قضايا وآراء

نظرة إلى ساسة وسياسة بأمل.. إحقاق الحقّ وبعث الأمل

1300x600

في أزمنة وأمكنة، وفي أزمات وصراعات وحروب وجائحات.. برز ساسةٌ على درجة عالية من الكفاءة والمعرفة والوعي والإخلاص الوطني والقومي، والانتماء الصُّراح لأممهم وأوطانهم.. خاضوا معارك  وتجارب كثيرة، وامتلكوا حِنْكَة وخبرة، واستخدموا قدراتهم بذكاء، ووضعوا كل طاقتهم في خدمة أوطانهم وشعوبهم ومصالح بلدانهم بمسؤولية واقتدار.. بعضهم استند إلى القوة ففرض ما أصبح "حقاً؟!" وأعلى شأن نفسه ومصلحة بلده وشعبه بأسلوبه.. وبعضهم استمدَّ من الحقِّ قوة ومن عدالة قضيته ونضال شعبه سنداً فنجح في تحقيق أهدافه أو وضع ما تبناه ودافع عنه من أهداف وقضايا في بؤرة الاهتمام وموضع النظر، فانتصر أو كان قاب قوسين أو أدنى من إحراز انتصار، بديبلوماسية وحكمة سياسية وبأسلوبه أيضاً.. وكل من هذين الفريقين الناجِحين:

ـ إمَّا تملّص من الأخلاقي والقيمي والإنساني بدهاء، متلاوذاً بشرعنة القوة، وبمقتضيات مصالح شعبه ووطنه التي رفعها فوق الحق ورآها العدل، أو تذرع بالحقوق والحريات والسلم والأمن الدوليين وفق مفهوم ومنظور ورؤية.. و.. و.. 

ـ وإمَّا استعان بالأخلاقي والإنساني والحَقَّانيّ والعادل، وبحق الشعوب في تقرير مصيرها والأوطان بالاستقلال والسيادة لتتقدم وتزدهر في ظل الحرية والتحرر من الاستعمار والعبودية.. وأوصل موضوعه ووضع قضيته، بمنطقه وخطابه وصدقه وأسلوبه، في مرآة الوجدان الجمعي، وصولاً إلى بلوغ أهداف شعبه ووطنه. 

وكل من الفريقين أحسن استخدام معرفته ووعيه، وكلٌ أحسن "الهجوم أو الدفاع"، وحاجَج وناور وراوغ ونجح.. وأصبح ممن سَّمّيوا أو وُسِموا بالدُّهاة في المجال السياسي.. وصاروا قدوة وأصحاب مذاهب وأساليب ومناهج، ولهم تلاميذ وأتباع.. 

وخَلَفَ من بعدهم خَلف استبدلوا الخبيث بالطيب، واستعاضوا عن الكفاءة والمعرفة والوعي والانتماء "بالشَّطارة"، وقدموا مصالحهم على مصالح الأوطان والشعوب، واستباحوا الخبائث والعبث بالقيم والمفاهيم والحقوق والحريات، واللعب على المصطلحات، والرقص على الحِبال، مقدمين النجاح الخاص على العام بأية وسيلة، بعيداً عن المبدئي والأخلاقي والقيمي والحقَّاني والعادل والإنساني و… فهبطوا بالمستويات السياسية الوطنية والقومية، وبأسلوب والخطاب والحِجاج إلى درك العنصري والوحشي والإرهابي والدموي والكيدي والفِتنَوي، "العرقي والديني والطائفي".. ففسدوا وأفسدوا، وشكلوا "مجمع الفاسدين" الذي يعج بالبائسين روحياً وأخلاقياً وإنسانياً، وبالعنصريين الكارهين الكريهين، والأثرياء الجشعين، والطغاة الدمويين، وبالنهابين واللصوص والفوضويين وقطاع الطرق ومصاصي الدماء..

