احتياطيا لمدة 8 سنوات لاقوا فيها كل أنواع التعذيب"، مؤكدا أن ذلك الموقف يأتي استمرارا لسياسة الاستهزاء والاستهانة بمواد الدستور والقانون وأحكام القضاء التي دأبت عليها مصلحة السجون.


وطالبت الشبكة، النائب العام المصري، ونيابة منطقة "المعادي" بالقاهرة، بالتحرك العاجل للتحقيق في مخالفة رئيس مصلحة السجون اللواء طارق مرزوق بعدم إخلاء سبيل 23 مواطنا محبوسين بغير سند من القانون.


"الإفراج استثناء"


ودأب النظام المصري على عدم الإفراج عن المعتقلين وبرغم حصول الآلاف على أحكام براءة أو انتهاء فترة محكوميتهم إلا أنه يقوم بتجميد وضعهم ويرفض الإفراج عنهم ويقوم بتدويرهم في قضايا جديدة.


وقال العطار: "خلال السنوات الماضية وثقت (الشبكة)، عشرات الحالات التي وصلنا إليها ووصلت إلينا عبر أهالي المعتقلين، ضحايا التدوير؛ وبالتاكيد هناك مئات بل آلاف الحالات لم تصلنا وتعاني من هذه الجريمة، وآخرها معتقلو قضية (كتائب حلوان)، الـ23".


الحقوقي المصري، وصف هذا الموقف بأنه "ملف استهانة بأحكام القضاء وقرارات النيابة"، مشيرا إلى أن "الذين أنهوا فترة محكوميتهم ملف مؤلم ويجب أن يتوقف، وتجب محاسبة القائمين عليه".


وبين أن "تدوير المعتقلين المفرج عنهم والذين انتهت فترات عقابهم عدم احترام لأحكام القضاء، وأصبح هو الأساس وإخلاء سبيل المعتقلين هو الاستثناء، بل إن الأمر لم يعد يتوقف على الأصحاء، بل إنه يتم تدوير المرضى بأمراض مزمنة".


"أمثلة مؤلمة"


وضرب العطار، المثل بحالة "المعتقل الشاب وحيد حسان، المصاب بالسرطان، والذي حصل على حكمين بالبراءة وحكما بإخلاء السبيل، ورغم المناشدات الحقوقية ومن ذويه وحالته المرضية المتأخرة فإنه تم تدويره منذ أسابيع بقضية جديدة، هو الآن في سجن القناطر يعاني المرض".


"وهناك حالات لمعتقلين من كبار السن"، يوضح العطار، ويؤكد أن "هذا جزء بسيط يعبر عن الواقع المؤلم"، مبينا أن "عمليات التدوير تتم بمنهجية من قبل السلطات".


آخر الحالات التي رصدتها قبل أيام الشبكة الحقوقية التي تعمل من لندن، وفق العطار، "حالة المعتقل شحاتة عبدالعظيم (63 عاما) والذي مات بمحبسه بالمركز الطبي بسجن (وادي النطرون)، نتيجة مرضه بالفشل الكلوي".

 

اقرأ أيضا: ماكرون يستقبل السيسي وسط قلق ومخاوف الناشطين الحقوقيين

وبين أن "المعتقل مات في محبسه مريضا برغم حصوله على قرار بإخلاء سبيله من نيابة أسوان (جنوبا)، وإنهاء إجراءات إخلاء سبيله ورقيا، دون أن يتم فعليا، بل وإخفائه قسريا 4 أشهر، وتدويره بقضية جديدة لتتزايد معاناته مع الانتهاكات الجديدة وتنتهي بالوفاة".  


العطار أعرب عن أسفه، لما "دأبت السلطات الأمنية عليه بعدم احترام أحكام القضاء وقرارات النيابة العامة، وهو ما جعل المدافع عن حقوق الإنسان الدكتور أحمد عبدالستار عماشة، والمعتقل للمرة الثانية حاليا بسجن (العقرب شديد 2) يطلب من قاضيه عدم إخلاء سبيله خوفا من الإخفاء القسري والتعذيب والتدوير".


وفي 20 تموز/ يوليو 2019، وأثناء نظر محكمة جنايات القاهرة في أمر تجديد حبس عماشة، قال للمستشار شعبان الشامي: "أطالب المحكمة بعدم إخلاء سبيلي نظرا لما يحدث بعده من اختفاء قسري وتدوير بقضايا جديدة". 


ولفت العطار، إلى شهادة المعتقل الشاب إبراهيم حسن، عن عماشة، وتأكيده أنه "كان في زنزانة بجواري، ورغم حصوله على قرار بإخلاء سبيله إلا أنه اختفى من قسم الشرطة أثناء إنهاء الإجراءات، ولم يعثر عليه أهله إلا جثة هامدة".