يقول
سعيد الغانمي في كتابه خزانة الحكايات، إن "الخيميائي وحجر الفلاسفة" لباولو
كويلو تروي قصة سانتياغو الراعي الذي كان يعيش في كنيسة مهجورة في إسبانيا حين حلم
عدة مرات بنفسه عند أهرام مصر، وإنه سيجد هناك كنزاً، فيستسلم لحلمه ويبيع خرافه ويعبر
البحر إلى المغرب. في المغرب يعمل، وبعد مغامرات، يقصد مصر في قافلة تقطع الطريق الصحراوي،
وفيها يلتقي الخيميائي الإنكليزي، الذي يقوده عند وصول القافلة إلى مصر، للقاء الخيميائي
المصري، وريث ذنون الأخميمي، ويقع في حب مصرية، ثم يبلغ الأهرام بعد محن وابتلاءات.
وفي
نهاية المطاف يصل إلى الموقع الذي وعده به الحلم بالكنز تحت الأهرام. يحفر بحثًا عن
الذهب، لكن حفنة من اللصوص تهاجمه، وتنتزع منه ما استطاع اصطحابه معه من ذهب الخيميائي
المصري، وما ادّخره من عمله لدى بائع البلّور المغربي. وحين يسأله زعيم اللصوص عن سبب
مجيئه، يقول له: إن الحلم جاء به، وإن كنزًا في هذا المكان بانتظاره. فيتهمه بالحمق
ويقول إنه حلم مثله مرات عدة، بكنز في إسبانيا في الريف في كنيسة مهدمة، وفيها توجد
شجرة جميز، تحتها الكنز، لكنه ليس غبيًا لاجتياز الصحراء طمعًا في وهم. عاد سانتياغو
إلى إسبانيا، إلى الكنيسة التي وعده بها حلم زعيم اللصوص المصريين، فقد كانت الكنيسة
التي ينام فيها نفسها، وهناك وجد الكنز، ووجد فاطمة، وذاته.
قصة
ألف ليلة مقتبسة من ابن عاصم الأندلسي
في الرواية
قصتان: قصة البحث عن الكنز، وقصة البحث عن الذات، هي بإيجاز حكاية مقتبسة من
"ألف ليلة وليلة"، بعد أن ملأها بخبرته، في الليلة الحادية والخمسين بعد
الثلاثمئة، واسمها "حكاية الحالمين": يفتقر ثري بغدادي، ويرى في المنام رجلًا
يقول له: اذهب إلى مصر، وستجد كنزًا، فيقصد مصر، وينام ليلته في مسجد، ويداهمه اللصوص،
فتقبض عليه الشرطة بتهمة اللصوصية وتأمر بجلده، فيقول لهم إنه قادم من بغداد وإنه جاء
من أجل كنز، فيضحك الشرطي ويتهمه بالغباء، فقد حلم هو بكنز في بغداد في المحلة الفلانية،
وفي الشارع الفلاني تحت سدرة بني فلان، ثم يعطيه مبلغًا من المال ليعود إلى بلده، فيعود
الرجل إلى بغداد، ويستخرج الكنز من بيته ومن تحت سدرته. ويقول الغانمي إن أصل القصة
عربي، واحدة في ألف ليلة وليلة، والثانية في كتاب "حدائق الأزاهر" لابن عاصم
الأندلسي، ولا بد أن كويلو اطّلع على إحداهما، وربما اطّلع على القصتين، فابن عاصم
الأندلسي إسباني.
يقول
الغانمي: ترد في غلاف الكتاب معلومة عن أن الرواية نشرت في 45 لغة، ولقيت نجاحًا كبيرًا
في كل مكان، أفلا يحق لنا أخيرًا القول: إن هذه الرواية هي حكايتنا العائدة إلينا بعد
أن تجولت في 45 لغة.
إلا
أن كاتب هذه السطور وجد أصلًا آخر للقصة في كتاب "الفرج بعد الشدة" للتنوخي،
وهي أقدم من قصة ابن عاصم الأندلسي ومن قصة ألف ليلة وليلة، التي يقال إنها ألّفتْ
في القرن السادس عشر، المحسن بن علي بن محمد بن أبي الفهم داود التنوخي البصري، أبو
علي متوفى: 384هـ، أما صاحب "حدائق الأزاهر في مستحسن الأجوبة والمضحكات والحكم
والأمثال والحكايات والنوادر" فهو محمد بن محمد بن محمد، أبو بكر ابن عاصم القيسي
الغرناطي متوفى سنة 829هـ، فقصة التنوخي هي أصل قصتي ابن عاصم الأندلسي وقصة "ألف
ليلة وليلة".
قصة
ابن عاصم مقتبسة من التنوخي الذي يقول في الفرج بعد الشدة: كَانَ
فِي جوَار القَاضِي قَدِيمًا، رجل انتشرت عَنهُ حِكَايَة، وَظهر فِي يَده مَال جليل،
بعد فقر طَوِيل، وَكنت أسمع أَن أَبَا عمر حماه من السُّلْطَان، فَسَأَلت عَن الْحِكَايَة،
فدافعني طَويلًا، ثمَّ حَدثنِي، قَالَ: ورثت عَن أبي مَالًا جَلِيلًا، فأسرعت فِيهِ
وأتلفته حَتَّى أفضيت إِلَى بيع أَبْوَاب دَاري وسقوفها، وَلم يبْق لي من الدُّنْيَا
حِيلَة، وَبقيت مُدَّة بِلَا قوت إِلَّا من غزل أُمِّي، فتمنيت الْمَوْت.
