سياسة دولية

دلالات تزويد أمريكا مصر بطائرات إف-15 تزامنا مع حرب أوكرانيا

جاءت هذه الصفقة على الرغم من وجود هواجس لدى واشنطن بخصوص حقوق الإنسان بمصر - جيتي

عبرت الولايات المتحدة عن عزمها بيع مقاتلات "إف-15" لمصر، على الرغم من وجود هواجس لدى واشنطن على صلة بسجل القاهرة على صعيد حقوق الإنسان.

 

وأعلن قائد القيادة المركزية الأمريكية بالشرق الأوسط الجنرال كينيث ماكينزي، الثلاثاء، 15 آذار/ مارس الجاري، أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، أنه سيتم تزويد مصر بالطائرة الحربية " F-15".

 

"أهمية المقاتلة"

 

الخبر غير المتوقع، وفق تعبير موقع "defense-arabic"، لم يكشف فيه ماكنزي أي تفاصيل حول عدد الطائرات وقيمة الصفقة وتوقيت تنفيذها، كما أنه لم تخطر وزارة الخارجية الأمريكية الكونجرس بعد بالصفقة.

 

وبحسب الموقع المتخصص بشؤون الدفاع والتسليح، إذا تمت الصفقة، فستصبح مصر ثاني دولة بالشرق الأوسط تجمع بين "F-16" و"F-15"بعد الاحتلال الإسرائيلي، وأول دولة تشغل المقاتلتين الأمريكتين بجانب "رافال" الفرنسية، و"ميغ-29" الروسية.

 

و"F-15" التي تحصل عليها القاهرة للمرة الأولى وبعد مفاوضات طويلة، بحسب تعبير الجنرال الأمريكي، تنتجها شركة "بوينغ"، وتعد إحدى أقوى المقاتلات الحربية بالعالم، ويطلق عليها مسمى "مقاتلات السيادة الجوية"، لذا اعتبرها مراقبون إضافة كبيرة للجيش المصري.

 

وتأتي الصفقة وسط سيل من الاعتراضات داخل الكونغرس الأمريكي على سياسة واشنطن ببيع نظام قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي الأسلحة والمعونات والدعم، وسط انتقادات متواصلة لملفه في حقوق الإنسان بحق المصريين.

 

ووفق موقع "بوليتيكو" الأمريكي، فإن مجلس الشيوخ الأمريكي شهد نقاشا رافضا الأسبوع الماضي لبيع واشنطن 12 طائرة شحن من طراز "C-130J"، للقاهرة بقيمة 2.2 مليار دولار.

 

وفي تناقض مريب، قررت إدارة الرئيس جو بايدن، في كانون الثاني/ يناير الماضي، بيع أجهزة رادار للدفاع الجوي، وطائرات طراز "سي-130" للقاهرة بـ2.5 مليار دولار، وذلك بعد إعلان مسؤولين أمريكيين توجه البيت الأبيض لحجب 130 مليون دولار من المعونة لمصر.

 

وتأتي صفقة "F15" لمصر بعد ضغوط واشنطن على القاهرة لوقف صفقة طائرات "سوخوى 35" الروسية، التي سعت لها مصر بقيمة 2 مليار دولار للخط، كأول عميل في الشرق الأوسط والثاني عالميا بعد الصين، وفق مجلة "Forbes" الأمريكية.

 

وبالرغم من أن نظام السيسي اعتمد على تنويع مصادر السلاح، وجعل من موسكو قبلته بالسنوات السابقة في شراء أنظمة الدفاع الجوي والرادارات والمقاتلات والمروحيات، إلا أنه يتخوف من عقوبات أمريكية وفقا لقانون (CAATSA) حال إتمام صفقة "سوخوي 35".

 

لكن ومع ذلك، فإن صفقة "F15" تأتي في وقت تشهد فيه العلاقات المصرية الأمريكية فتورا، وتحتاج فيه واشنطن إلى دعم القاهرة كحليف تاريخي بمواجهة الدب الروسي الذي يخوض حربا في أوكرانيا منذ 24 شباط/ فبراير الماضي.

 

وفي المقابل، وبرغم تصويت القاهرة في الأمم المتحدة بإدانة العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا 2 آذار/ مارس الجاري، إلا أنه بدا لافتا اتصال السيسي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، 9 آذار/ مارس الجاري، وذلك بالتزامن مع توجهات الإمارات، والسعودية التي زارها السيسي مؤخرا والتقى ملكها سلمان بن عبدالعزيز، نحو دعم الدب الروسي، وعدم الانصياع لمطالب أمريكا وأوروبا بزيادة إنتاج النفط والغاز لتعويض الصادرات الروسية بعد توقفها واشتعال أسعار الطاقة عالميا.

 

"أدوات في الصراع"

 

وفي تحليله للصفقة ورؤيته لدلالات توقيت موافقة أمريكا على بيع طائرات "F- 15" لمصر، قال السياسي المصري عمرو عادل، إن "القوى الكبرى تتعامل مع النظم السياسية بالمنطقة كأدوات في الصراع".

 

رئيس المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري، أضاف في حديثه لـ"عربي21": "وكذلك بعد بداية الحرب في أوكرانيا، والتوتر الكبير في شرق أوروبا، ومع وضوح الصورة أن صراعا لن ينتهي سريعا بين روسيا والغرب".

