تقارير

عمر حسن زعيتر.. الشاعر الخفي الذي ربى لفلسطين الكفاءات

عادل وأكرم.. ابنا الشيخ عمر حسن زعيتر- (أرشيف)

كثيرون هم الذين يبرزون بشخصياتهم، وكثيرون هم الذين عملوا لفلسطين بعد تقسيمات سايكس بيكو، ولكن عمر أفندي زعيتر (أو الشيخ عمر زعيتر الجزائري)، زرع قامتين ثقافيتين سياسيتين عملتا لفلسطين وكان تأثيرهما كبيراً من ناحية توثيق أحداث القضية الفلسطينية أو ترجمة فعالياتها وتثقيف الجيل بالكتب الأجنبية. 

فكان من أبنائه شيخ المترجمين العرب العلاّمة عادل زعيتر، الذي تعلم في إسطنبول ثم في فرنسا حتى الدكتوراه، وقبلها حرص والده على تعليمه عن شيخ اللغة العربية في بيروت الشيخ مصطفى الغلاييني، والأديب السياسي أكرم زعيتر، أشهر من وثّق أحداث القضية الفلسطينية ويومياتها في القرن العشرين وقد تلقى علومه في الجامعة الأمريكية في بيروت، رغم الضائقة المالية التي ألمّت بوالدهما في واخر أيام حياته، حيث توفي عن عمر 52 عاماً فقط. وكان من أحفاده الشاعر مدير مكتب منظمة التحرير في روما وائل زعيتر الذي اغتاله الموساد في إيطاليا عام 1972.

هو آخر رئيس لبلدية نابلس في إبان الحرب العالمية الأولى وبداية فترة الانتداب البريطاني، وعضو مجلس الإدارة العمومي في بيروت، ومن أعيان المدينة البارزين. ولد في نابلس عام 1872، وفقد أباه وهو صبي صغير، فرعاه عمه الفقيه العالم الشيخ محمد زعيتر. وبعد إتمام دراسته الابتدائية، تلقى علوم العربية والفقه على أشهر علماء نابلس، ونال إجازة التدريس من أستاذه العالم الشيخ موسى صوفان القدومي.

عُين مدرساً في المدرسة الرشيدية في نابلس، ورشح نفسه لمنصب الإفتاء في المدينة لكن الحكومة العثمانية عارضت تعيينه في ذلك المنصب. فعُين في محكمة الحقوق في نابلس. وانتُخب عضواً في المجلس البلدي، فعضواً في مجلس إدارة نابلس سنة 1914. ثم انتُخب ممثلاً لنابلس في المجلس العمومي لولاية بيروت سنة 1915. وكان المجلس العمومي أشبه بمجلس نيابي للولاية، وقد أُلّف بعد إعادة الدستور سنة 1908. ثم انتُخب رئيساً للجنة النافعة (الأشغال) والزراعة، وعُرف عنه مطالبته بحقوق منطقته في المشاريع العمرانية. واشترك مع آخرين في تأسيس ما سمي "الجمعية" لمقاومة استبداد الحكومة وذوي النفوذ العائلي الإقطاعي.

عين رئيساً لبلدية نابلس. ولما أحست الحكومة العثمانية في خريف 1918 بالخطر، وقررت سحب الجيش من نابلس، بادر الشيخ عمر إلى إقامة جهاز أمني محكم، وتسيير دوريات أمنية. ثم ألف حكومة عين فيها مديرين للقضاء والأمن والمالية والصحة والمعارف. وعندما احتلت القوات البريطانية نابلس (22/9/1918)، اعترفت بالحكومة النابلسية التي أقامها الشيخ عمر، وظلت هذه الحكومة تتولى سلطاتها حتى تمت إقامة الإدارة البريطانية بعد شهر وأيام. وكان لـ "الحكومة" دور في تخفيف وطأة الحرب عن المواطنين، وتأمين وتيسير أمور أفواج المهاجرين الذين نزحوا من الساحل، ولا سيما من غزة ويافا إلى نابلس هرباٌ من بطش القوات البريطانية.

وفي أثناء رئاسته للبلدية حتى وفاته قام بإنجازات عمرانية واجتماعية وسياسية: إزالة الخلافات بين الأسر، ورص الصف الوطني، والدفاع عن الحقوق الوطنية أمام سلطات الانتداب بشجاعة وقدرة، وتمثيل لواء نابلس في الإعراب للجنة الاستغناء الأمريكية كينغ-كرين عن المطالب الاستقلالية، وتوكيل المؤتمر السوري العام بدمشق في التكلم باسم الأهلين.

قام بنهضة عمرانية تجلت في فتح الشوارع وتعبيد الطرقات وتشجيرها، وإنشاء دار للأيتام، ومدرسة العرفان، وإعداد شبكة توزيع المياه وإنارة المدينة. 

كان له دور كبير في إنشاء المجلس الإسلامي الأعلى، لإدارة الأوقاف الإسلامية والقضاء الشرعي بدلاً من سلطة الانتداب. وقد رُشح لرئاسة المجلس المذكور، ولكنه أيد ترشيح محمد أمين الحسيني مفتي القدس، لهذا المركز.

بقي عمر أفندي في منصبه حتى توفي سنة 1924. بعد مرض قيل إنه السرطان في العنق، وقيل إنه قرحة في الأمعاء، فسهر الأطباء على معالجته شهرا وبضعة أيام، لم تنقطع في أثنائها وفود البلاد عن عيادته والسؤال عنه.

كان الشيخ عمر من العصاميين الذين سادوا بعبقريتهم وشخصيتهم الممتازة، فكان قبلة أنظار الناس في الرجوع إليه لفضّ مشاكلهم، وخدمتهم بنفسهم وماله ونفوذه. وكان في مجالسه للناس أنيس العشرة، حلو الحديث، لين الجانب.. وكان وطنياً غيوراً، وحكيماً رزيناً، أكسبته هذه الصفات المحمودة محبة الأهلين واحترام الحكام في وقت واحد. ولعل خير ما تركه من الآثار النافعة، إنشاء مدرسة الأيتام في نابلس، فكان، رحمه الله، يسهر عليها ويشملها بعطفه وعنايته. 

قال عمر عادل: قيل لي من الأهل والأقارب أن المنظر المؤلم الذي يفتت الأكباد، هو منظر تلامذة مدرسة الأيتام، التي كانت تضم ما يزيد على مئة يتيم ويتيمة، وهم يسيرون أمام النعش يحملون الأكاليل وينشدون:

مولاي يا ربَّ البشر         ندعوك والقلب انكسر
بالعفو والغفران جُد             لـفقيد نابُلسٍ عُـمَر 

أما عن شعره، فهو محدود وغير مطبوع، ولكن المطارحات الشعرية كانت تجري في مجلسه وكان يشارك فيها شخصياً. منها ما ذكرته في مقال سابق عن والد الشاعر عبد الرحيم محمود، الشاعر محمود عبد الحليم.

 

*كاتب وشاعر فلسطيني