هو من الجيل القديم، ولد في أجدابيا في ليبيا الملكية عام 1943. التحق بالكلية العسكرية الملكية في بنغازي وتخرّج منها عام 1966 كضابط في الجيش الملكي. بعد الإطاحة بالملكية عام 1969 انضم حفتر إلى صف معمر القذافي وأظهر إخلاصاً شديداً له ما ساعده في الارتقاء في صفوف الجيش إلى أن كلّفه القذافي عام 1986 بقيادة القوات الليبية التي أرسلها إلى تشاد المجاورة للسيطرة على إقليم أوزو.
ولكن ثقة القذافي لم تكن في محلها وتحولت قيادة حفتر إلى فشل ذريع وهزيمة كبرى في الميدان أدت إلى استسلامه ووقوعه مع جنوده، وعددهم حوالي 500، في أسر التشاديين عام 1987 رغم تفوق القوات الليبية المدجّجة بالسلاح السوفياتي في العدة والعتاد.
يبدو أن الطريقة المذلّة التي هُزمت فيها القوات الليبية دفعت خليفة حفتر إلى الارتماء في أحضان الأمريكيين، خوفاً من المحاسبة والعقاب من قبل القذافي لو عاد إلى ليبيا. وفي تلك الفترة كانت العلاقة بين أمريكا برئاسة رونالد ريغان وليبيا القذافي في أسوأ حالاتها بل في حالة حرب معلنة (في نيسان/ أبريل 1986 شنّت أمريكا غارات جوية مركّزة على مدينتَي سرت وطرابلس في عملية أطلقت عليها «الدورادو» دمرت خلالها المجمع السكني للقذافي).
وسرعان ما احتضنت المخابرات الأمريكية خليفة حفتر، الأسير في تشاد، والمجموعة التي معه وجنّدتهم للعمل ضد بلدهم وأنشأت بواسطتهم ما يسمى بــ «الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا» وجناحها المسلح الذي أسمته «الجيش الوطني الليبي». ولكن الفشل استمر ملازماً لحفتر، رغم الدعم الكثيف والتمويل، فلم ينجح هو وقواته في التأثير على القذافي ولا إنجاز أي شيء حقيقي ضد نظامه ما دفع الأمريكيين في نهاية المطاف إلى التخلي عن مشروع إسقاط القذافي بواسطة حفتر ومجموعته، واضطرت أمريكا طبعاً إلى استقبالهم في أرضها سنة 1990 (كما تفعل مع كل الذين يخدمونها ويرتبطون بها أثناء مشاريعها الإمبريالية).
ومع وجوده في أمريكا ازداد ارتباط حفتر بالــ «سي آي إيه» وخصوصاً بعد منحه الجنسية الأمريكية، وصار يعمل معهم في وضع خطط للتآمر على القذافي وبذل محاولات (فاشلة) لإسقاط نظامه. بقي حفتر على تلك الحال لأكثر من عشرين سنة (يعيش في ولاية فرجينيا) إلى أن قرر الأمريكيون أن دوره قد جاء أخيراً مع الربيع العربي سنة 2011 فأرسلوه على وجه السرعة إلى ليبيا للانضمام إلى صفوف «الثوار» الذين يقاتلون نظام القذافي. ولكنّ حفتر فشل مرة أخرى! فقد حاول حفتر أن يتزعم الجيش الذي شكّله «ثوار 17 فبراير» للإطاحة بالقذافي ولكنهم رفضوه! فيبدو أن معارضي القذافي الداخليين، خصوصاً مع توجهاتهم الإسلامية، لم يستسيغوا أن يقودهم هذا القادم فجأة من واشنطن بعد عقدين من الغياب ما اضطر حفتر إلى العودة إلى أمريكا مرة أخرى بعد أشهر قليلة من دخوله ليبيا.
ظهر حفتر على الساحة في ليبيا من جديد سنة 2014 وذلك من خلال تسجيل تلفزيوني تكلم فيه باسم «القيادة العامة للجيش الوطني الليبي» معلناً رفضه لكل ما هو قائم في ليبيا وللترتيبات السياسية في البلاد. وكان قد مهّد لذلك عن طريق مقابلة تلفزيونية مطوّلة تحدث فيها بطريقة السيرة الذاتية كان أهم أهدافه منها محو السمعة السيئة التي تحيط به نتيجة انهزامه وأسره في تشاد حيث استرسل في «شرح» ما حصل وألقى اللوم على القذافي من جهة وعلى فرنسا من جهة أخرى بل وأدخل الجزائر أيضاً في مرمى سهامه! وفي أيار/ مايو 2014 ظهر مرة أخرى وهو يعلن انقلاباً كاملاً على الحكومة في طرابلس ويتحدث هذه المرة باسم «المجلس العسكري الأعلى للقوات المسلحة» معلناً عن فترة انتقالية وحكومة طوارئ وبدء «عملية الكرامة» لتحرير ليبيا من هيمنة الإسلاميين بأنواعهم من إخوان مسلمين إلى قاعدة وداعش.
