آراء ثقافية

كزبرة والملياردير سينتصران حتما!

ملف مطربي المهرجانات في مصر يتصاعد

إذ التجأ نقيب الموسيقيين المصريين، هاني شاكر، إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، كحصن أخير، يحتمي به من هجوم الملياردير نجيب ساويرس على قراره منع مطربي المهرجانات من الغناء، وإذ وصف خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، قرار المنع بأنه "معركة"، كان حقا لي أن أكتب مثل هذا العنوان، ويكون "خلع" رتبة "يوزباشي" على المغني هاني شاكر أكثر مناسبة من لقب "النقيب".

كان أن طالعت الخبرين في نفس الموقع، لم يفصل بينهما إلا دقائق، واعتبرت أن الأول، وعنوانه: "هاني شاكر يدافع عن قرار منع مطربي المهرجانات: مينفعش يكون الفن كده في عصر الرئيس السيسي"، نقلة فيها بعض "المخاطرة" من جانب اليوزباشي، ذلك أن إدخال المشير إلى المسائل "التكتيكية" لا يليق، فهذه رتبة لا تنشغل إلا بما هو تعبوي، استراتيجي، واستدعاؤه في هذا الأمر قد يعني أن اليوزباشي لا يتمتع بالكفاءة لشغل موقعه، ثم جاء الخبر الثاني، وعنوانه: "الجندي يدافع عن هاني شاكر: نقابة الموسيقيين تخوض معركة تحتاج إلى التضامن"، ليؤكد أن اليوزباشي يستشعر الحصار، ويطلب النجدة، ويبدو أن هجوم المليلردير، أحدث "اختراقا" هائلا في الخطوط الدفاعية، ويقترب من عزل القوات، وإحكام الحصار.

ظن اليوزباشي أن مناوشات، وربما اشتباكات "تكتيكية" ستفضي إلى انتصار سريع، وربما ترقية سريعة، لكن دخول الملياردير إلى المعركة أربكه للغاية وشتت قواته، فصرخ: إلى الحصن، النجدة.

وجاء الجندي.

هذه مخاطرة أيها اليوزباشي، مخاطرة كبيرة، فأنت في موقعك للمعارك التكتيكية، ليس لك أن تقرر التعبوي والاستراتيجي، لأن استدعاء المشير، وتداخل الجندي، يفقدك قيمتك.

قال البوزباشي: النقابة لم تمنع ولم تمنح لكنّها أبلغت الجهات المعنية بأنّ هؤلاء الأشخاص غير مُصرَّح لهم بالغناء.


هذا أيضا، خطأ.


استدعاء الجهات المعنية، معناه تكليفها بالمطاردة، والتعقب، وتعني أنك "مش مالي مركزك"!

لكنك خطوت إلى حقل ألغام إذ تابعت: "مينفعش نكون في عصر الرئيس السيسي ويكون الفن بالشكل ده.. إحنا داخلين على الجمهورية الجديدة والفن بالشكل ده غير مقبول".

نصبت نفسك متحدثا باسم ذوق الرئيس، وما يليق أو لا يليق بالجمهورية الجديدة، ماذا تعرف عن ذوق المشير، أو السياسات الفنية للجمهورية الجديدة؟

واعتبر اليوزباشي أنّ القرار الذي اتخذه هو "محافظة على حقوق أعضاء النقابة"، هذه هي المسألة، المهرجانات "قفلت" على "السوق"، قد يفهم هذا، ما دخل المشير في الأمر، هل تظن أن المهرجانات ستقف صامتة، ماذا ستفعل إذا أطلقوا حناجرهم على المشير، ماذا سيحدث إذا جال بخاطر أحدهم أن يغني: "يا مشير يا مشير فين فين الميكرفون فين فين الميكرفون"، وأنت تعلم هيامه به.

أدخلت المشير إلى المعركة، وقلت: لا يمكن السماح لمن لا يحمل تصريحًا بأن يمارس المهنة.

