تسبب الخطاب الأخير الذي ألقاه رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت بردود فعل متلاحقة، لعل أهمها إعلانه عن جاهزية منظومات دفاع ليزرية للتصدي للصواريخ التي تتساقط على الجبهة الداخلية في أي مواجهة قادمة، مما اضطر كبار المؤسسة العسكرية للتنويه لاحقا أن هذا الحديث يحمل تفاؤلا مبالغا به، ولا زال أمامنا سنوات أخرى لإنجاز هذا التطور.
في الوقت ذاته، حمل خطاب بينيت تجاهلا لافتا للملف الفلسطيني، وقرر مسبقا أن "يدفن رأسه في الرمال"، وعدم مواجهة الحقيقة معهم، لا سيما الاستجابة لمواقف نسبة كبيرة من الجمهور الإسرائيلي المطالبة بأن تنفصل عن الفلسطينيين.
رون بن يشاي، الخبير العسكري ذكر في مقاله بصحيفة يديعوت أحرونوت، الذي ترجمته "عربي21" أنه "في نهاية إلقاء بينيت لخطابه الذي ألقاه على منصة معهد أبحاث الأمن القومي بجامعة تل أبيب، عاش الإسرائيليون مزيدا من الأجواء الأكثر خطورة وقلقًا، لأن رئيس حكومتهم قرر تجاهل القضية الفلسطينية، مع أن نسبة كبيرة من الجمهور الإسرائيلي تعتقد، وهي محقة في اعتقادها هذا، أن هذه القضية تشكل تهديدًا وجوديًا لليهود، والطابع اليهودي للدولة".
وأضاف: "اكتفى بينيت بتقزيم الحديث عن القضية الفلسطينية باعتبارها مصدرا لإطلاق الصواريخ، ولذلك تم ابتكار المنظومة الليزرية للتصدي لها، وإحباط إطلاقها، فكأنه يعتبر أن هذه الصواريخ والشظايا والقذائف فقط هي التهديد الفلسطيني الاستراتيجي، صحيح أن هذا التهديد لا يزال موجودًا، لكنه ليس كل الصراع مع الفلسطينيين، بل وجه واحد فقط من أوجه هذا الصراع المزمن، وسط انشغال عالمي عن الرغبة في حله، مما يفرض على إسرائيل تحديات وتهديدات وجودية".
اقرأ أيضا: قلق إسرائيلي من تقرير "أمنستي": يضرنا بشدة
يمثل بن يشاي شريحة واسعة من الخبراء الإسرائيليين الذين يأخذون على المستوى السياسي الإسرائيلي تجاهله لحل الصراع مع الفلسطينيين، وتفضيلهم الهروب من إيجاد صيغ متفق عليها لهذا الحل، بما في ذلك الانفصال عنهم، خاصة وأن هذه المخاوف تتنامى مع حقيقة أن واشنطن وبعض العواصم الأوروبية منهمكة الآن في أزمات أكثر إلحاحًا، مما دفع بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى الزاوية، دون انتباه أحد إليه، لكنه يبقى ماثلا أمام إسرائيل، كمصدر قلق وتحد وتهديد.
وتعتبر دوائر صنع القرار الإسرائيلي أن قدرتها على تجاوز الصراع مع الفلسطينيين من خلال ما تحظى به من استقبال رؤساء الدول والملوك العرب الذين يستفيدون من إنجازات "الهايتك" الإسرائيلية، ولا يأتون في مباحثاتهم معهم على أي ذكر للقضية الفلسطينية، لكن هذه القضية باقية، سواء تحدثوا عنها أم تجاهلوها، رغبة منهم بالحصول على فوائد اقتصادية من اتفاقيات التطبيع، لكن كل ذلك لا يساعد في تثبيت التهدئة الأمنية في شوارع قطاع غزة، ولا تنجح في شراء الهدوء في الضفة الغربية.
من الواضح أن كل هذه إجراءات تكتيكية ميدانية، لكنها لا تمنع تفشي التوترات الأمنية التي يعرفها جميع الإسرائيليين، خاصة في جهاز الأمن العام-الشاباك والجيش الإسرائيلي، والنتيجة أن موجة تصعيد كبيرة ستحدث في نهاية المطاف مع الفلسطينيين، مما سينعكس سلبا على إسرائيل ومواطنيها، رغم أن استطلاعات الرأي العام الإسرائيلية تظهر أن معظم الجمهور يتفهم الحاجة للانفصال عن الفلسطينيين في الضفة الغربية، حتى لو لم يجلب السلام، وينطوي على المخاطرة الأمنية.
من الواضح أن جملة من العوامل تمنع الحكومة الإسرائيلية من التوصل إلى حل مع الفلسطينيين، وفي هذه الحالة، فإن الرؤية الاستراتيجية الرسمية والعامة لرئيس الوزراء كما عُرضت في الخطاب الأخير، ولم تذكر في كلمة واحدة التهديد الذي تمثله القضية الفلسطينية، تحمل في طياتها تهديدا على مستقبل الدولة، وتهدد أمن الإسرائيليين، مع أنه ليس من الصعب أن نفهم لماذا تجاهل بينيت القضية الفلسطينية، حيث تتصدر الأسباب الأيديولوجية واعتبارات بقاء الائتلاف الحكومي.
لم يعد سرا أن هاتين المسألتين الحاسمتين منحهما بينيت أفضلية على الجرأة في طرح حل للصراع مع الفلسطينيين، لكن النتيجة التي بات الإسرائيليون يرونها بأعينهم ظهور واقع ثنائي القومية داخل إسرائيل، وأصبح لا رجوع عنه، مما يعني تفاقم مشكلة الحكم الذاتي في الدولة ذاتها، التي لا يبدو أنها قد تحتمل مثل هذا العبء متعدد المجالات.
ضباط في جيش الاحتلال يحرضون على "فلسطينيي الـ48"
معهد بحثي يستعرض التهديدات والمخاطر على الاحتلال في 2022
صحيفة عبرية تكشف تفاصيل لقاءات ملك الأردن بقادة الاحتلال