قضايا وآراء

الإخوان المسلمون.. طريق العودة (1)

1300x600
هذه سلسلة مقالات في محاولة مني؛ أنا الذي عشت بين جنبات هذه الجماعة قرابة الأربعة عقود إلا قليلا من عمري، وقد انتسبت إليها برغبتي وبكامل إرادتي وأنا في عز الشباب وكنت وقتها أعتلي المنابر في شبرا الخيمة وأناظر التكفيريين والصوفيين وبعض السلفيين وكثيرا من الإخوان حول الطريق إلى نصرة الإسلام والعمل لدين الله.. دخلتها إذن وأنا على وعي بما فيها والحال التي كانت عليها الجماعة في منتصف الثمانينيات من القرن المنصرم.

كنت ولا زلت أعتقد أن الإخوان المسلمين وغيرها من الجماعات التي يمكن أن أسميها الروافد الأساسية للتيار الإسلامي، المعتدل فكرا وسلوكا والمتمسك بعقيدته دون انحراف أو تحريف، هذه المجموعة المنضوية تحت اسم التيار الإسلامي، هي أحد أهم مكونات المجتمعات العربية والإسلامية في المنطقة والعالم، ولا زلت أعتقد أنها وأخواتها صمام الأمان الاجتماعي لأي مجتمع عربي في مواجهة موجات الفساد والإفساد والانحلال والإلحاد؛ التي بدأت تنتشر في بلادنا وتجد من يدافع عنها في رأس السلطة في بعض البلدان العربية.
لا زلت أعتقد أنها وأخواتها صمام الأمان الاجتماعي لأي مجتمع عربي في مواجهة موجات الفساد والإفساد والانحلال والإلحاد؛ التي بدأت تنتشر في بلادنا وتجد من يدافع عنها في رأس السلطة في بعض البلدان العربية

لم يكن التيار الإسلامي والإخوان المسلمون في القلب منه في يوم من الأيام أعداء للوطن ولا خصوما للمواطنين، بل كانوا بناة حقيقيين وداعمين للبناء والتنمية. وإذا ما عدت بالذاكرة إلى الوراء قليلا في الفترة من الثمانينيات وحتى ثورة الربيع الربيع في كانون الثاني/ يناير 2011، ورصدت عن قرب كيف نجح التيار الإسلامي والإخوان في القلب منه في الاشتباك إيجابيا مع المجتمع، فسوف تدرك أن هذا التيار ساهم في تنمية المجتمع عبر سلاسل من المستوصفات والمستشفيات والمدارس والجمعيات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني؛ التي كانت ترعى الأيتام وتساهم في زواج غير القادرين وتسدد الرسوم المدرسية عن كثير ممن وقف الفقر والحاجة في طريق إكمال تعليمهم.

لو عدت بالذاكرة فسوف تجد هذا التيار الوطني الأصيل يغوص في المجتمع ويصل إلى الجامعات، فيقدم الدعم للدارسين والباحثين وينشر ثقافة التكافل داخل أروقة الجامعات عبر رموزه من أساتذة الجامعات الذين كان معظمهم يرفض بيع الكتب ويكتفي بعمل مذكرات يمكن للطلبة نسخها وتصويرها وتوزيعها بالمجان على الطلبة.

ولو عدت بالذاكرة للخلف قليلا وسألت عن النقابات المهنية التي كانت شعلة نشاط على مدار الساعة، ما بين مؤتمرات ومعارض وزيارات ومصايف ومشاريع علاجية، لقد استلم الإخوان خزينة معظم هذه النقابات خاوية على عروشها وتركوها مجبرين بعد أن وضع نظام مبارك المخلوع يديه عليها بقرارات المصادرة الظالمة؛ وفيها ملايين الجنيهات التي لا نعرف في جيب من ذهبت، فمنذ ذلك الوقت ومن بعد الانقلاب لا رقيب ولا حسيب.

لو أنصفت فسوف تدرك أن المعارضة الإسلامية والإخوانية في القلب منها (وهذا لا ينفي دور المعارضة الوطنية الأخرى مثل الشعب والوفد أحيانا) كانت مصدر صداع للنظام، ورغم الكلفة السياسية العالية التي دفعها الإخوان ومن هم على شاكلتهم فيما يعرف بالإسلام السياسي، إلا أنهم استطاعوا أن يقدموا نموذجا مزعجا للمعارضة من داخل النظام -كما يحب البعض أن يسمي هذا النوع من المعارضة- لم يتركوا فرصة للانتخابات إلا ودخلوها وفازوا ببعض المقاعد رغم التزوير ورغم الاعتقالات والمصادرات.
لو أنصفت فسوف تدرك أن المعارضة الإسلامية والإخوانية في القلب منها (وهذا لا ينفي دور المعارضة الوطنية الأخرى مثل الشعب والوفد أحيانا) كانت مصدر صداع للنظام، ورغم الكلفة السياسية العالية التي دفعها الإخوان ومن هم على شاكلتهم فيما يعرف بالإسلام السياسي، إلا أنهم استطاعوا أن يقدموا نموذجا مزعجا للمعارضة من داخل النظام

