أخبار ثقافية

مهرجان القاهرة السينمائي.. كيف يفكر الموظفون؟

المهرجان هو الأقدم الذي تم اعتماده دوليا في العالم العربي وأفريقيا والشرق الأوسط- موقع المهرجان

لا يملك المتابع لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي إلا أن يشعر بالأسى على ما وصل إليه حاله.


وبحسب موقع المهرجان على الإنترنت، فإن المهرجان واحد من 15 مهرجانًا فقط قد تم تصنيفها ضمن فئة "أ" من قبل الاتحاد الدولي لجمعيات منتجي الأفلام.


إنه مهرجان الأفلام الأقدم الذي تم اعتماده دوليا في العالم العربي وأفريقيا والشرق الأوسط.


وبإلقاء نظرة سريعة على قائمة الشخصيات التي أدارته منذ تأسيسه، لن نجد غير قامات فنية مصرية، بدءا بكمال الملاخ وسعد الدين وهبة، مرورا بحسين فهمي وعزت أبو عوف.


كل ذلك التاريخ يتعثر مؤخرا، حيث تتوالى الفضائح. في يونيو الماضي، أعلنت إدارة المؤتمر اختيار الناقد أحمد شوقي مديرا فنيا للمهرجان، لتشتعل السوشيال ميديا بالغضب. 


وبغض النظر عن منجز شوقي الحقيقي الذي لا يؤهله لمنصب كهذا، فقد سبق أن شغله ناقد بحجم سمير فريد سنة 1984 قبل أن يرأس المهرجان سنة 2014.


وبغض النظر عن ذلك، فإن الاختيار يبدو غريبا جدا من أي إدارة محترفة لأي مهرجان، فقد كان ينبغي التدقيق في سيرته وتصريحاته، لأن أبسط تدقيق كان سيدل إدارة المؤتمر على سلسلة كارثية من المواقف والتصريحات الفاشية التي لا تصدر عن أي متذوق للفن، وليس كاتبا وناقدا أيضا.


سلسلة طويلة من التصريحات الفاشية بدءا بسبه شهداء استاد بورسعيد من جمهور النادي الأهلي، مع أن التطاول على الموتى مرفوض تماما في الثقافة المصرية، حتى مع من يستحقونه. موقف بسيط كهذا يرينا كيف يفكر السيد شوقي. هو زملكاوي، فلا مانع لديه من قتل مشجعي الأهلي، وهو يطالب بسحق المتظاهرين ويتمنى أن يقتلهم بيده هوسا بفكرة الدولة الحازمة.


ولسبب غير مفهوم غضب السيد شوقي من ترشح أفلام سورية لجائزة الأوسكار، مستخفا بالقضايا التي تعالجها من قتل الشعب السوري وتدمير حياته بشكل وحشي، فقد أكد على نحو غريب أن جواز السفر السوري وتقديم فيلم يصور مأساة الشعب وشهداءه هو جواز المرور للترشح، ساخرا من مشاهد الدمار والقتل في الأفلام السورية، كأن صناع الأفلام السورية يعيشون في كوكب آخر، ينعمون فيه بالسلام والهدوء.


يقول شوقي: "أظهر جوازك السوري وشهادة اللجوء السياسي، شوية صور حرب وبيوت مهدمة، حد بيحاول ينقذ الضحايا ويا حبذا لو واحد من الأبطال خلال التصوير يموت ولا يتفقعله عين، يلعن روحك يا حافظ، مبروك عليك الترشح للأوسكار".


واتساقا مع مواقفه المخزية، أيد شوقي مذبحة رابعة، مطالباً في صفحته على فيسبوك بدهس معتصميها بالدبابات، ليتوج فلسفته السياسية بمطالبة الشركة المتحدة التابعة للمخابرات المصرية بإنتاج مسلسل مثل مسلسل "الاختيار"، تمجيدا لفض اعتصام رابعة، الذي كان مذبحة مروعة، أدانها الغرب بكافة توجهاته، لكن شوقي يرى المجزرة إنجازا.


كتب على فيسبوك: "عايزين مسلسل عن ملحمة رابعة بقى يا متحدة".


كيف يمكن أن يفكر ناقد وكاتب ومخرج بهذه الطريقة؟ وكيف تختار إدارة أي مهرجان شخصا مثله في منصب مهم مثل المدير الفني للمهرجان؟ أتصور أن السبب هو طبيعة تفكير مديري المهرجان باعتبارهم نوعا من الموظفين، يتخذون قرارات إدارية وفقا لقواعد الترقيات المعروفة في مصر منذ تغلغل الفساد الإداري في مؤسساتها، أول هذه القواعد الشللية وثانيها انعدام البصيرة وثالثها الانعزال التام عن الشعب والتماهي مع أصحاب السلطة.

 

اقرأ أيضا: متى يستوعب وحيد حامد الدرس؟

هكذا لا ترى إدارة المهرجان أزمة في اختيار شخصية مثل شوقي، وحين اشتدت الفضيحة اضطرت الإدارة إلى قبول استقالته مع شكره على جهوده في الدورة السابقة! كان يمكن فصله ولو لنيل احترام الشعب الغاضب، لكن لا، لا يمكنهم ذلك.