حسنا، ماذا سيفعل المشير، الرجل يذهب للحضور، شخصيا، إلى لجان القبول بالكليات العسكرية، يسأل المتقدمين، ويدقق، ويختبر، فهل سيفعل ذلك في لجان الاستماع، هل يجلس ويقول: يا كزبرة سمعني نهاوند، طيب ممكن سيكا؟

اليوزباشي منع 19 من مؤدي المهرجانات: حمو بيكا، وحسن شاكوش، وكزبرة، وحنجرة، ومسلم، وأبو ليلة، وأحمد قاسم فيلو، وأحمد موزة، وحمو الطيخا، وريشا كوستا، وسمارة، وشواحة، وولاد سليم، والعصابة، والزعيم، وعلاء فيفتي، وفرقة الكعب العالي، ومجدي شطة، ووزة، وشكل، وعمرو حاحا، وعنبة.

هل تعرف ماذا يمكن أن يفعل هؤلاء وقد منعتهم عن "أكل عيشهم".

سأعود إلى حتمية انتصارهم، لكن سأفكر فيما يمكن أن يتسبب فيه جمهورهم من صداع للمشير.

أغان تستغيث، هذه بداية، مهرجانات في الاستغاثة، أغثنا يا مشير، يا ريس، يا جمهورية جديدة.

ثم سيل من السخرية، من النقد، من الهجوم، من الألفاظ المنتقاة.

وكل هذا بسببك، بسبب أنك أدخلت المشير إلى معركة هي من مهام اليوزباشي، هل سمعت عن قائد سرية، يطلب حضور المشير، شخصيا؟

دخول الجندي سيسبب لك مشاكل كبرى هو الآخر، فقد تحدث باسم الإسلام، فهل تضمه إلى لجان الاستماع، بدوره، تخيل معي اللجنة: المشير في المنتصف، والجندي عن يمينه، وأنت اليوزباشي عن يساره، الجندي عن اليمين لأنه، إن شاء الله من أهل اليمين، هل هذه لجنة مناسبة، الجمهورية الجديدة، وعن يمينها ممثل الإسلام، وعن شمالها "عيد ميلاد جرحي أنا"، وأمامها كزبرة، ورئيس اللجنة يفتتح أعمالها: قول يا كزبرة.

يدافع الجندي عن اليوزباشي، فيقول: نقابة الموسيقيين تخوض معركة تحتاج إلى التضامن.

ويقول: الإسلام لا عداء له مع الفن، وإنما له عداء مع الكلمة الهابطة والإسفاف والعري والدعوة للفجور.

عظيم. أيها الجندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، ممكن تعرض في برنامجك "لعلهم يفقهون" فيلم اليوزباشي "عايشين للحب"، ليس بالضرورة عرضه كاملا في ذات الحلقة من البرنامج، فلتكن خمس دقائق كل حلقة، وهكذا تثبت فعلا ما تقول، وتطبق ما تعتقد، ولنرى لجنة الاستماع على الهواء مباشرة وهي تختبر كزبرة، والمشير يسأل: معاك حاجة من "عايشين للحب".

هكذا سيكون الجندي والمشير واليوزباشي في قلب المعركة. هكذا يكون التكاتف والتضامن مع نقابة المهن الموسيقية وهي تخوض المعركة فـ "مصر تتعرض لهجمة تترية عنيفة للغاية"، وعلى الجندي واليوزباشي والمشير الصمود، فإلى اللجان، والمنع، و"عايشين في الحب" لا بد أن يكون في "لعلهم يفقهون".

حتمية انتصار كزبرة والمليادير على الجندي واليوزباشي والمشير لا تستند، فقط، إلى استحالة منعهم من الغناء، إلا بتخصيص قوات مجهزة للتعقب والمطاردة، ثم إلقاء القبض عليهم، وسجنهم، ومعهم جمهورهم، ومطاردة كل وسائط العصر: الهواتف، والشاشات، والسماعات، والميكرفونات (سيبقى ميكرفون واحد لقائد المعركة، فقلبه معلق به)، الحتمية نابعة من العصر الذي نحيا فيه، العصر الذي سمح للجندي أن يعلم الناس الفقه، ولليوزباشي ليكون "نقيبا"، ولل... أن يكون مشيرا، ولنجيب كي يكون مليارديرا، ويمكن أن يجبر كزبرة على أن يكون مناضلا واضطرني إلى أن أهبط إلى مستوى السخرية من كل هذا.