قضايا وآراء

أفغانستان ونموذج حصار العراق في التسعينيات

1300x600
ثمة مقاربات بين الواقع الأفغاني الطالباني الذي خرج منتصراً في مواجهته مع تحالف دولي مكوّن من 38 دولة بقيادة أمريكا، والواقع العراقي الذي خرج منتصراً من حرب السنوات الثماني مع إيران. فبعد الانتصار الطالباني بدأت العقوبات الأمريكية على النظام الجديد لتنتقم أمريكا اقتصادياً بما عجزت عنه عسكرياً، فجمّدت على الفور عشرة مليارات دولارات مما تسبب في أزمة اقتصادية حقيقية ستلقي بتداعيات خطيرة، وربما مجاعة واقعية لشعب بأكمله.

أما في الحالة العراقية فبعيداً عن ممارسات الرئيس العراقي صدام حسين في احتلال الكويت والانسحاب منها على وقع تشكيل تحالف دولي أرغمه على ذلك، تم فرض عقوبات صارمة تبين أنها كانت تستهدف الشعب العراقي أكثر مما تستهدف النظام نفسه، والدليل أنه بعد عقدين على فرضها، عادت أمريكا إلى اللعبة الخشنة بإزاحة صدام عسكرياً، بعد فشلها في تحقيق إزاحته اقتصادياً. ولكن كانت النتيجة أن ملأ فراغ إلحاق الهزيمة بصدام ذهب لإيران، تماماً كما سيكون الواقع الأفغاني في حال استمرت أمريكا بحربها الاقتصادية على نظام أفغانستان الجديد، بحيث يمهد بلدوزر العقوبات الاقتصادية على نظام طالبان لتحرك إقليمي أهم عناصره الهند وإيران؛ لملء فراغ إقليمي بأفغانستان.
عادت أمريكا إلى اللعبة الخشنة بإزاحة صدام عسكرياً، بعد فشلها في تحقيق إزاحته اقتصادياً. ولكن كانت النتيجة أن ملأ فراغ إلحاق الهزيمة بصدام ذهب لإيران، تماماً كما سيكون الواقع الأفغاني في حال استمرت أمريكا بحربها الاقتصادية على نظام أفغانستان الجديد، بحيث يمهد بلدوزر العقوبات الاقتصادية على نظام طالبان لتحرك إقليمي أهم عناصره الهند وإيران؛ لملء فراغ إقليمي بأفغانستان

الواقع الاقتصادي بحسب المؤشرات الدولية والأمريكية والأفغانية مرعب. تقول منظمة الصحة العالمية إن ما لا يقل عن 3,2 مليون طفل أفغاني يعانون من سوء التغذية، ومع نهاية العام سيكون هناك مليون طفل أفغاني على حافة خطر الموت الحقيقي. وكل من يتجول في شوارع العاصمة الرئيسية وحتى المدن والبدات النائية يجد تقليداً غريباً على الشعب الأفغاني؛ متمثلاً بعرض أثاث بيته لبيعه على قارعة الطريق من أجل الحصول على لقمة عيش. فالأطباء والممرضون والممرضات لم يتلقوا رواتبهم لأشهر، بعد أن جمدت الولايات المتحدة الأمريكية أرصدة الحكومة الأفغانية، ومع نجاح طالبان أخيراً في رفع المخصص لسحب المودعين في البنوك الأفغانية من 200 دولار إلى 400 دولار شهرياً، إلاّ أن الأزمة لا تزال متفاقمة ومخاطرها قد تكون كارثية.

على الحدود الإيرانية والباكستانية فالآلاف من الراغبين باللجوء والهروب من واقع اقتصادي أفغاني طاحن، يتكدسون للبحث عن لقمة عيش في بلاد الهجرة والتشرد، مما أفقد البلد ليس فقط الطبقة الغنية القادرة على حمله لتشغيل عماله، وإنما حتى في هروب الطبقة الوسطى القادرة على حمل المجتمع وحمل مصانعه ومؤسساته وخدماته، مما يعني انهياراً كاملاً للاقتصاد الأفغاني كما حذرت غير مؤسسة نقدية دولية.

فطوال عقدين من الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، كان الاقتصاد الأفغاني اقتصاد حرب وعسكرة، وشكلت المساعدات الدولية 45 في المائة من الناتج القومي الأفغاني، في حين الموازنة الأفغانية تشكل أكثر من 75 في المائة من المساعدات الدولية.
مع رحيل الاحتلال تعرض الاقتصاد الأفغاني لهزة حقيقية، فما كان قائماً عليه وسبباً له انتفى ورحل، مما جعل الاقتصاد في حالة فوضى، يبحث عمن يملأ فراغه. وحين ناشدت طالبان أخيراً كلاً من الصين وباكستان وتركيا لملء فراغ الميزانية، لم تستجب أي دولة من هذه الدول للمناشدات الطالبانية

وقامت المساعدات الدولية على رعاية قطاعي الصحة والتعليم طوال فترة الاحتلال، ولكن مع رحيل الاحتلال تعرض الاقتصاد الأفغاني لهزة حقيقية، فما كان قائماً عليه وسبباً له انتفى ورحل، مما جعل الاقتصاد في حالة فوضى، يبحث عمن يملأ فراغه. وحين ناشدت طالبان أخيراً كلاً من الصين وباكستان وتركيا لملء فراغ الميزانية، لم تستجب أي دولة من هذه الدول للمناشدات الطالبانية.

صندوق النقد الدولي حذر بدوره من أن الاقتصاد الأفغاني سينكمش بنسبة 30 في المائة هذا العام، أما الأمم المتحدة فتقدر عدد من غرق فيما تحت خط الفقر الأفغاني بأكثر من 97 في المائة من الشعب الأفغاني، وهو أمر له تداعيات اجتماعية ليس على المستوى الأفغاني وإنما على المستوى الإقليمي وربما الدولي. وكل الحالات الإسعافية للأزمة الأفغانية اليوم ستجد نفسها في وضع خطير مع انهيار الاقتصاد، إذ إنه سيتطلب أموالاً طائلة وجهوداً جبارة في حال انهياره، لأنها ستكون نقطة اللا عودة.