قضايا وآراء

الفصل العنصري في فلسطين واختلال الموازين

1300x600
تُعدّ جنوب أفريقيا من أبرز الدول المعارضة لنظام الفصل العنصري في الكيان الصهيوني؛ بسبب تعرضها له لسنوات طويلة، قبل أن يتم التخلص منه بالثورة عليه بقيادة نيلسون مانديلا الذي قضى سنوات في المعتقل من قبل نظام الفصل العنصري؛ ليصبح أول رئيس للدولة بعد خروجه من المعتقل.

ففي اللحظة التي نجد فيها جنوب أفريقيا -على كل مستويات الطبقة الحاكمة والطبقة السياسية- تعارض نظام الفصل العنصري في الكيان الصهيوني بكثير من الجدية والحماسة؛ لا نجد دولة عربية واحدة تقوم بذات الدور في ذات الإطار، بل ثمة دول عربية تؤيد كثيرا من الإجراءات الصهيونية ضد الفلسطينيين والتي تقع في دائرة الفصل العنصري بوضوح لا يحتاج إلى التأويل، وهو ما يحيل إلى الغضب والقرف وقشعريرة الضلوع.

باستثناء جنوب أفريقيا وبعض دول أمريكا اللاتينية، وبعض دول القارة السمراء، لا نجد بين دول العالم من يشير إلى قضية الفصل العنصري في فلسطين المحتلة بجدية، بل نجد الفيتو الأمريكي جاهزا دائما لقطع الطريق على إدانة الإجراءات العنصرية الإجرامية للكيان الغاصب. ولأن كثيرا من الدول تحسب ألف حساب للولايات المتحدة، فإن حالة الصمت تجاه الكيان الصهيوني هي الغالبة على المشهد الأممي الماقت؛ ذلك أن الولايات المتحدة تمسك برقاب الغالبية العظمى من الدول، وتتحكم في اقتصادها بما يجعلها غير قادرة على اتخاذ مواقف تتسم بالمصداقية؛ لتظل القضية الفلسطينية الأكثر تعرضا للظلم العالمي، وقهر الفيتو الأمريكي.

ويتابع عدد من منظمات حقوق الإنسان الدولية الأعمال العدائية للكيان الصهيوني تجاه الفلسطينيين سواء من يعيشون داخل الخط الأخضر أو خارجه، وعلى رأس هذه المنظمات (هيومن رايتس ووتش) التي أكدت بأن حكومة الكيان الصهيوني تضمر نيتها في الإبقاء على الهيمنة الصهيونية على الفلسطينيين في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما أكدت منظمة "ييش دين" اليهودية على هذا الاستنتاج فيما يتعلق بالضفة الغربية، على وجه التحديد. وترى منظمة "بتسليم"، اليهودية أيضا، بأن حكومة الكيان المحتل تعمل على إدامة نظام الفصل العنصري ضد الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة والذين يعيشون داخل حدودها. هذا بالإضافة إلى عشرات المنظمات العاملة في نطاق المجتمع المدني العالمي.

أما على صعيد الأمم المتحدة فهناك منظمة العفو الدولية، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والاتفاقية الدولية لتجريم الفصل العنصري، وقد أجمعت كلها على تجريم الكيان الصهيوني في العمليات الممنهجة للفصل العنصري تجاه الفلسطينيين، ودانت هذه الأعمال عديد مرات، لكن الكيان الصهيوني لا يولي كبير اهتمام -ظاهريا- تجاه هذه التقارير، إلا أنه يحاول بشكل مستمر التقليل من شأنها ومحاولة التغطية عليها من خلال اللجوء إلى الدول الصديقة كالولايات المتحدة وبعض دول أوروبا، وبدلا من أن تتم إدانة الكيان وإجراءاته القمعية، تتم إدانة حركة حماس واتهامها بالإرهاب من قبل الحكومة البريطانية بعد تصويت مجلس العموم.

إن المعضلة الكبرى تقع على عاتق نظام الأمم المتحدة الظالم، حيث تختفي القرارات وتصبح بلا قيمة مع أي نقض بالفيتو الأمريكي أو البريطاني أو الفرنسي، أو كلها مجتمعة لصالح الكيان الصهيوني في كل إدانة يمكن أن تؤثر على حكوماتها المتعاقبة، منذ أن فرض الكيان الغاصب نفسه على أرض فلسطين التاريخية حتى اليوم.
مع خفوت الصوت العربي في الأمم المتحدة فيما يتعلق بفلسطين والفلسطينيين صارت مهمة الفلسطينيين أكثر صعوبة من ذي قبل، لكن يلاحظ أن الأصوات العالمية بدأت تغير نبرتها تجاه الكيان الصهيوني لصالح الفلسطينيين، تزامنا مع تخلي كثير من الدول العربية عن القضية، بعد توقيعها على اتفاقيات التطبيع المهينة مع الكيان الصهيوني