على المستوى القومي العربي لا يُعرف عن حفتر أي مشاعر ودّ تجاه الأشقاء وتكلّم عام 2011 عن «أعداء ليبيا» الجديدة، ذاكراً مصر والسودان وتونس والجزائر
في نيسان/ أبريل 2019 أعلن حفتر الحرب على الغرب الليبي الذي تسيطر عليه حكومة السراج. وأعلن بدء الزحف نحو طرابلس لتحريرها. وكانت إعلاناته حاسمة وقاطعة في تأكيدها أن الاستيلاء على طرابلس مسألة |أيام معدودة، بما يشي بقوة الدعم الذي تلقّاه حفتر من رعاته الإقليميين وخصوصاً مصر والإمارات.
لجأ حفتر إلى سلاح الطيران ليقصف خصومه في طرابلس وترافق ذلك مع حملة إعلامية قوية ضدهم وللإيحاء بأن «الناس معه»! مرت الأيام وطال أمد القتال ولم يحقق حفتر النجاح المنشود بل حصل العكس، إذ تمكنت الميليشيات الإسلامية على الأرض- المدعومة بغطاء سياسي من حكومة السراج المعترف بها دولياً- من الصمود وتجميع قواها ووقف تقدم قوات حفتر، ومن ثم لجأت إلى الاستعانة بتركيا إردوغان التي تدخلت وأرسلت قوات من جيشها مع الكثير من المرتزقة السوريين ما أدى في النهاية إلى تراجع قوات حفتر من حيث أتت.
خيبة جديدة وفشل مني به «المشير» خليفة حفتر تفاقم في السنة التالية حين وجد نفسه يتعرض إلى هجوم كبير من حكومة طرابلس المدعومة من الأتراك، حيث بدأت بالزحف نحو الشرق مع تراجع سريع لقوات حفتر ما أدى إلى تدخل مصر التي رأت هزيمة حفتر الجديدة إن استمرت ستكون تهديداً لأمنها القومي فأصدرت إنذاراً بأن «سرت – الجفرة» خط أحمر ولن تسمح بتجاوزه، فتوقف الهجوم وأفلت حفتر.
على المستوى القومي العربي لا يُعرف عن حفتر أي مشاعر ودّ تجاه الأشقاء والجيران، بل على العكس فهناك تسجيل بصوته سنة 2011 يتكلم فيه عن أعداء ليبيا الجديدة فيذكر من بينهم كل جيران ليبيا العرب: مصر والسودان وتونس والجزائر! وفسّر ذلك بقوله: «لأنهم كلهم فقراء، وكلهم عندهم طمع في هذه الثروة (ثروات ليبيا)». ومع ذلك فإن عبد الفتاح السيسي قرر أن «يسامحه» على زلّته تلك نظراً إلى حاجته إلى جنرال مثله يحارب الإخوان المسلمين في ليبيا، فاستقبله في قصر الرئاسة المصري وبمظاهر لا تليق إلا برؤساء الدول! وليس لدى خليفة حفتر أي مشكلة في التعامل مع «إسرائيل» والتطبيع معها وهو أخيراً أرسل ابنه صدام إلى القدس المحتلة من أجل الحصول على مباركة «إسرائيل» ومساعدتها لدعم ترشّحه لرئاسة ليبيا.
على المستوى الشخصي يتميز حفتر بمظهره العسكري الصارم وجديته وعبوسه. وهو يحرص على زيّه العسكري ورتبه ونياشينه. وتحدث عدد من الذين كانوا مقرّبين منه عن قسوته واستبداده وعن ازدرائه بالمدنيين. وفي عام 2018 تعرّض إلى نكسة صحية شديدة، نُقل إثرها إلى فرنسا للعلاج وبقي فترة طويلة حتى راجت شائعات عن قرب وفاته. ولكنه تعافى وعاد.
والآن يحلم «المشير» برئاسة ليبيا عن طريق الانتخابات بعد أن فشل في حكمها عن طريق السلاح. ولكنه مزدوج الجنسية (أمريكي – ليبي)، فهل يجوز أن يكون رئيساً من كان انتماؤه إلى بلدين؟ نعم ففي القلب متّسعٌ، وللقلب ما يهوى.
* كاتب من الأردن