قَالَ:
فقويَ بذلك قلبِي، وأطلقني الطَّائِف، فَبتُّ فِي بعض الْمَسَاجِد، وَخرجت مَعَ السحر
من مصر، فَقدمت بَغْدَاد، فَقطعت السِّدْرَة، وأثرت تحتهَا، فَوجدت قمقمًا فِيهِ ثَلَاثُونَ
ألف دِينَار، فَأَخَذته، وَأَمْسَكت يَدي، ودبرت أَمْرِي، فَأَنا أعيش من تِلْكَ الدَّنَانِير،
من فضل مَا ابتعت مِنْهَا من ضَيْعَة وعقار إِلَى الْيَوْم.
قصة
السيوطي
وقع
الحافر على الحافر في يقظة الشعر يشبه تطابق الرؤى أو ترادفها أو تكاملها في النوم،
وسنجد قصصًا كثيرة من قصص الصالحين، تتطابق فيها الأحلام أو تتكامل أو تتناصف، هذه
واحدة منها وردت في كتاب المحاضرات والمحاورات للسيوطي:
"وسار
حتى وصل إلى مكة، فلما قضى إربه منها، رجع إلى المدينة، فلما وصل قبر رسول الله صلّى
الله عليه وسلم، قال: السلام عليك يا رسول الله، ثم قرأ عشرًا جمع فيه الأئمة السبعة،
وقال: هذه قراءتي على فلان، عن فلان، عنك، عن جبريل، عن الله تعالى، وقد سألت شيخي
الإجازة فأبى إلا أن أعطيه عشرة دنانير، وقد استعنتُ بك يا رسول الله في تحصيلها، ثم
نام، فرأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال له: سلّم على شيخك، وقل له: الرسول
يقول لك أجزني بلا شيء، فان لم يصدقك، فقل له بأمارة: (زمرا، زمرا) ، فلما وصل الفقير
إلى مصر، اجتمع بشيخه، وبلّغه الرسالة عريّة عن الأمارة، فلم يصدقه، فقال له: بأمارة:
(زمرا، زمرا)، فصاح الشيخ وخرّ مغشيًا عليه، فلما أفاق قال له أصحابه: يا سيدنا، ما
الخبر؟
فقال:
كنت كثيرًا ما أتلو القرآن، فمررت يومًا على قوله عز وجل: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ
الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ
وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ.
فقلت:
ليت شعري، من أي الأقسام أنا. ثم قلت: لست من الثاني ولا الثالث بيقين، فتعيّن أن أكون
من القسم الأول، فنمت تلك الليلة حزينًا، فرأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال
لي: (بشّر قرّاء القرآن، إنهم يدخلون الجنة زمرا زمرا)، ثم أقبل على الفقير فقبّل وجهه
وقال: أشهدكم على أنّي أجزته ليقرأ ويقرىء من شاء أنّى شاء.
قصة
الأذان
ونجد
أمّ هذه القصص كلها في قصة مبكرة في صدر الإسلام تطابقت فيها الرؤى بطلاها هما عبد
الله بن زيد، وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، جاء في الطبقات الكبرى:
عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أن رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ
شَيْئًا يَجْمَعُ بِهِ النَّاسَ لِلصَّلَاةِ، فَذُكِرَ عِنْدَهُ الْبُوقُ وَأَهْلُهُ
فَكَرِهَهُ، وَذُكِرَ النَّاقُوسُ وَأَهْلُهُ فَكَرِهَهُ، حَتَّى أُرِيَ رَجُلٌ مِنَ
الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ الْأَذَانَ، وَأُرِيَهُ عُمَرُ
بْنُ الْخَطَّابِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَأَمَّا عُمَرُ فَقَالَ: إِذَا أَصْبَحْتُ أَخْبَرْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم، وَأَمَّا الْأَنْصَارِيُّ فَطَرَقَ رَسُولَ اللَّهِ
صلّى الله عليه وسلم مِنَ اللَّيْلِ فَأَخْبَرَهُ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله
عليه وسلم بِلَالًا فَأَذَّنَ بِالصَّلَاةِ، وَذَكَرَ أَذَانَ النَّاسِ الْيَوْمَ قَالَ:
فَزَادَ بِلَالٌ فِي الصُّبْحِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ فَأَقَرَّهَا رَسُولُ
اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم، وَلَيْسَتْ فِيمَا أُرِيَ الْأَنْصَارِيُّ.
هناك
قصص كثيرة عن ترادف الأحلام، وتطابق الرؤى، والرؤيا في الإسلام جزء من ستة وأربعين
جزءًا من النبوّة، ومن أشهرها قصة نور الدين زنكي، وقبر الرسول عليه الصلاة والسلام،
وقصة السلطان عبد الحميد الشهيرة بقصة العبد الصالح الذي طلب لقاءه حتى يفي عنه دينه،
ويروي الصالحون قصص رؤى كثيرة متطابقة أو متتامة.
الفرق
بين القصة الإسلامية الأصلية والقصة الغربية المقتبسة أنّ القصة الغربية تسعى نحو الثروة
ونحو الذات أما القصة الإسلامية فالله هو الغاية، والجائزة المالية هي إما سدٌّ للدين
وإما معاش.