لبنان: هل يداوي اللقاح الروسي كورونا الحكومة اللبنانية المستعصية؟

بعد صرخة بكركي وسيدها المدوية في برية السياسيين الغارقين في وحول السياسات الفئوية والمذهبية وتداول المحاصصة لا السلطة وان عبر الانتخابات، حيث القوانين المعلبة والتي تأتي على الطلب والتي ستكون حولها صرخات وقبضات ومطالبات في الأيام القادمة، وحيث الانتخابات الفرعية المعطلة بفعل كورونا قد تكون مدخلا لتأجيل الانتخابات التشريعية القادمة في ظل المراوحة الحكومية القاتلة، وصولا الى الصراع على أبسط التفاصيل البسيطة لانتشال وطن يعيش مأساة حقيقية وشعب بات حلمه الحصول على كيس حليب مدعوم السعر أو قنينة زيت بسعر مخفض.. بعد كل ذلك وللأسف، تقلصت أحلام أبناء هذا البلد الى حدود دنيا قد لا يبلها حبيب أو حتى عدو.

صرخات وطنية بامتياز

لقد وصلت الصرخة الأولى من البطريركية بالقول لا تسكتوا عن جملة أمور، وفي مقدمتها العدالة الاجتماعية وجوع الناس، ليلاقيها قائد الجيش بصرخة مدوية من اليرزة بخطاب عقلاني ومتقن وواضح المعالم لكل أصحاب الشأن وفي مقدمتهم كل السياسيين. خاطب القائد عون المسؤولين السياسيين سائلا إياهم: "إلى أين نحن ذاهبون؟ ماذا تنوون أن تفعلوا؟ حذّرنا أكثر من مرة من خطورة الوضع،" وفي ذلك سؤال وجواب في آن.

لقد صرخ قائد الجيش بحرقة واصفا أوضاع العسكريين والمدنيين وكل اللبنانيين المتعبين بقوله: "الشعب جاع، الشعب فقر.. والعسكري أيضاً يعاني ويجوع". وعبّر كذلك عن رفضه الانتقادات الموجّهة إلى الجيش لقبوله مساعدات خارجية، مشدّداً على أنه "لولا هذه المساعدات لكان الوضع أسوأ بكثير". لقد دقّ القائد عون ناقوس الخطر، سائلاً بكل صراحة السياسيين: هل تريدون للبنان جيشاً قوياً وقادراً أم لا؟ وكانت رسالته واضحة ومفادها: اتخذوا قرارات تحظى بصدقية وإلا فلا تعتمدوا على الجيش في لعب الدور الأمني. وتلكم بيت القصيد القادم، أن الجيش من الشعب ودرعه وحاميه وحامي الديمقراطية والتعددية السياسية، وتاليا لا تعتبروا الجيش إلا في صف الناس.

ومع ازدياد الاستياء الشعبي قد لا يستطيع السياسيون التعويل على الجيش لحمايتهم في وجه المتظاهرين الذين يصرخون جوعا لرغيف قد لا يصبح في متناول الناس مع ارتفاع أسعار برميل النفط عالميا، وأسعار الدولار التي تحلق في أسعار تفوق العاشرة آلاف و800 ليرة للدولار الواحد، يئنون من أسعار المواد الغذائية التي جن جنونها في السوبرماركت لتقتل الناس في مهدهم برواتب هزيلة، حيث الراتب لا يكفي أياما قليلة وباقي الشهر المعيشة بيد الله.

موسكو حاضرة للقاء الصرخات

تلك الصرختين ربما تؤتي أكلها لإنتاج حكومة في وقت قريب إذا صدقت النوايا مع حركة اللواء عباس إبراهيم الممزوجة مع قوة الدفع الروسية من خلال اللقاءات في أبو ظبي مع الرئيس المكلف، ومن خلال بيان الخارجية الروسية الذي جاء واضحا حيث يؤكد البيان بأن موسكو تدعم بلا شروط تشكيل حكومة مهمة من التكنوقراط من 18 وزيراً من دون حصول أي طرف على الثلث الضامن. ولفتت إلى أن موسكو تتبنى المبادرة التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإنقاذ لبنان، وقالت إنها تتواصل عبر قنواتها الدبلوماسية مع الأطراف اللبنانيين وتنصحهم بضرورة الإسراع في تشكيل الحكومة، وإنه لا مصلحة لأحد في الداخل بتأخير تشكيلها لما يترتّب عليها من ارتدادات سلبية ستُلحق الضرر بالجميع، وستؤثر سلباً على الوجود المسيحي.

وعلى أمل أن تكون الحركة الدبلوماسية الروسية الآخذة في الصعود لبنانيا ذات جدوى، أُعلن من مصادر دبلوماسية مطلعة في العاصمة الروسية أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف سيلتقي نهار الاثنين المقبل وفداً من حزب الله اللبناني سيصل موسكو مساء الأحد. ووفق المصادر، فإن رئيس كتلة "الوفاء" النيابية محمد رعد سيرأس الوفد، وسيرافقه في الزيارة أيضاً مسؤول العلاقات الدولية بالحزب عمار الموسوي. وإلى جانب المحادثة مع لافروف في مقر الخارجية الروسية، سيجري الوفد في نفس اليوم محادثات معمقة مع نائب الوزير والمبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط، ميخائيل بوغدانوف، الذي يعتبر من العارفين في السياسة اللبنانية وزواريبها. ومن المتوقع أن يناقش وفد حزب الله في موسكو جملة من القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وفي مقدمها الملف السوري، إضافة إلى الملف الداخلي اللبناني الذي ستكون له حصة الأسد، في محاولة روسية واضحة لفتح كوة أساسية في جدار الحكومة، وكأني بالخارجية الروسية تحمل لقاحا من نوع سبوتنيك الدبلوماسي لمعالجة كورونا الأزمة الحكومية المستعصية ضمن آلية حل تنقذ بلد على شفير الانفجار الاجتماعي والاقتصادي.

بين عمل موسكو وتحذيرات باريس

السوابق لا تبشر بالخير الكثير، حيث الشياطين دائما في التفاصيل، ولا أدل على ذلك من كلام ناظر الخارجية الفرنسية السيد جان إيف لودريان المتصاعد منذ كلامه عن خطر زوال لبنان، مرورا بلبنان التيتانيك التي تغرق والسياسيين المنفصلين عن الواقع الغارقين في واد والناس في واد آخر، وصولا مساء الخميس إلى قوله إن الوقت ينفد أمام جهود منع انهيار لبنان، وإنه لا يرى أي بادرة على أن السياسيين يبذلون ما في وسعهم لإنقاذ بلادهم. وأضاف: "أميل لاعتبار السياسيين اللبنانيين مذنبين بعدم مساعدة بلد في خطر".

وأكد لودريان مضبطته للسياسيين اللبنانيين التي يعرفها الروس جيدا بقوله: "جميعهم تعهدوا بالعمل على تشكيل حكومة لا تقصي أحدا، وتنفيذ إصلاحات ضرورية. كان ذلك قبل سبعة أشهر، لكن لم يحدث أي شيء. أعتقد أن الأوان لم يفت لكن لا مجال للتأجيل قبل الانهيار".

إن السؤال المستجد الآن هل يكون اللقاح الروسي الدبلوماسي علاجا ناجعا للأزمة اللبنانية؟ خاصة بعد صرخة الناس في الشارع وصرخة سيد الصرح في بكركي، وصرخة قائد الجيش المدوية إلى جانب أبنائه العسكريين والمدنيين في بلد المتعبين.