قضايا وآراء

قصص الرسل والرسالات في القرآن (1)

1300x600
تحتل قصص الرسل ورسالاتهم ودعوتهم وعاقبة الأقوام التي كذبت بالرسالات حيِّزاً كبيراً لافتاً في القرآن الكريم، وتهدف هذه القصص إلى تثبيت أفئدة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والمؤمنين: "وَكُلاّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ"، "أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ".

أهم ما يتميز به الرسل تجاوز الهمِّ الشخصي والأنانية إلى الهمِّ العامِّ وامتلاء قلوبهم بشاغل إنقاذ الناس وهدايتهم وتحمل الابتلاء في سبيل دعواتهم: "الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله"، "وما على الرسول إلا البلاغ المبين"، "وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ".

ويوجز القرآن مهمة الرسول بأنها إخراج الناس من الظلمات إلى النور وتزكية نفوسهم وتعليمهم الكتاب والحكمة، فأكثر الناس حائرون غارقون في ظلمات التيه والعمى، تمزقهم صراعات الدنيا وتحرقهم نار العداوات، فتقع رسالات المرسلين في القلوب الحية مثل ماء الغيث في الأرض البور فيحييها.

وفي المستوى الجماعي فإن مهمة الرسل دعوة الناس إلى إقامة العدل بينهم: "لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ".

لذلك فإن حاجة الناس عبر التاريخ إلى الرسل هي حاجة الجسد الميِّت إلى الروح: "وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا". إن الناس بدون الرسل قد يعمرون الأرض ويستكثرون من المال والسلطان لكن بصائرهم منطفئة يسيرون في الدنيا بغير هدىً ولا كتاب منير.

ويلفت الله تعالى الأنظار إلى أن "الرسل والرسالات" تمثل قانوناً تاريخياً دائباً:

"سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا"، "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ"، "فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ"، "وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ"، "وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَٰكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ".

وإذا كان الرسل الذين يتنزل عليهم الوحي قد ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم، إلا أن حقيقة الرسالات لا تزال باقيةً في الأرض ما دام الناس يعمرونها، فعِلَّة الرسالة مرتبطة بالاجتماع البشري، لذلك سمَّى القرآن قوماً آخرين ليسوا رسلاً يوحى إليهم لكنهم يقومون بمهمات الرسول: "الذين يأمرون بالقسط من الناس".

وقد أمرنا الله تعالى أن نكون قوامين بالحق شهداء بالقسط، وهذا جوهر رسالات المرسلين:

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ"، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ".

إن كلَّ من يخلص قلبه ويكرس حياته من أجل دعوة إلى حق وعدل فقد أوتي حظاً من الرسالة، ولمَّا كانت الرسالات تمثل قانوناً تاريخياً مستمراً فإن هناك خصائص عامةً تنظُمُ الرسالات في نسيج واحد متجاوزٍ لاختلاف الزمان والمكان والثقافة، وهذا ما يلاحظ في القرآن أنه يتناول قصص الرسالات تناولاً سننياً جامعاً، فهي ليست قصصاً مفككةً متناثرةً في أزمنة وأقوام مختلفين، بل تخضع لقوانين واحدة تتجلى في أحداث متعددة.

سورة إبراهيم:

مع أن قصص الرسل تذكر في مواطن كثيرة من القرآن، إلا أن ما يميز تناولها في سورة إبراهيم أنه يظهر بوضوح وحدة القانون المتجاوزة لاختلاف الزمان والمكان، ففي سورة إبراهيم تحديداً يسقط السياق تباعد الزمان والمكان ويجمع المرسلين في فريق واحد في مواجهة المكذبين في فريق واحد، وذلك لتشابه قلوب كلا الفريقين، فلا قيمة لاختلاف الزمان والمكان.

في سورة إبراهيم، يجمع الله تعالى الرسل عبر التاريخ في صعيد واحد فيقولون قولاً واحداً:

قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ".

فترد الأقوام الكافرة عبر التاريخ بقول واحد: "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ".

