كتاب عربي 21

ما هكذا تورد الإبل يا "عقيلة صالح"!

1300x600

عاد رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، المتوقف عن ممارسة عمله لبضعة أشهر وفقا لمقررات قانون انتخابات الرئيس، وعاد معه التأزيم عبر رفضه مسودة الدستور، فهو لم يحرج بتصريحاته رئيس المجلس الأعلى للدولة فحسب، وذلك بعد التوقعات بوقوع حد أدنى من التوافقات حول المسار السياسي الذي تعثر بتأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى، بل قلب الطاولة على لجنة خارطة الطريق التي بحثت إمكان فتح ملف مسودة الدستور التي حيل دونها ودون الاستفتاء منذ العام 2017م.

الأخطر في نظري هو جرأة عقيلة صالح على مصادمة الإعلان الدستوري الذي أسس لوضع مسودة الدستور، ومن السخرية أنه يصادم الأساس الدستوري الذي جعل منه رئيسا للبرلمان، فهو ينسفه متى عارض هواه وخياراته ويثمنه عندما يشعر بتهديد منصبه والجسم الذي يترأسه!!

عقيلة صالح تحفظ على مسودة الدستور، وأنا هنا لن أقف عند الدفاع عن مضامين المسودة، فهي جهد بشري وضع في ظروف نزاع وصراع، ومن الطبيعي أن يشوبها قصور، إلا أن الاعتراض يأتي على نسف المسار الانتقالي الدستوري، وعندما يتورط من يناط بهم مسؤولية تعلية الدستور والتشريعات وصيانتها في الدوس عليها بالأقدام، فلن تلوم من هم أقل مسؤولية من غيرهم، وبذلك يكون الانتقال الديمقراطي والبناء المؤسسي قد تلقى ضربة قاسية وربما قاضية.

لا شك أن التوافق أساسي عند التقدم في مسار التحول الديمقراطي وبناء الدولة ومؤسساتها وقد يقتضي ذلك مراجعة كل ما يتعلق بالانتقال بما في ذلك الدستور، لكن الخطورة تكمن في نسف التوافقات التي سبقت خاصة إذا كان النهج هو نهج المغالبة الذي لا يؤسس لتوافق بناء، والأخطر عندي هو مصادمة التوافقات الهجينة لأسس وشروط ومقومات الانتقال الديمقراطي.

الناظر إلى مسار عملية وضع الدستور منذ وضع الإعلان الدستوري في آب (أغسطس) 2011م يرى كيف أن المغالبة والانتقائية كانت هي لغة ومنطق الفئة التي شوشت على هذا المسار، والمفارقة أنه برغم النزول عند رغبتها والاستجابة لضغوطها أولا بانتخاب هيئة وضع الدستور بدلا من تعيينها من قبل البرلمان المنتخب آنذاك، ثم تشكيلها وفقا للتقسيمة التاريخية للبلاد (الأقاليم التاريخية الثلاثة) وبالتساوي، عشرين عضوا لكل إقليم، فقد رفض هؤلاء مخرجاتها والتي أقرت بالأغلبية الساحقة من قبل الهيئة المنتخبة.

من ينتهج هذا النهج الانتقائي المغالب ويفرض على الشركاء خياراته ثم يحتج على النتائج لا يمكن أن يكون شريكا جادا ولن تسفر الشراكة معه عن توافق عادل يؤسس لدولة مستقرة، وهو ما نراه منذ العام 2011م وحتى اليوم، والشراكة البناءة هي التي تقوم على أسس صحيحة أهمها:

ـ الالتزام باشتراطات الانتقال الديمقراطي والنزول عند مقررات الدستور بخصوصه.
ـ انتهاج التوافق العادل واحترام التوافقات التي تؤسس للمسار الانتقالي.
ـ تعلية مكانة المؤسسات والهيئات الدستورية. 
ـ الاحتكام عند الخلاف إلى القضاء واحترام أحكامه مهما كانت نتائجها.

 

من ينتهج هذا النهج الانتقائي المغالب ويفرض على الشركاء خياراته ثم يحتج على النتائج لا يمكن أن يكون شريكا جادا ولن تسفر الشراكة معه عن توافق عادل يؤسس لدولة مستقرة، وهو ما نراه منذ العام 2011م وحتى اليوم،

 


يا سيد عقيلة كيف يستقيم نسف مخرجات هيئة منتخبة توافقت الأغلبية الساحقة على مخرجاتها واستخلافها بلجنة أو فريق يشرف على اختياره جسم منقوص الشرعية ومساره وقراراته محل جدل كبير ويواجه معارضة أغلبية الليبيين.
 
ثقة قطاع واسع جدا من الليبيين تزعزعت في مجلس النواب، فالمجلس كان السبب الرئيسي في المنعطفات الحادة التي تعرج فيها المسار الانتقالي، وليس أخطرها ما قام به مجلس النواب من تأسيس قاصر للانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي تأجلت، فكيف تستأمنه هذه الجمهرة العريضة على وضع دستور بالطريقة التي تحدث عنها عقيلة صالح؟!

ما هو أقرب للانتقال الديمقراطي الصحيح والتوافق المتماسك هو التركيز على انتخاب جسم تشريعي جديد وفق أسس دستورية وقانونية عادلة ليتولى معالجة ملف الدستور، وغير ذلك سيكون عبثا يراد منه خلط الأوراق والضغط من خلال رفع سقف المطالب قبل التفاوض على ترميم المسار السياسي المهترئ.