مقالات مختارة

فلسطين: شعب يقاوم… وأمة تتآمر عليه

1300x600

هل استثمر العرب (الأنظمة العربية) إمكانياتهم وقدراتهم الاقتصادية في دعم نضال الشعب العربي الفلسطيني؟

لم يتلق نضال الشعب الفلسطيني، الدعم المؤثر، لا في الوقت الحاضر ولا في السابق. فقد استُخدِمت هذه الإمكانيات بالالتفاف على هذا النضال المشروع. إن القضية الفلسطينية، لم تتلق الدعم بما فيها الكفاية؛ كقضية تعني المصير العربي، قبل المصير الفلسطيني أو بالتوازي الزمني لهذا المصير. لقد استخدمت قضية شعب فلسطين منذ النكبة، أو منذ إقامة هذا الكيان الإسرائيلي؛ منصة لإطلاق شعارات التأييد والمؤازرة لنضال وجهاد هذا الشعب، الذي يجترح في كل مرحلة من تاريخه هذا؛ ما يناسب ويتلاءم مع هذا الكفاح المشروع، سواء بالمقاومة المسلحة كما كان عليه الحال قبل اتفاقات أوسلو، أو للدقة الواقعية والموضوعية، قبل إجبار المقاومة على الرحيل أو الجلاء من أرض لبنان إلى تونس، في الاتفاق المعروف بين لبنان والكيان الإسرائيلي، عبر الوسيط الأمريكي، فيليب حبيب الذي كان في وقتها يقوم بجولات مكوكية بين بيروت ودمشق وتل أبيب. هذا الاتفاق صيغ لفك الحصار الإسرائيلي عن بيروت. إنما الحقيقة أن هذا الحصار كان الغاية أو الهدف منه؛ هو محاصرة قادة فصائل المقاومة الفلسطينية، وأبطالها المجاهدين والمناضلين على أرض بيروت؛ لإجبارهم على المغادرة تحت تهديد السلاح، والمجازر التي ارتكبها جيش الاحتلال (الإسرائيلي). فقد كانت بيروت وجنوب لبنان، قبل الاجتياح (الإسرائيلي) قاعدة انطلاق وتنظيم وترتيب عمليات المقاومة ضد الكيان الإسرائيلي.

هذا الحصار؛ نتج عن الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وتحديدا جنوب لبنان وسهل البقاع وبيروت العاصمة؛ حيث تتمركز فيها القوات السورية، والتي كان وجودها كما كان وقتها، يعلن النظام، هي للدفاع عن لبنان والمقاومة بوجه العدو الإسرائيلي. كانت غاية الكيان الإسرائيلي وهدفه هو؛ تصفية المقاومة الفلسطينية.

أما اتفاق إجلاء وترحيل المقاومة الفلسطينية وقادتها، بمن فيهم المرحوم ياسر عرفات، فقد تم بضغط من النظام السوري، حتى يتجنب الاشتباك مع قوات الاحتلال (الإسرائيلية) والغضب الأمريكي في حالة لم يقم بما يجب عليه القيام به، من إنجاح مهمة فيليب حبيب. فقد كانت قوات النظام السوري، في حينها؛ تحكم قبضتها العسكرية والسياسية على لبنان. من غرائب الأمور ومفارقاتها؛ أن هذه القوات، لم تقم بما هو مفترض بها وبوجودها؛ أن تقوم به، حسب ما كان يعلن النظام، الالتزام به، ألا وهو؛ التصدي لغزو العدو الصهيوني، عندما تجتاح قواته أرض لبنان. في عام 1970 قام الجيش الأردني بشن حملة عسكرية على فصائل المقاومة الفلسطينية؛ لتصفية وجودها على أرض الأردن؛ حتى يتم منعها بالقيام بعمليات المقاومة للاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، وقد تم بالفعل تصفية وجود المقاومة في الأردن؛ لتنتقل الى لبنان.