بلسان قومه ليبين لهم:

"وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ".. هذه الآية من سورة إبراهيم تفيد في معناها المباشر أن الرسل يرسلون بلغات أقوامهم، فإذا كان القوم يتحدثون العربية كان الرسول عربي اللسان، وإذا كانوا يتحدثون الصينية فالرسول صيني اللسان، وهذا القانون ثابت في الرسالات، لكن المعنى المباشر لا يبدو كافياً، إذ من البديهي أن يتحدث كل رسول إلى قومه بلغتهم، والمعنى الأبعد هو أن يأتي الرسل أيضاً من اللغة الثقافية لعصورهم وأقوامهم. وكما أن هناك لغةً لسانيةً فإن هناك لغةً مفاهيميةً تختلف من أمة إلى أمة ومن زمان إلى زمان، ومن أراد أن يبشر بالهدى في قوم فلا بد أن يفهم مفاتيح نفوسهم ونُظُم أفكارهم حتى يكون قادراً على جسر الهوة معهم، ولكل زمان وحضارة أسئلة واهتمامات مستجدة تقتضي التعامل معها وتقديم إجابات شافية عليها.

يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم

من التعبيرات النموذجية التي تتكرر في القرآن على ألسنة الرسل والدعاة مخاطبتهم أقوامهم: "يا قوم إني أخاف عليكم"، وهذه الكلمة تفيض بالرحمة وحبِّ الخير، وهو منطلق نفسي ضروري في علاقات الرسل والآمرين بالقسط مع الناس، فلا يصح أن يكون الداعية متحاملاً على قومه أو حاسداً لهم على متع الدنيا أو مشحوناً بمشاعر الكراهية والانتقام.

دافع الرسالة هو الحب ونبل النفس، والرسول لا بد أن يكون مكتملاً روحياً لا يشعر بالحاجة إلى الناس، بل يفيض عليهم من الرحمة ويحب لهم أن يتذوقوا حلاوة الهدى الذي تذوقه، وأن يشرق عليهم النور الذي ملأ قلبه: "ليخرجهم من الظلمات إلى النور". ولا يمكن أن ينال شرف الرسالة شخص معبأ بالأحقاد والتعصب يريد أن يحمل الناس كرهاً على اعتناق ملته.

وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ

هذه أيضاً من التعبيرات النموذجية التي تتردد على ألسنة المرسلين والدعاة في القرآن، وهي مسألة مهمة في تجريد الرسالات من أي شبهة انتفاع شخصي، وليكون ذلك أقرب إلى طمأنينة الناس، وفي سورة يس عدَّ الرجل المؤمن هذه المسألة مقياساً على صدق المرسلين: "اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ".

إن صاحب الرسالة الذي يريد أن يثق به قومه ويتبعوا الهدى الذي يحمله؛ عليه أن يحذر من اتخاذ الرسالة مغنماً، لأن ذلك سيخلط بين الدعوة المجردة وبين المنافع الشخصية، أما حين يتجرد صاحب الرسالة إلى دعوة الحق الخالصة ويفني عمره فيها والناس يرون أنه لا ينتفع من ذلك شيئاً لنفسه، فإن هذا أدعى للتصديق.

إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلاً

حين تتنزل الرسالات على أصحابها فإنها لا تلامس أهواءهم أو تجيء على انتظار وتشوق منهم، يظهر هذا في القرآن في مشهد تنزل جبريل عليه السلام للمرة الأولى على محمد في غار حراء حين آوى إلى زوجته خديجة طلباً للأمان والراحة، فنزلت عليه سورة المزمل: "إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلاً"، ويظهر أيضاً في مشهد اصطفاء موسى حين ألقى عصاه فخاطبه الله تعالى: "خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ"، وجواب موسى عليه السلام: قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ.

دلالة تفاعل الرسل في لحظة تلقي الرسالة يبين شعور الرهبة وثقل الإحساس بالمسئولية الملقاة عليهم، فالدعوة والرسالة ليست حالة لهو وخفَّة يمارسها صاحبها لتحقيق مكانة اجتماعية أو لملء فراغ نفسه أو لاستعراض قدراته البلاغية، بل إنه يقرر خوض هذا الطريق وهو يرتجف رهبةً، وهو ارتجاف يتناسب مع تنزل الروح. وقد روي عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لحظة تنزل الوحي عليه أنه يكون ثقيلاً وشديداً عليه، فيثقل جسمه ويسخن، حتى يتصبَّب منه العرق في أيام البرد.

أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ

يسجل القرآن استنكار الأقوام المكذبة لكون الرسول واحداً منهم وأنه يعز عليهم اتباع بشر مثلهم: "أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ"، "قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا".

وفي موضع آخر يتساءلون لماذا لم ينزل الله ملائكةً لدعوتهم: "مَا هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً".

وكذلك ينكر الأقوام المكذِّبون أن يخالطهم الرسول في حياتهم الاجتماعية: "وَقَالُوا مَالِ هَٰذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ۙ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً".