فكثُرُ في أوساط السَّاسة والمسؤولين ومستشاريهم والموالين لهم والمستفيدين منهم، والإعلام الناطق باسمهم، الرَّاتع في الرأي العام تضليلاً وتحشيداً حسب طلبهم ووفق ما يخدمه ويخدمهم.. وكَثُر مَن ينتهكون الحقوق والحريات العامة والشرائع والدساتير والقوانين، ويستهينون بالعقول والقيم، ويعبثون بالمفاهيم والمعايير والنُّظُم، ويستبيحون، إذا اقتضت مصالحهم، استثارة والغوغاء في المجتمعات وما لا ينبغي أن يُثار من غرائز بدائية وفوضى مدمرة وشعبوية فاشية، وأن يستثمروا في الفساد والإفساد والتطرف والإرهاب غير عابئين بشيء، لأن ما يهمهم هو ذواتهم ومصالحهم ونفوذهم ونرجسيتهم وبقاؤهم فوق رقاب العباد.. 

وظهر بين أولئك مَن يفتعلون الحوادث ويخلقون الأزمات ويستثمرون في المصائب وينشرون الأكاذيب، ليستقر في أذهان الناس عنهم ما يحلو لهم أن يستقر، وليَسوقوا الجموع في الاتجاهات التي تنفعهم حتى لو كان في ذلك معاناة وإنهاك وهلاك للكثيرين، غير آبهين بالإنساني والحقَّاني والعادل وبمصالح الوطن والمواطنين.. لأن هدفهم الأعلى وهمهم الأول أن يبقوا في السلطة ويُحْكِموا التسلُّط ويَشْكُموا الناس بأي أسلوب ووسيلة، وتحت أية ذريعة ابتداءً من الافتراء والظلم والاستبداد والقهر والفساد والإفساد وانتهاءً بالترهيب والتجويع والتركيع والقتل. 

 

هناك في دائرة كبار الكبار من أولئك " الشُّطَّار" مَن يخون شعبه ووطنه وقضايا أمته، وينتهك الحقوق والحريات والحُرمات والمُحرَّمات، وينهب ويُفقِر ويُرهب ويُدمِّرُ ويُشرِّد ويَسجُن ويقتُل، ويستقطب الفاسدين والملفوظين من المجتمع "أخلاقياً واجتماعياً وإنسانياً" ويحميهم ويسلِّطُهم فيُعلو بهم ويعلون به ويعيث في الأرض فساداً..

 



ومن سِمات هذه الكثرة وصفاتها أن "شُطَّارها يبطنون غير ما يظهرون، ويخادعون ويتخادعون، ويلفُّون ويدورون، ويلغِّمون الأقوال والأفعال، ولا يعملون بما يقولون، ويفعلون غير ما يعلنون، ويتبادلون نفاقاً وهم يعلمون، ويُموِّهون أهدافهم ويراوغون، ويلوون ألسنتهم بالكَلِمِ لإشاعة الالتباس في الأسماع والأفهام، ويمكرون مكر السوء، وغالباً ما يقع مكرُهم السيئ على الشعوب والأوطان والضعفاء والطيبين والأبرياء من الناس فيدفعون ثمن "شطارة الشُّطَّار" من أمنهم وقوت يومهم ودمهم وحياتهم.

والعجب العُجاب أن يبقى كثير من أولئك "الشُّطَّار" فوق، في الأعالي بمنجاة من السؤال والحساب، ويظلون يقتادون الناس من حاجاتهم وضروراتهم ومعدِاتهم وأنوفهم إلى الذل والموت؟! ومن مزيد العجب العُجاب أنه رغم هذا الظلم والخبث والكيد والفساد الذي يمارسون يمجّدهم أناس ويرتفعون أكثر فأكثر كلما ازدادوا طغياناً وتَسلُّطاً وظُلْمَة وظُلماً، وكلما كَثُرَتْ ضحاياهم وعَظُمَت جرائمُهم وولَغوا في الدَّم. 