 

ولفت إلى أن "إحدى المناطق المرشحة لتكون مسرحا للصراع هي منطقة الشرق الأوسط"، مشيرا إلى أن "الروس لهم تواجد وامتداد داخل الإقليم، وكذلك الأمريكان".

 

وفي إجابته عن التساؤل: هل تحاول واشنطن إرضاء القاهرة بعد قطع جزء من المعونات، وتسعى لقطع خطوط الاتصال بينها وبين روسيا الآن؟ يعتقد عادل أن "الفترة القادمة لو استمر الصراع ستشهد محاولات من القوى المتحاربة استمالة القوى الموجودة بالمنطقة".

 

وتوقع أن يكون من بينها "مصر بالتأكيد"، مبينا أن "هذا التوجه هو المتوقع، بصرف النظر عن استمرار العمليات العسكرية". وتابع: "دعنا نؤكد أن كل الملفات، وبينها ملف حقوق الإنسان، هي أدوات للصراع ولتقوية النفوذ والضغط، والأولوية الآن لصراع ليس لحقوق المصريين أو غيرهم نصيب فيه".

 

وعن أهمية وقيمة الصفقة للحيش المصري، واحتمالات انزعاج إسرائيل منها، أكد ضابط الجيش السابق أن "فكرة التسليح المكثف الذي تقوم به مصر في المجال البحري والجوي عليه علامات استفهام كبيرة".

 

وختم موضحا أن ذلك "من حيث قدرة نظم التسليح على العمل بشكل متناغم، ومن حيث العدو، في ظل توافق استراتيجي بين مصر والكيان الصهيوني".

 

"لجم جماح السيسي"

 

وفي رؤيته، قال السياسي المصري رضا فهمي: "هناك أكثر من بعد، الأول: يشير إلى مسألة مهمة، وهي أفول النجم الأمريكي، وضعف حضور القطب الأوحد في العالم، ووهن قبضته على العديد من الأطراف حول الكرة الأرضية والشرق الأوسط خاصة".

 

أما البعد الثاني، وفق رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان المصري سابقا، في حديثه لـ"عربي21"، فهو "رسم الصورة الحقيقية لأمريكا كدولة انتهازية بامتياز، والآن هي بحاجة لحشد دولي ضد روسيا في حربها مع أوكرانيا، وسط خشيتها أن تمتد الحرب لدول أخرى على حدود أوروبا".

 

وأوضح أن البعد الثالث يتمثل بملف حقوق الإنسان، لافتا إلى أن "الإدارة الأمريكية دائما وأبدا تستخدمه لتحقيق أهدافها بالدرجة الأولى، وهي ورقة من أوراق الابتزاز لديها".

 

يرى فهمي أنه "فيما يخص النظام المصري هنا، فإن السيسي يقوم بدور أشبه في الحقيقة بدور السماسرة، وهو مع من يدفع أكثر أو مع من مصلحته المباشرة معه، وليس مصلحة البلد، وإلا لكان للأوضاع منحى آخر".

 

اقرأ أيضا: جنرال أمريكي: واشنطن تعتزم بيع مقاتلات "إف-15" لمصر
 

وأضاف: "وبالتالي فهو مع الحامي والداعم الأكبر لبقائه في حكم مصر، ولأن روسيا تلعب دورا مهما بهذا الموضوع، لذلك فقد وسع معها العلاقات في مساحة استيراد الأسلحة ومشروعات استراتيجية مثل الضبعة النووي المهولة بـ(30 مليار دولار)".

 

وأكد أنه لذلك "صنع السيسي علاقة استراتيجية مع روسيا، بعدما رأى نموذجها بسوريا، وبقاءها في ظهر حلفائها حتى النهاية، كما فعلت مع بشار الأسد الذي يتشارك والسيسي بجرائم القمع بحق شعبيهما، وهي حالة لا تعيرها روسيا اهتماما باعتبارها دولة دموية بالأساس".

 

السياسي المصري، قال إنه "وبالتالي فإن صفقة الأسلحة الأمريكية لمصر نوع من لجم أو كبت جماح السيسي تجاه روسيا، في وقت تريد أمريكا أن يُظهر للعالم كله كأنه ضد التدخل الروسي على حدود أوروبا". واستدرك: "ولكن خبرة التاريخ تقول إن الأمريكان سيحتفظون بهذا الملف، ولن ينسوا له أنه كان داعما لبوتين، بصرف النظر عن التصويت الدبلوماسي بالأمم المتحدة للقاهرة، ولكنها تقف بالصف الروسي على غير رغبة واشنطن وأوروبا".

 

وأكد فهمي، أن "مثل هذه المواقف توضع عليها علامة حمراء، ثم تستدعى عندما يحين الظرف، وظني أن الأمريكان والأوروبيين سيعاقبون السيسي وابن سلمان وكل من وقف هذا الموقف مستقبلا".

 

وختم حديثه بالقول: "ولا أحد يعرف إلى ماذا ستؤول هذه الحرب وتداعياتها، لكنها سترسم شكلا مختلفا، لا أقول خريطة جديدة بالمفهوم الجيوسياسي، ولكن شكلا مختلفا لطبيعة العلاقة بين المنظومة الدولية وبين المحاور داخل هذه المنظومة".