مثل هذه الاعتراضات تؤشر على حقيقة نفوس البشر أنهم ينتظرون أن يأتي التغيير معلباً أسطورياً وليس من داخل شروط المجتمع الإنساني، لذلك كان من أسئلة كفار قريش وكفار الأقوام السابقة: لماذا لا ينزل ملك من السماء ولماذا لا يتنزل القرآن جملةً واحدةً؟! والحق الذي غفلوا عنه أن تنزل القرآن مفرقاً أنسب لمكابدته ولإنضاج التجربة الإنسانية عبر الأحداث والمواقف..

إن أكثر الناس يدَّعون أنهم يريدون التغيير، لكنهم يظنون أن التغيير قد يحدث بطريقة أسطورية أو عبر معجزة ما، ونرى أثراً من هذه الطريقة في الثقافة الشائعة بين المسلمين إذ يدعون الله أن يرسل إليهم صلاح الدين أو قائداً ربانياً.

لكن سنة الله في التغيير أنه يبدأ بدايات طبيعيةً لطيفةً من داخل المجتمعات ثم ينمو ويستوي على سوقه، وقد يتورط نفس الذين ينتظرون التغيير بمحاربة طلائع التغيير لأنهم لم يتفطنوا إلى سنن الله كيف يبدأ الخلق. إنهم بينما ينتظرون أن يأتي التغيير على يد فارس يمتطي صهوة جواده ويشق الضباب ويظهر فجأةً، فإن الله تعالى يودع الرسالة في قلوب بسطاء عاديين يعيشون نفس شروط حياتهم الاجتماعية.

لذلك كان جواب الرسل على أقوامهم من جنس اعتراضات تلك الأقوام: "إن نحن إلا بشر مثلكم"، "إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي"، "وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ".

فالبشرية ليست منقصةً في حق الرسل كما ينظر إليها المتكبرون، بل هي تأكيد على الطبيعة الواقعية للرسالة.

أَهَٰؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا

من الأمراض القديمة الجديدة في المجتمعات الإنسانية مرض التمييز الطبقي، واستعلاء فئة من الناس على الآخرين بما يملكونه من مال وسلطان ووجاهة، وهذا المرض مناقض لميزان العدل في الوجود: "خلقكم من نفس واحدة"، وقد تمثل جوهر الرسالات عبر التاريخ بمحاربة استعلاء الناس بعضهم على بعض والدعوة إلى كلمة السواء: "يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أربابا من دون الله".

ولأن استعلاء الناس بعضهم على بعض ينقض أصل العدل والدين فإن الله تعالى يأبى أن يقرَّ هذا الباطل، فاقتضت حكمته تعالى أن يصطفي رسله ودعاته وعباده المؤمنين من المستضعفين الذين لا يؤبه بهم: "وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ". ليكون في ذلك إحقاق للحق وفتنة للمستكبرين: "وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ".

وقد سجَّل القرآن ازدراء المكذبين للرسل وأتباعهم لاعتبارات طبقية:

- "لَوْلا نـزلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ".

- "وَكَذَٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولُوا أَهَٰؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بالشاكرين".

- "أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ ولا يكاد يبين".

- "فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ".

- "وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً وأحسن نديَّاً".

- "وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ".

في هذه الأقوال يظهر المكذبون اعتبارات الوجاهة والمال والطبقة الاجتماعية لتبرير كفرهم برسالات الرسل، وهذا الموقف يظهر فرط جهلهم واستكبارهم، إذ إن الله تعالى لا يرسل الرسالات لتعزيز أمراض النفوس والمجتمعات، والمقياس الحقيقي لتفاضل الناس هو مقياس داخلي يتعلق بسرائر نفوسهم: "أليس الله بأعلم بالشاكرين"، "الله أعلم حيث يجعل رسالته"، أما المظاهر الخارجية فهي ساقطة في ميزان الحق لا وزن لها.

هذا القانون مستمر في كل زمان، وما أكثر الذين ينظرون إلى شخص القائل وطبقته وموقعه المجتمعي وصفته الأكاديمية أكثر مما ينظرون في مقوله ورسالته، وكل من يفعل ذلك فهو على طريق المكذبين من الأقوام السابقة الذين صدهم احتقار الأشخاص عن اتباع الحق: "وجعلنا بعضكم لبعض فتنةً أتصبرون".

ما هي الأسباب الاجتماعية التي تدفع الأقوام إلى الكفر بالرسالات ومحاربة الرسل؟

يتبع..

twitter.com/aburtema