لكن البعض ينسى ويحاول اختصار الإخوان في السنوات الأخيرة التي نشبت فيها الخلافات داخل الإخوان، وربما يرى البعض وقد يكون محقا أن الإخوان قد أخطأوا في دخولهم إلى عالم السياسة من باب الولاية الكبرى؛ في وقت لم يكن لا الواقع العالمي ولا المحلي ولا المجتمع مستعدا لذلك. وقد أتفق أو أختلف مع هذا الرأي أو ذاك التوجه، لكنني لا يمكن أن أمسح ذاكرتي كما نقول بـ"أستيكة" لكي أصدق كل ما يقال وأنا أرى بعيني رأسي أن الحاجة إلى الإخوان والتيار الإسلامي اليوم تتزايد، بل باتت ملحة أكثر من أي وقت مضى. وقد يقول قائل وهل حال الإخوان اليوم يبشر بالخير؟ وأقول صدقت، ولكنني أحب أزن الأمور بموازين استراتيجية طويلة المدى وبرؤية عالمية كما عودنا الإسلام دائما، وأجيب من يسأل: أتفق معك أن حال تنظيم الإخوان ليس على ما يرام بل لا يسر عدوا ولا حبيبا، ولكن من قال لك إن هذا التنظيم أو ذاك الفصيل يمثل جوهر وحقيقة الأمر، أو أن هذا الفصيل أو ذاك يستحق فعليا شرف تمثيل تيار عظيم مثل التيار الإسلامي وفي القلب منه الإخوان المسلمون؟

من قال لك إن التيار الإسلامي محصور في تنظيم أو تنظيمين؟ من قال لك هذا الكلام مخطئ ولا يدرك طبيعة الإخوان المسلمين كتيار إسلامي شعبي لا يضم فقط المنتسبين إليه، وهم القلة النادرة رغم أنهم بالنسبة لغيرهم من التنظيمات الحزبية وغير الحزبية كثرة كثيرة، لكن الحقيقة -وهذا هو المهم- أن تنظيمات الفكرة الإسلامية، وهذا عهدنا بها من تأسيس الإخوان المسلمين قرابة قرن مضى، لا تضم كل (أي جميع) من ينتسب للفكرة الإسلامية، وكما قال الأستاذ المؤسس حسن البنا: "كم فينا وليس منا وكم منا وليس فينا".
هذا التقييم مهم في فهم ما جرى وما يجري وما نبحث عنه في طريقنا للإجابة على السؤال المطروح: هل يمكن عودة الإخوان المسلمين؟

لو عدت بالذاكرة إلى ثورة يناير 2011 المجيدة وشاهدت الملايين التي خرجت والملايين التي اعتصمت في التحرير وبقية الميادين، هل تستطيع أن تقول بقلب مطمئن إن هؤلاء جميعا أعضاء في تنظيم الإخوان؟ بالطبع لا، ولكنني أستطيع أن أقول لك وبشبه اليقين إن غالبية هؤلاء كانوا من المؤمنين بفكرة الخلاص من المستبد ومواجهة الظالم، وإنهم لما رأوا الإخوان في الشوارع تحمسوا وازدادوا إصرارا على إصرارهم للثورة على النظام المستبد. ومثل هؤلاء كانوا في طوابير الانتخابات والاستفتاءات الممتدة لكيلومترات ولساعات؛ ذهبوا للتصويت واختاروا مجلسا أغلبيته من الإخوان وحلفائهم.. لم يكن الناخبون إخوانا ولا كل الناجحين أيضا من الإخوان، إنما الحالة العامة أفرزت تضامنا وتفاعلا مع مشروع التيار الإسلامي ثقة في من يحملون الراية، وهذا هو الأهم بالنسبة للرأي العام.

من يحمل الراية هل هو جدير بثقة الناس واحترامهم كما كان العهد مع الإخوان من قبل أم لا؟

هذا التقييم مهم في فهم ما جرى وما يجري وما نبحث عنه في طريقنا للإجابة عن السؤال المطروح: هل يمكن عودة الإخوان المسلمين؟

موعدنا في مقالات قادمة إن شاء الله.