في الأيام الماضية أيضا طفت فضيحة أخرى على سطح المهرجان، فضيحة أشد من كل ما سبق.


بالتزامن مع إعلان المهرجان عرض فيلم "عنها" للمخرج إسلام العزازي ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان، نشرت مدونة "دفتر حكايات" شهادات مروعة لفتيات يحكين تجارب تحرش واغتصاب تعرضن لها على يد مخرج الفيلم إسلام العزازي. وهذه قضية معقدة تحتاج إلى أكثر من مقال لتأملها، لكن يمكن طرح بعض الملحوظات هنا:


- بالتأكيد يجوز الشك في شهادات مجهلة تنشر على مدونة مجهلة أيضا، ما يسمح بالخطأ أو التدليس، حتى دون أن تنتبه القائمات على المدونة، مثلما حدث مع الصحفي هشام علام، الذي فبرك شكوى ضد نفسه ونشرتها المدونة اعتقادا من إدارتها بأنها شكوى حقيقية. مع ذلك، فقد اختلف الأمر هذه المرة حين أعلنت سينمائية معروفة هي سلمى الطرزي عن معرفتها بإحدى الناجيات، ومتابعتها لحالتها، بمعنى أن الاتهام هنا ليس مصطنعا ولا ملفقا، بل إن هناك من يشهد على حدوثه ومتابعة آثاره.


- سارع المخرج العزازي في إعلان ما دأب على إعلانه جميع المتهمين بالتحرش: المطالبة بالتوجه للنيابة وجهات التحقيق ومطالبة الجميع بتبرئته لأنه لا دليل على اتهامه، وهنا لا بد من الانتقال للنقطة التالية:


- في سياق أوسع، ومنذ ظهور حملة "مي تو" في أمريكا، بدا واضحا أن مشكلة التحرش والاغتصاب ذات طبيعة خاصة، حتى في المجتمعات التي لا تخجل من الجنس، ثمة ضغوط اجتماعية كثيرة تمنع النساء من إعلان تعرضهن للاغتصاب، ولعل الحالة الأشهر والأكثر دلالة هنا هي حالة المنتج الهوليوودي الشهير واينشتاين، الذي دأب على اغتصاب نجمات وممثلات صاعدات خلال عقود، ولم تستطع أي منهن فتح فمها، لسبب بسيط: المعتدي أقوى منها على جميع المستويات ويستطيع إيذاءها بسهولة.


- من هنا كانت الإدانة مبنية على شهادات ضحايا كثيرات تمثل نوعا من النموذج الواحد الذي يكرره المعتدي، فمثلا سُجن كل من بيل كوسبي وواينشتاين بسبب نمط متكرر شهدت به ضحاياهما، فكان الأول يخدر ضحاياه قبل اغتصابهن والثاني يدعوهن للقاء عمل في غرفة مغلقة ثم يباغتهن باعتداء جنسي. وهذا ما حدث مع العزازي، توالت ست شهادات مختلفة تتهمه بنمط اعتداء محدد: يحدد لقاء عمل في مكتبه الكائن ببيته، وتكتشف الضحية أن زوجته وابنته غير موجودتين، ثم يبدأ حديثا ذا طابع جنسي، ثم يبدأ في ملامسة ضحيته أو اغتصابها إذا لم تسارع إلى الهرب منه.


- أما أكثر النقاط غرابة فهو ما نشرته سلمى الطرزي عن اتصال هاتفي جاءها من أحد القائمين على المهرجان، بعد مطالبات كثير من السينمائيين بمنع حضور العزازي للمهرجان، حيث ردت إدارة المؤتمر ببيان باهت تؤكد فيه منطق العزازي: إذا لم تتوجه الشاكيات للنيابة فلا دليل على حدوث جريمة، وقد شرحت الطرزي وغيرها أنه من السهل هنا منع المتهم من الحضور ما دام متهما، وهذا يحدث دائما حول العالم.


لم يكن مطلوبا منع الفيلم لأن المشاركين فيه لا ذنب لهم، لكن يمكن بسهولة منع حضور المخرج، بشكل رسمي، وهو ما لم تفعله الإدارة التي اكتفت بإلغاء المؤتمر الصحفي للمخرج دون موقف واضح ضد مشاركته شخصيا في فعاليات المهرجان.


- في مثل هذه المواقف يبدو غريبا مدى العزلة عن هموم الشعب أو رجل الشارع. تستطيع السلطة هنا أن تكسب بعض التأييد باتخاذ مواقف تبدو مساندة للضحايا وإن لم تكن كذلك في جوهرها، بمعنى أنها تستطيع إدارة المهرجان إيقاف مشاركة العزازي رسميا على خلفية اتهامه، وهذا لن يكون عقابا حقيقيا بل رمزيا، لكنه سيزيد رصيد تلك السلطة، التي تنحاز للمداهنة وعدم اتخاذ موقف حقيقي، لن يكلفها شيئا، ومع ذلك لا تجرؤ السلطة على اتخاذ موقف سهل كهذا.


وهذا ما يكشف لنا عن طبيعة تفكير الموظفين/ السلطة في مصر، بكل أسف.