قضايا وآراء

عامٌ على هبة فلسطينيي 48.. ومحاولات الاحتلال لخنقها مستمرة

1300x600

شكلت الهبة الفلسطينية الشاملة أبرز تطورات المقاومة في عام 2021، وعلى الرغم من مرور عام كامل على هذه الهبة إلا أن امتداد المواجهات في مختلف المناطق الفلسطينية، وتصاعد العمليات الفردية في بداية عام 2022، تؤكد أن الهبة الشاملة حالة قادرة على التجدد، على الرغم من محاولات الاحتلال خنق أي هبة شعبية يمكن أن تؤثر في قدراته الأمنية، خاصة أن الهبة الفلسطينية واندلاع معركة "سيف القدس" أشغلت الاحتلال في عددٍ من الساحات.

وإلى جانب الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، امتدت الهبة الفلسطينية إلى المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948، وهو تطور دفع الاحتلال نحو المزيد من الارتباك. وإضافةً إلى الظروف الموضوعية التي أشعلت الهبة الفلسطينية انطلاقاً من الاعتداء على المسجد الأقصى وعلى أهالي حي الشيخ جراح، يعاني الفلسطينيون في المناطق المحتلة عام 48 من سياسات الاحتلال العنصرية، والتفلت الأمني، وانتشار الجريمة بتواطؤ من شرطة الاحتلال، وصولاً إلى سَنّ "قانون القومية" في عام 2018، والتحريض المستمر على الفلسطينيين في الداخل المحتل، وملاحقة قياداتهم السياسية والدينية والمجتمعية.

هبةٌ أشعلت حلم التحرير

شهدت المناطق المحتلة عام 1948 حراكاً جماهيرياً كبيراً، ففي 11 أيار/ مايو 2021 شهدت مدن عديدة في الداخل الفلسطيني المحتل وبلداته مظاهرات نصرة للقدس وفلسطين. وبحسب وسائل إعلام محلية عمت المظاهرات مدن اللد وأم الفحم وسخنين وحيفا والناصرة ورهط والطيبة ودير الأسد وطمرة وباقة الغربية ومجد الكروم ويافا، وكفر قرع وعرعرة والمشهد، إضافةً إلى بلدات أخرى. وفي اليوم نفسه أعلن رئيس بلدية الاحتلال في اللد أن سلطات الاحتلال فقدت السيطرة على المدينة، ووصف ما يجري في شوارع المدينة بأنه "حرب أهلية بين العرب واليهود"، مطالباً رئيس وزراء الاحتلال بإدخال الجيش لاستعادة السيطرة.

وأدت الهبة في الداخل الفلسطيني إلى مقتل عددٍ من المستوطنين وإصابتهم، من بينهم مقتل المدير السابق لوكالة الفضاء الإسرائيلية "آفي إيفن" في عملية استهدفت فندقاً في مدينة عكا، وإصابة مستوطن بجراح خطيرة خلال مواجهات في المدينة. وفي حيفا أصيب مستوطن بعملية دهس، وأدت المواجهات في مدينة اللد إلى إصابة عدد من المستوطنين وجنود الاحتلال. وشهدت مدينة يافا استهداف بيوت المستوطنين بالزجاجات الحارقة.

القمع سلاح الاحتلال الوحيد

عملت سلطات الاحتلال على إيقاف هبة الداخل الفلسطيني المحتل، واستخدمت أذرع الاحتلال الأمنية العنف لقمع الفلسطينيين، وهذا ما أدى إلى استشهاد شابين أحدهما في اللد برصاص مستوطن، والآخر في بلدة أم الفحم برصاص شرطة الاحتلال، ووسعت سلطات الاحتلال صلاحيات الشرطة، ومكنت الأخيرة من فرض حظر التجول، وإغلاق بلدات فلسطينية في الداخل، إضافةً إلى استدعاء قوات حرس الحدود من الضفة الغربية إلى البلدات الفلسطينية في الداخل، وتنفيذ عمليات اعتقال مكثفة، إذ بلغ عدد المعتقلين من الداخل الفلسطيني إبان الهبة الفلسطينية أكثر من 1500 فلسطيني.

