كتاب عربي 21

قيس سعيد في مواجهة ضغط اللوبي

1300x600

منذ أن أعلنت تونس في بلاغ لوزارة الخارجية يوم 22 كانون الأول/ ديسمبر 2020 عن رفض التطبيع بالشكل القاطع والجذري الذي تم، كان يجب أن نتوقع ردة فعل ما من الجانب الإسرائيلي، وأتت فعلا عبر بلاغ من مؤسسة الأحبار الأوروبيين يتهم الرجل باطلا بمعاداة السامية.

لن تكون "معركة التطبيع" سهلة، خاصة بالنسبة لدولة تواجه وضعا هشا من كل النواحي، وخاصة إزاء حالة الالتفاف على "التضامن العربي" في مواجهة إسرائيل. "موجة" التطبيع جرفت مجالات كبيرة، وبالنسبة للمنطقة المغاربية جرفت جناحها الغربي- الأطلسي إثر تطبيع المغرب الأقصى مقابل اعتراف واشنطن بمغربية الصحراء. الطرف الجزائري ليس في أفضل حالاته مع تراجع مداخيل النفط ومرض الرئيس الجزائري تبون.

لن تكون "معركة التطبيع" سهلة، خاصة بالنسبة لدولة تواجه وضعا هشا من كل النواحي، وخاصة إزاء حالة الالتفاف على "التضامن العربي" في مواجهة إسرائيل

كانت إحدى أهم لحظات الانتخابات الرئاسية سنة 2019 هي المواجهة بين المرشحين قيس سعيد ونبيل القروي في أول مناظرة رئاسية بين المرشحين اللذين تجاوزا الدور الأول، وكانت هذه اللحظة إصرار قيس سعيد على التأكيد على أن "التطبيع خيانة عظمى".

تدفق نقد إعلاميين إسرائيليين لموقف قيس سعيد فيما بعد، وبلا شك استفاد الرجل أيضا من ذلك، وبلا شك ساهم هذا الموقف في ترسيخ وضعه كمرشح يحظى بحظوظ كبيرة، وعمّق الهوة بينه وبين القروي، لينتصر بشكل ساحق تجاوز نسبة السبعين في المئة.

ثنائية سعيد والقروي في مخيال الناخب التونسي لم تكن مجرد ثنائية "النظيف" مقابل "الفاسد"، بل كانت أيضا ثنائية "العروبي المناصر بجذرية لفلسطين"، في مواجهة "المتعامل مع مؤسسات "لوبيينغ" يقودها ضابط سابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية". بن ميناشي، الذي سيساهم أيضا في تطبيع السودان مع إسرائيل في سياق عقد "لوبيينغ" مع الحكام الجدد للسودان، سيبقى مرتبطا دائما باسم نبيل القروي.

جرت مياه كثيرة وتغيرت كثير من التحالفات، لكن بلا شك لم يغير قيس سعيد موقفه، وبلا شك أيضا لا يزال يتفوق بعيدا في استطلاعات الرأي عن كل منافسيه المحتملين.

موقف الخارجية التونسية كانت بصمة سعيد فيه واضحة، وعلى الأرجح صاغه هو نفسه. البلاغ يتضمن توصيف إسرائيل بصيغة "الكيان الصهيوني"، وهو أمر غير معتاد في الصياغات الديبلوماسية التونسية. البلاغ كان راديكاليا أيضا في طبيعة توصيف تموضع تونس في الصراع العربي الإسرائيلي، وخاصة الجملة التي أعادت التذكير بموقف قيس سعيد، وكما ورد في البلاغ: "الذي أكّد في العديد من المناسبات أن حقوق الشعب الفلسطيني غير قابلة للتصرّف ولا للسقوط بالتقادم، وفي مقدّمتها حقّه في تقرير مصيره وإقامة دولة مستقلّة عاصمتها القدس الشريف".

يقوم إيدي كوهين، وهو إعلامي إسرائيلي يتم تقديمه كـ"مستشار لنتنياهو"، من وقت إلى آخر بالتحرش بالرئيس التونسي، ويمكن أن يكون ذلك بشكل منسق مع أوساط إسرائيلية رسمية، آخرها تغريدة منذ أقل من أسبوع يقول فيها على ضوء الاحتجاجات الاجتماعية الأخيرة في تونس: "ثورة الياسمين الثانية 2021 ضد قيس سعيّد وحركة النهضة الإخونجية. رعب جديد يضاف إلى رصيد أنظمة سايكس بيكو". وسبق له في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي أن شكك في تمسك سعيد بموقفه المناهض للتطبيع؛ على أساس تعليقه حول التطبيع الإماراتي بأنه "شأن داخلي".
بلاغ مجلس الأحبار اليهود في أوروبا يعتبر خطوة جديدة في مسار الحملة على سعيد. إذ أصدر بيانا أعلن فيه اتهامات للرئيس التونسي على أساس أنه ذكر اليهود في كلمة له تخص الاحتجاجات الشعبية واعتبارهم مسؤولين عن الأحداث

لكن بلاغ مجلس الأحبار اليهود في أوروبا يعتبر خطوة جديدة في مسار الحملة على سعيد. إذ أصدر بيانا أعلن فيه اتهامات للرئيس التونسي على أساس أنه ذكر اليهود في كلمة له تخص الاحتجاجات الشعبية واعتبارهم مسؤولين عن الأحداث، في حين أن التمعن في مضمون الفيديو وسياقه لا يمكن أن يحيل البتة على ذلك.


تناقل الإعلام الإسرائيلي مضمون البيان، وسارعت الرئاسة التونسية إلى تكذيب ما ورد فيه، والتأكيد على أن الرئاسة تفرق جيدا بين اليهودية والصهيونية. الجملة الأخيرة تحديدا لا يمكن أن تطمئن الطرف الإسرائيلي، بل ستزيد حنقه، إذ هو معني بعدم التفريق أبدا بين اليهودية والصهيونية.

وهكذا تواصلت الادعاءات.. صحيفة الجيروزاليم بوست ادعت نقلا عن ناطق باسم مؤسسة الأحبار أن قيس سعيد "اعتذر عن أقواله"، وهو عكس ما ورد في بلاغ الرئاسة الذي نفى أصلا ذكره لأي أقوال.

لا يحدث كل هذا بالقطع بشكل عفوي.. نحن إزاء انطلاق حملة علنية تقودها أوساط اللوبي الإسرائيلي ومنصاته الدعائية للتحرش بقيس سعيد، ونحن على الأرجح في المرحلة الأولى والمبكرة جدا لهذه الحملة. ولا تجب الاستهانة بنوايا الطرف الإسرائيلي الذي لن يتوانى عن شيء لمحاولة "تأديب" الرئيس التونسي الذي تجرأ على "الذات الإسرائيلية". إن نموذج ديمقراطية مستمرة يقودها شخص بربطة عنق ليس متطرفا دينيا ويقوم أيضا برفض التطبيع هو بالتحديد النموذج الذي لن تقبله تل أبيب، هي معنية فقط بخصوم يظهرون في الغرب كمرتادين للكهوف. داعش خصم مفضل لإسرائيل، وليس قيس سعيد. يجب توقع المزيد من الضغط، والحماية الوحيدة للرئيس التونسي ستكون شرعيته الديمقراطية وشعبه.

twitter.com/t_kahlaoui