وهناك في دائرة كبار الكبار من أولئك "الشُّطَّار" مَن يخون شعبه ووطنه وقضايا أمته، وينتهك الحقوق والحريات والحُرمات والمُحرَّمات، وينهب ويُفقِر ويُرهب ويُدمِّرُ ويُشرِّد ويَسجُن ويقتُل، ويستقطب الفاسدين والملفوظين من المجتمع "أخلاقياً واجتماعياً وإنسانياً" ويحميهم ويسلِّطُهم فيُعلو بهم ويعلون به ويعيث في الأرض فساداً.. وينتقل بهذا من المحلية إلى الإقليمية فالعالمية، ويدخل السوق السياسية الكُبرى، وتُصبح له مكانة في الدوائر العُليا من الأثرياء والمجرمين ومصَّاصي الدماء حيث يُحْمى ويُستغل ويصبح عجينة في تلك الطينة.. وهناك يبيع ويشتري، ويتعاون مع مَن يُفْتَرَض أنهم أعداء شعبه ووطنه وأمته وأعداء الإنسانية، ويتحالف معهم ويتآمر وإيَّاهم حتى على وطنه وشعبه وأمته، فيلمَع برقُه ويسطعُ نَجْمُه ويصبح هامة وقامة بفعل إعلام شركاء نافذين وإعلام ممنْهج يصنع الأهاويل.. 

وحين يتربَّع في مكانه من ذلك الفضاء العالمي ويتموضَع في مركز من مراكز الوهج، تتشكل حوله هالة يصعُب الاقتراب منها والتَّجاسُر عليه وهو فيها، ولا تطاله حتى رشقة بوردة ممن يعارضونه أو يناوئونه أو.. ويبقى بعد أن باع واشترى وخان وأثرى وأشرقَ وبَغا وطَغا وغيَّر جلده وأصبح منتمياً لعرق ولون آخر غير عرقه ولونه.. يبقى في وطنه وشعبه وأمته: "الآمر الناهي، والحاكم القاهر، والمُبهِر الباهر، يُحَلِّق بأجنحته "الخفَّاشيّة" فوق التاريخ والجغرافية التي يُحشَر فيها شعبُه وأبناءُ أمته مِمَّن كان منهم وانسلَخ عنهم، وصار لا ينتمي إليهم ولا ينتمون إليه.. ويفعل ويفعل ويبقى فوق رقاب الناس ويبقون هم بيده قيد المُساومة عليهم والمُساءلة لهم حتى عن أنفاسهم وعما تخفيه صدورُهم، فهو "ربُّ الدنيا والآخرة"؟!. 

 

مِن بين السّاسة والمسؤولين، في كل زمان ومكان، مَن هم أخلاقيون ومبدئيون ووطنيون صادقون، يؤدون الأمانة ويجتنبون الخيانة، ويهتمون بالعدل والإحسان والإنسان.. ومَن بين هؤلاء مَن ضمائرهم لا تحتمل الفساد ولا تسوغ الكذب على الذات والناس، ويتحمَّلون المسؤولية بشجاعة ويواجِهون الواقع بموضوعية،

 


وفي مجالي الضوء أو دهاليز العتمات تلك التي انتقل إليها وأصبح منها.. يفعل ما يريد ويلتقي مع مَن يريد ويعرِض بضاعته على من يشتري: "قضايا مصيرية، وأوطاناً تاريخية ببرِّها وبحرها وجوها ومواقعها الاستراتيجية وثرواتها وحيوات الناس فيها".. ويتصرف تصرّف المالك بملكه بأريحية واطمئنان وراحة بال، ولا يعنيه أن يُقال الملك لله وحده. 