وأكدت الهبّة الشعبية الفلسطينية انتماء أبناء الداخل المحتل إلى قضايا فلسطين، ووحدة الشعب الفلسطيني، وأنهم قادرون على المشاركة في النضال الفلسطيني والوقوف في وجه مخططات التهويد. وأشار متخصصون في الشأن الفلسطيني إلى أن قضية القدس هي الرابط الأساسي لكل الفلسطينيين، بما تحمله من رمزية سياسية ودينية، إلى جانب أن العديد من سياسات الاحتلال للتهويد الديموغرافي تتشابه ما بين القدس والأراضي المحتلة عام 1948، على غرار الاستيطان وإخلاء منازلهم قسراً، والتضييق عليهم مكانياً، وإغراقهم في الجريمة والعنف.

ومما يؤكد عمق ما حققته الهبة الفلسطينية في الداخل المحتل، استمرار الخوف الإسرائيلي من تجددها، بالتزامن مع أي حربٍ قادمة. ففي منتصف شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، أجرت صحيفة "معاريف" لقاء صحفياً مع قائد قسم التخطيط والعمليات اللوجستية في جيش الاحتلال الجنرال إيتسيك ترجمان، وكشفت المقابلة أن سلطات الاحتلال الأمنية أعدت خططاً أمنية بناء على الهبة الفلسطينية التي اندلعت في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 48.

وتركز الخطة على "تحصين الجبهة الداخلية"، عبر حشد قوات الاحتياط، ونشرها في المدن والقرى الفلسطينية في أراضي الـ48، وتزويدها بأدوات تفريق المظاهرات مثل القنابل المسيلة للدموع والهراوات وسيارات رش المياه العادمة وغيرها، إضافةً إلى تجنّب قوات الاحتلال نقل أي قواتٍ عسكرية وعتادٍ حربي من الطرق التي تحيطها البلدات الفلسطينية، على غرار طريق وادي عارة الذي تقع على جانبيه بلدات فلسطينية، تحسباً لعرقلة سير هذه القوات، مع تأكيد إعداد قوات خاصة لتأمينها.

ولم تكتف سلطات الاحتلال الأمنية بهذه القرارات، ففي بداية شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 نفذ جيش الاحتلال مناورات عسكرية في العديد من القرى والمدن الفلسطينية في الجليل والمثلث والنقب، وشملت استدعاء قوات احتياط عبر مكالمات هاتفية ورسائل نصية. وقد هدفت هذه المناورات إلى فحص جاهزية قوات الاحتياط وتحسينها، مع التركيز على عملية الاستدعاء عند الضرورة.

هل تتجدد الهبة؟

وعلى الرغم مما يمكن وصفه بأنه أثمان بالغة دفعها فلسطينيو المناطق المحتلة عام 1948، جراء استخدام قوات الاحتلال العنف المفرط بحقهم، إلا أن انخراطهم في الهبة الفلسطينية أعاد خلط الأوراق، وسيدفع الاحتلال إلى تجنب مشاركتهم في أي هبات قادمة، في سياق محاولة الأخير تقليل ساحات إشغال قواته، خاصة أن المناطق الفلسطينية المحتلة التي ما زالت تحتوي وجوداً فلسطينياً كبيراً شهدت إبان الهبة الفلسطينية مظاهر أشبه ما تكون بلحظات التحرير.

وفي مقابل محاولات الاحتلال منع إعادة مشاركة الفلسطينيين في أي هبة قادمة، ما زالت الظروف الموضوعية التي أشعلت الهبة في العام الماضي ماثلة بكل ما فيها، وهي ظروف تفاقمت مع القمع العنيف الذي تعرض له الفلسطينيون في الأراضي المحتلة عام 48، وهذا ما يؤشر إلى إمكانية مشاركة الفلسطينيين في أي هبة قادمة، خاصة عودة دورهم الريادي في دعم الرباط في المسجد الأقصى، بما يدفع نحو صورة أكثر شمولية لمواجهة الاحتلال واعتداءاته، تنطلق من الرباط في المسجد الأقصى، وتصل إلى البلدات والقرى الفلسطينية في الأراضي المحتلة.