من نافلة القول هنا؛ أن هذه التصفية التي قام بها الجيش الأردني؛ جاءت بعد أقل من سنتين، بما قامت به، الفصائل الفلسطينية بالحاق هزيمة نكراء بالجيش الإسرائيلي الذي توغل داخل الأرض الأردنية، في معركة الكرامة المعروفة. كانت قضية شعب فلسطين، قضية يتلاعب بها الإعلام العربي الرسمي، ويتاجر المسؤولون بها؛ الذين يرفعون ورفعوا شعار تحرير فلسطين، وأن القضية الفلسطينية؛ هي قضية العرب الأولى، بل القضية المركزية، بينما الواقع هو غير هذا الخطاب بالكامل؛ إذ تجري عمليات التصفيات سواء لقادة فلسطينيين أو للمقاومة وجوديا، نزولا عند رغبة أمريكا والكيان الإسرائيلي. في نفس الوقت يصرح الإعلام العربي والمسؤولون العرب، من أنهم يعملون بكل ما في جهودهم؛ بدعم ومساندة فلسطين أرضا وشعبا وتاريخا. إن هذا الاستثمار أو الاستخدام لقضية عربية وإسلامية وإنسانية؛ كان ولم يزل الغاية من هذا الاستثمار ليس لشحن الهمم وحشد الطاقات، بل كانت ولم تزل الغاية هي تجميل وجوه هذه الأنظمة أمام شعوبها العربية.

إن هذا الاستخدام قاد إلى توزع ولاءات المقاومة. إن المقاومة صمدت على الرغم مما يخطط لها في العلن وفي السر. فقد قاوموا الاحتلال الإسرائيلي بمختلف طرق ووسائل المقاومة التي هم من يبتكرونها بما يناسب كل ظرف؛ من الانتفاضات المتكررة الى العمليات الاستشهادية.

من الغريب هنا ؛ حتى الأنظمة المطبعة مع هذا الكيان الإسرائيلي المحتل، تعلن جهارا نهارا من أنها تدافع عن حق الفلسطينيين في دولة ذات سيادة، على خلاف ما هو موجود على أرض الواقع، والذي يدحض بالكامل هذا الكذب والخداع. خلال كل عمر نضال وكفاح وجهاد الشعب الفلسطيني من اجل نيل حقوقه والتي هي في الأول والأخير بموجبات القانون الدولي ومخرجاته غير قابلة للتصرف بها إلا من قبل الشعب الفلسطيني؛ كان هذا الكفاح المشروع يخضع للمتاجرة من قبل الأنظمة العربية، في السابق وحتى هذه اللحظة، في ميدان المساومات والمقايضات من قبل تلك الأنظمة في الساحة، سواء الدولية أو الإقليمية.

هذه المتاجرة لم تتوقف وبالذات في العقدين الأخيرين على الأنظمة العربية، بل تجاوزتها إلى أنظمة الجوار العربي، التي ترفع شعار تحرير فلسطين، إنما الحقيقة هي غير هذا الخطاب من حيث، الإجراءات والتنفيذ على أرض الواقع. الأمثلة على هذا كثيرة جدا، ولا حاجة لذكرها، لأنها معروفة للجميع.

إن قضية شعب كالشعب الفلسطيني لا يريد إلا أن يعيش في دولة ذات سيادة، ليعيش فيها بكرامة وحرية، ويشعر بأنه ينتمي إلى دولة تحفظ له حقوقه، وتوفر له كرامة الحياة بحرية.

إن هذا الحق الشرعي والمشروع يصطدم بواقع خفي، لكنه صلب، يتم برمجته تحت الأرض، باستمرار وبلا هوادة؛ عبر الوكلاء العرب (الأنظمة العربية) وحتى الوكلاء الإقليميين. إن هؤلاء الوكلاء سواء ما كان منهم من العرب، أو ما كان منهم من الجوار العربي؛ لهم من يمثلهم من الذين يرفعون شعار تحرير فلسطين، أو دعم وإسناد شعب فلسطين؛ في دول الطوق العربية، أو في الدول العربية المجاورة لدول الطوق؛ لكن هذه الشعارات حين تحتاج لها، أو تحتاج الى توظيفها، الدول الراعية لها، إلى خدمات هؤلاء الوكلاء؛ للحصول على مكاسب سياسية معينة في ظرف ما، من خلال المساومة مع هذا الطرف الدولي، أو ذاك الطرف الدولي، من الأطراف الدولية الفاعلة في المشهد الفلسطيني، أمريكا وروسيا، تحديدا.

القدس العربي