مدونات

البعد السياسي لطاعة الحاكم بين نظرية العقد الاجتماعي ونظرية ألوهية الحاكم

شكري مجولي- كاتب
تُعد العلاقة بين الحاكم والمحكومين من القضايا الخطيرة المتعلقة بالسياسة الشرعية وبالفكر السياسي الإسلامي، التي أسالت حبرا كثيرا، وتباينت الآراء والمواقف الفقهية والفكرية الإسلامية تجاه طبيعة العلاقة مع الحاكم المستبد الظالم في حكمه.

وحيال هذا التباين ظهرت في الفكر السياسي الإسلامي نظريتان:

1- نظرية العقد الاجتماعي: التي سبق إليها الإسلام قبل جون جاك روسو، وقبل أن تعرف أوروبا هذه النظرية ومضمونها كانت هذه النظرية مادة بحث لعلماء المسلمين وواقعا عمليا في حياتهم، وبأن السلطة يتولاها الحاكم بموجب عقد بينه وبين الأمة يكون فيها الحاكم نائبا عن الأمة في إدارة شؤونها في تعاقد حر بينهما التي بموجبها للأمة الحق المطلق في اختيار الحاكم، وممارسة الرقابة عليه، ومحاسبته وعزله والثورة عليه، إذا طرأ عليه انحراف، وأخلّ بمصلحة الأمة، أجيرا عندها يعمل ويأخذ الأجر على عمله، لأن الأمة هي الأصل في هذا العقد، فالحاكم لا يفرض سلطانه على الأمة رغما عنها.

2- نظرية الحق الإلهي: وهي نظرية الطبيعة الإلهية للحاكم، التي سادت في الحضارات القديمة كالحضارة الفرعونية والصينية القديمة والهندية والبابلية، فكـرة ألوهية الحاكم الذي لا يُسأل عما يفعل، لتبرير سلطة الحكام وضمان خضوع الرعية له، وهو ما جعل الحاكم في ظل هذه النظرية يتمتع بسلطة مطلقة لا تلقى من المحكومين إلا الخضوع والاستكانة، وليس لهم الحق في عزله والثورة عليه، ولو ظلم واستبدّ وجار على الرعية، وحمل الناس على المكروه، وجنح عن أهداف الأمة ومصلحتها.

مرتكزات نظرية الحق الإلهي المباشر في الحكـم

أهم مرتكزات نظرية الحق الإلهي المباشر في الحكـم كما يراها المؤرخ الفرنسي بوسيه:

1- إن هذه السلطة مقدسة فـالملوك هـم خلفاء االله في الأرض وعن طريقهم يدير شؤون مملكته، ولذلك لم يكن العرش الملكي عرشـا ملكيـا وكفى بل كان ذلك العرش عرش الإله ذاته.

2- السلطة الملكية سلطة أبوية.

3- ليس للملك أن يقدم تبريرا لما يأمر به إذ بغير هذه السلطة المطلقة يكون عاجزاً عن فعل الخير وعن معاقبـة الأشـرار، وينبغي لسلطته أن تكون من القوة إذ ليس لأحد أن يأمل بالإفلات من قبضته.

4- الطاعة العمياء من قبل الرعية، وليس لتلك الرعية أن تعترض على عنف الأمراء، إلا متى كان الاعتراض في شكاوى ملؤها الاحترام والتعظيم من غير فتنة ولا شغب وفي دعوات صالحة لهم بالرشد والهداية الملكية.

وفي ذلك يقول القديس غريغور: "لا يجوز أن تكون أعمال الحكام محلا للطعن والتجريح بسيف اللسان حتى لو ثبت أن هذه الأعمال تستحق اللوم. ومع ذلك فإنه إذا انزلق اللسان إلى اسـتنكار أعمـالهم فيجب أن يتجه القلب في أسف وخشوع إلى الندم والاستغفار؛ طلبا لمغفرة السلطة العظمى التي يعـد الحاكم ظلها في الأرض".