ومع خفوت الصوت العربي في الأمم المتحدة فيما يتعلق بفلسطين والفلسطينيين صارت مهمة الفلسطينيين أكثر صعوبة من ذي قبل، لكن يلاحظ أن الأصوات العالمية بدأت تغير نبرتها تجاه الكيان الصهيوني لصالح الفلسطينيين، تزامنا مع تخلي كثير من الدول العربية عن القضية، بعد توقيعها على اتفاقيات التطبيع المهينة مع الكيان الصهيوني، تلك الاتفاقيات التي أسست لنظام عربي جديد يبحث عن مصالحه الإقليمية متخليا عن القومي والإسلامي بكثير من الفجاجة. فموقف الدول العربية المخزي من التمييز العنصري ضد الروهينغا في ميانمار يشكل كارثة أخلاقية كبرى لحقت بمثيلتها تجاه المسلمين الإيغور في إقليم شينجيانغ الصيني. ومما يبعث على الاشمئزاز قيام بعض الدول العربية بالتضامن مع أوكرانيا وتبرير موقفها تجاه الأخيرة، بما يخالف مواقفها تجاه القضية الفلسطينية.

ليس العرب وحدهم من يمارس التمييز في النظر إلى قضايا حقوق الإنسان والفصل العنصري، فما كان من الولايات المتحدة وأوروبا تجاه الأوكرانيين من تضامن قائم على اللون والعرق، يدل بوضوح على اختلال الموازين واحتقار أصحاب البشرة السوداء والآسيويين والأفارقة بعامة؛ وهو ما يجعل العالم يبدو أكثر انسلاخا من القيم الإنسانية التي ينادي هو بها، ويؤكد على احترامها. فما يقال عن أوكرانيا غير ما يقال عن فلسطين، ففي حين يَعُدّ الغرب حركات المقاومة حركات إرهابية، فإنه يشجع المقاومة الأوكرانية، وقد مجّد قيام جندي بتفجير نفسه فوق أحد الجسور ليعيق تقدم الجيش الروسي. فما يعد بطولة في أوكرانيا، يعد إرهابا في فلسطين.

نرى اليوم كيف تدافع دول الغرب عن أوكرانيا، وكيف تتعاطف معها وتشفق بها وتتباكى على شعبها المسكين، بينما لا تقوم بأدنى عمل أخلاقي تجاه الهجمات الغاشمة على قطاع غزة.
بعد انكشاف الحرب في أوكرانيا سنرى كيف يطالب العالم الذي يسمي نفسه "العالم الحر" بتحرير الأسرى وتعويض المدنيين الأوكرانيين، وكيف أنه لن يتوقف عن الحديث عن حقوق الإنسان والتمييز على أساس الأيديولوجيا والتوجهات الفكرية

وبعد انكشاف الحرب في أوكرانيا سنرى كيف يطالب العالم الذي يسمي نفسه "العالم الحر" بتحرير الأسرى وتعويض المدنيين الأوكرانيين، وكيف أنه لن يتوقف عن الحديث عن حقوق الإنسان والتمييز على أساس الأيديولوجيا والتوجهات الفكرية، وكيف سيطالب بمعاقبة روسيا على أعمالها العدائية، بما يشكل فصلا عنصريا تام الصورة بالنظر إلى تعاطيهم مع القضية الفلسطينية.

إن من يتصدون للقضايا الكبرى في العالم بوصفهم ممثلين لدول عظمى تهيمن على القرار الدولي ممن وقعوا على المواثيق العالمية المتعلقة بتجريم الفصل العنصري؛ يقومون هم ذاتهم بتوقيع هذه الاتهامات على أنفسهم؛ حين ينظرون لقضية شعب بشكل مختلف عن قضية شعب آخر، مما يجعل العالم ينظر إليهم باحتقار، واستخفاف بادعاءاتهم الكاذبة، وخبثهم وعنصريتهم المقيتة..!!

إن مفهوم العدالة والمساواة في منظور الغرب المتصهين يصير إلى النقيض في حالة فلسطين والفلسطينيين، وإلى أقصى درجات الجدية والأحقية حين يمس دولة شقراء ذات عيون زرقاء أو خضراء.. إنها قمة الرسوف في مستنقع العار الأممي، وقمة الانحراف الأخلاقي والانحياز النوعي..!!