قضايا وآراء

الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي.. بين الشعوب والحكومات

1300x600
المنظمات الدولية عموما تتشكل من دول، وهذه الدول تعمل لصالح هذه الدول، وبعضها يستفيد من المنظمات الدولية بصفتها قنوات دبلوماسية لإعلاء مصالح هذه الدول.

وقد كان صديقنا د. حسن نافعة مغرما بالمقارنة بين الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي، وهو يرى أن الجامعة أكثر تأهلا من الاتحاد الأوروبي بالتكامل والتضامن، وكان يتمنى أن تتحول الجامعة العربية إلى شكل متقدم مثل الاتحاد الأوروبي.

والحق أن فهم المعادلات السياسية يجنب الباحث الضياع في المقارنات والتفاصيل، ولذلك فإننا في هذه المقالة سنوضح هذه المعادلات السياسية الواضحة والتي لاعلاقة لها بالاجتهاد والتخمين.

المعادلة الأولى هي أن سوسيولوجيا المنظمات الدولية عامل حاسم. ويقصد بهذا المصطلح نوعية المجتمعات والشعوب التي تتشكل منها الدول؛ أعضاء المنظمات الدولية.

فالاتحاد الأوروبي يضم دولا تضم مجتمعات ذات ثقافة ديمقراطية، وهو العامل الذي يوحد أوروبا، وهي حريصه جدا على الممارسات الديمقراطية ولذلك تعاقب أوروبا أي نظام يجرؤ على التعدى على الديمقراطية بالطرد من أسرة الأمم الديمقراطية.

فالناظم لكل أوروبا هي الديقراطية، ولذلك يتم التمييز بين الدولة والحكومة التي يشكلها الشعب بالانتخاب الحر، وهي متغيرة وتجتهد في خدمة الناخبين في مناخ الحرية السياسية والتنافسية واستقلال السلطات وتعاونها وفق القانون، ولذلك فالدول قائمة ومزدهرة بفضل الديمقراطية التي تمارسها الحكومة والشعب والمؤسسات ونظام المحاسبة السياسية والقضائية والإعلامية.

ولذلك تعمل الدول والحكومات في الداخل والخارج لصالح الشعوب، بل إن المؤسسات الأوروبية أصبحت تراقب السلطات الوطنية. فالمواطن الأوروبي في أي دولة يتمتع بحقوقه بضمان الدستور الوطني ثم بضمان المؤسسات الأوروبية. في هذا المناخ الديمقراطي الذي يتمتع بآليات المحاسبة والتغيير السلمي لم تعد هناك ضرورة للثورات، فهذه الثورات الشعبية تحدث في حالات انسداد قنوات التعبير والتغيير.

المعادلة الثانية هي أن الدولة الديمقراطية تشكل المنظمات الدولية الديمقراطية، والمنظمات الدولية هي تكريس للحالة الديمقراطية على كافة المستويات. وهذه المنظمات تتمتع بالشفافية والفعالية ولذلك تضمن الدول الأعضاء أن الأغلبية لن تجور على الأقلية خارج دائرة ميثاق المنظمة، كما حدث في الجامعة العربية مع مصر عندما تم وقف عضويتها ونقل الجامعة وفرض عقوبات شاملة على عليها؛ والهدف هو الضغط على مصر للتراجع عن الصلح المنفرد مع إسرائيل، مع العلم أن بعض الدول العربية المتحمسة لمعاقبة مصر ساعدت هذا الاتجاه لأنها تأتمر جميعا بالتعلميات الأمريكية. والغريب أن واشنطن هي صاحبة سحب مصر من العالم العربي وتزويج مصر لإسرائيل زواجا كاثوليكيا، فلماذا سمحت واشنطن بمعاقبة مصر من جانب صبيانها؟

وحدث نفس الشيء في منظمة المؤتمر الإسلامي، حيث علقت عضوية مصر فيها خمس سنوات. وكانت مصر تزداد تمسكا بكامب ديفيد والتقارب مع إسرائيل وضرب الصف العربي.

المعادلة الثالثة هي أن الدكتاتورية هي اللُحمة التي تجمع الدول العربية، وتتضامن هذه الدكتاتوريات وهي التي شكلت الجامعة العربية وعينت الأمين العام ورسمت له الطريق الذي يسير فيه.

فالجامعة كسائر المنظمات الدولية جامعة حكومات في صراع مع شعوبها، ولا تميز بين الحكومة والدولة. فعندما ثارت الشعوب العربية كان ذلك تهديدا لقبضة الحكام عليها، وهدفها تغيير الظروف التي أدت إلى الانفجار.

وكان طبيعيا في هذا المناخ أن الجامعة هي ناد للحكام المعادين لشعوبهم والقابضين على السلطة ويمارسون القمع والفساد، ويعتقدون أن هذه الثورات هي حركات للتغبير بإزاحة الحكام المستميتين على السلطة. ثم إنها تفتقر إلى الوطنية، كما أنها مدفوعة بمؤامرة خارجية، ولا بد للحكام أن يتكاتفوا للدفاع عن بقائهم. وكان طبيعيا أن الجامعة العربية ضد الشعوب وثوراتهم، ومع الحكام الذين يشكلون الجامعة، وقد لعب الأمين العام خلال ثورة يناير دورا ضد الثورة ويتماشى مع كونه من النخب الحاكمة التي قامت ضدها الثورة.

فليس غريبا أن تنحاز الجامعة العربية للحكام ضد الشعوب على أساس أنها تجمع للحكام المستبدين القابضين على السلطة ضد الشعوب.

فالفروق واضحة مع الاتحاد الأوروبي وهو تنظيم حكومات لكنها ديمقراطية، ولذلك لا يُتصور ثورات أصلا. كما أن الجامعة تدافع عن أعضائها ضد أعدائهم وهي الشعوب العربية، فليس هناك غرابة في هذه المعادلات الرياضية المرتكزه على حقائق وليس أوهاما.

وطبيعي أيضا أن تدين الجامعة المقاومة ضد إسرائيل وتشجع على التطبيع ما دامت أكثر الدول الأعضاء فاعلية تقيم أفضل العلاقات مع إسرائيل، وهذا يؤدي إلى البعد عن القضية الفلسطينية بقدر التقارب مع إسرائيل.