وإذا ما عقد مع أعداء شعبه" صفقة" تنال من شعبه ووطنه وقضايا أمته وتهدد الحقوق والوجود، وتوافقوا معهم على أن يبقى أمر الصفقة وما قُرِّر ووثِّق طَيَّ الكتمان إلى أن يؤون الأوان.. وقام من كان عدوه بنكث ما وعد به، وأماط اللثام وأزاح الستار وباح بالأسرار وأشاع ما كان وكشف بسوء نية أو بحسن نية عن خبث طوية مما اعتاد عليه ونُشّئ فيه.. واتخذ كل طرف موقفاً حاداً أو تخبط في أداء بحماقة وجهل فأتي من القول والفعل ما يجرح ويقتضي التراجع عنه.. فإن ذلك يبقى سَحابة صيف، ويُنفى ما كان وصار وشاع، بالوكالة أو بالأصالة، ويدَّعي المدَّعون المتملصون أن الأقوال حُرِّفَت أو أنها فُهمت خطأً، فيُقبل منه الكذب وينتعش جو التكاذب، ويُلقى عبء التحريف والتزوير والتشويه والتزييف على مجهولين، ويَغسِل العتابُ البيني ما لحق بالقلوب من ندوب، ويعود الجذب والانجذاب بين الطالب والمطلوب إلى سابق عهده من الألفة والوئام بين الأصحاب، وتتكفل كؤوس الراح التي يعلوها الحُباب بجعل الأمزجة تروق، ويرين الوفاق ويملأ الآفاق.. 

وتسبَح كل الأطراف في المعتاد من أمور السياسة وتُسبِّح بتصرفات السَّاسة.. كلٌّ يغضي ويتغاضى ويبقى التواصل والتَّواد وكأن لم يحدث شيء، فما كان شيء معتادٌ وهو من قواعد اللعب المتوافق عليها في تلك الأوساط.. وهكذا تكرج المياه فوق الحدث وتنتهي الأمور عند توصيف "سوء تفاهم؟!"… هكذا يدير ساسةٌ عجَلة الأحداث ويصنعون الأزمات ويؤججون الصراعات، ويدمّرون الثقة والعلاقات والقيم بين البلدان والشعوب، ويضيعون الحقوق، ويضاعفون معاناة البشر، ويؤسِّسون لإراقة الدماء في حروب تطول وتطول.. ويلحقون الكوارث والبؤس بالناس، ويبقون فوق، في العَلالي والأعالي.

وعلى هامش ما سبق لا بد من الإشارة إلى أن مِن المُسَلَّم به أنه لا يجوز التّعميم في هذا المجال لأن مِن بين السّاسة والمسؤولين، في كل زمان ومكان، مَن هم أخلاقيون ومبدئيون ووطنيون صادقون، يؤدون الأمانة ويجتنبون الخيانة، ويهتمون بالعدل والإحسان والإنسان.. ومَن بين هؤلاء مَن ضمائرهم لا تحتمل الفساد ولا تسوغ الكذب على الذات والناس، ويتحمَّلون المسؤولية بشجاعة ويواجِهون الواقع بموضوعية، ولا يُسخِّرون السلطات والمناصب لتحقيق مكاسب خاصة أو لإشباع نزوات مريضة وخدمة فئات دون فئات.. بل إن منهم مَن يضحي ويدفع حياته ثمناً لمواقفه.. وهذه الفئة القليلة العدد التي تشكل استثناء مما أصبح "قاعدة ونهجاً" في أوساط ساسة ومسؤولين، لا يجوز أن ينسحِب على أفرادها ما ينسحب على "الطغاة والفاسدين المفسدين والظالمين والكذبة والمتورمة أنانيتهم" من صفات وأحكام.. فالعدل الذي جاء به الدين/ الإسلام يقول: ﴿.. وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى..﴾ ـ سورة الزُّمَرـ من الآية ﴿7﴾.. وينبغي ألا تُغْمَر هذه الفئة في النسيان بل أن تُذْكَر وتُرفع منارة وقدوة من أجل بعث الأمل وإحقاق الحق..