مقالات مختارة

الموارد المائية في العراق.. تفاقم المشكلة والحلول

1300x600

تكتسب مشكلة الموارد المائية في العراق زخما جديدا، وتلوح في الأفق خلافات داخلية بصدد توزيع المياه بين مكونات الفيدرالية، فمشكلة الموارد المائية في العراق تعد مشكلة هيكلية بطبيعتها ، وقد كانت على مر التاريخ أحد أهم العوامل الجيوسياسية في البلاد.

وظلت قضية الموارد المائية في المثلث العراقي - التركي - السوري حادة منذ عقود، حيث يوفر نهري دجلة والفرات 98 % من إمدادات المياه في البلاد، ومن ثم فإن بناء السدود والسيطرة عليها مسألة حساسة للأمن القومي والاستقرار، ويمكن أن يسفر أي انتهاك ولو بسيط للتوازن القائم عن عواقب غير متوقعة. يضاف إلى ذلك واقع أن العراق اليوم هو من أكثر الدول عرضة للتأثر بالتغير المناخي، ليس فقط في المنطقة، ولكن أيضا في العالم، مما يؤدي إلى استنزاف متسارع لموارده المائية.


تفاقمت مشكلة الموارد المائية بشكل ملحوظ خلال الأزمة العراقية، ولكن الوضع في قطاع المياه كان حرجا حتى قبل دخول إرهابيي "داعش". وفي الواقع، أن النظام الوطني لإدارة المياه غارق في الفساد وعدم الكفاءة. فحسب تقديرات الحكومة العراقية حتى منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. حُرم 40٪ من العراقيين من الحصول على مياه الشرب النظيفة، و 70٪ من أنظمة معالجة مياه الصرف الصحي بحاجة إلى إصلاحات كبيرة. أيضا بعد تحقيق أجرته مؤخرا اللجنة الداخلية للحكومة العراقية للتكامل، تم إساءة استخدام الموارد الكبيرة التي تبرعت بها بعض الدول والمؤسسات والاستثمارات التي كانت مخصصة لإعادة تأهيل قطاع المياه وتطويره، وفي الغالب نُهبت. وعلى وجه الخصوص، تمكنت اللجنة الحكومية من إثبات عدم تنفيذ مشروع واسع النطاق لإطلاق 13 شركة لتحلية مياه البحر في البصرة في عام 2006. إجمالا، لم يتم تنفيذ مجموعة كاملة من مشاريع إدارة المياه التي يبلغ مجموعها 600 مليون دولار أمريكي في البصرة. ولم يتم أيضا، إطلاق مشروع لإعادة بناء مرافق المعالجة وقنوات الصرف هناك، مما يؤثر أيضا على البيئة المحيطة.


مع تصاعد المواجهة المسلحة في العراق بمشاركة إرهابيي داعش، استمرت مشكلة الموارد المائية في التصاعد، وسعى المسلحون في البداية إلى السيطرة على هذا المورد الاستراتيجي المهم، وعلى وجه الخصوص، فرض السيطرة على السدود على نهر الفرات - في كل من سوريا والعراق. ونجح تنظيم داعش في الفترة من 2012 إلى 2017 في السيطرة على أكبر السدود في سوريا، مما سمح لهم بتنظيم، وإذا لزم الأمر، تقليل إمدادات المياه للعراق المجاور كعنصر من عناصر الضغط على بغداد. عندما حلت قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الكرد محل داعش تدريجيا في عام 2017، عادت إمدادات المياه إلى العراق بشكل عام إلى طبيعتها. ومن ناحية أخرى، فإن الانتعاش الاقتصادي في سوريا، وعودة المدنيين إلى الوطن، سيزيد من استهلاك الموارد المائية في هذا البلد لدعم النمو الصناعي والزراعي، مما سيزيد من خطر ندرة المياه للعراق المجاور.


وأدى اندلاع الأزمة السورية وظاهرة تنظيم "داعش" إلى تأجيل التوصل إلى اتفاق ثلاثي بشأن قضايا المياه بين العراق وسوريا وتركيا، لاسيما على خلفية العلاقات المتفاقمة بين دمشق وأنقرة. على المسار الثنائي حاولت بغداد بعد عام 2017، إجراء مباحثات مع أنقرة حول موضوع المياه، لكن ذلك لم يؤدِ إلى أي نتائج ذات أهمية، ولم يمنح القيادة العراقية أي مزايا استراتيجية. و تتحكم تركيا في إمداد ما يصل إلى 70 ٪ من جميع الموارد المائية للعراق، ويمكن أن تملي شروطها عليه. ويتم ذلك التحكم عبر سيطرة تركيا على حوض المياه في المنطقة بالكامل، من خلال نظام واسع من السدود والجسور. وحاول الجانب العراقي في تموز 2020 مرة أخرى التوصل إلى اتفاق في تركيا على طاولة المفاوضات بشأن استحداث الآليات أو الضمانات القانونية برعاية الأمم المتحدة، لتزويد البلاد بالموارد المائية لنهري دجلة والفرات، لكن هذا لم يؤدِ إلى نتائج فعلية؛ فأنقرة بالكاد قادرة على التخلي عن خططها الطموحة لتطوير الطاقة الكهرومائية والزراعة، وضمن المشروع الطموح لما يسمى الأناضول الكبرى أطلقت وعلى الرغم من احتجاجات بغداد في عام 2019 أكبر سد، إليسو، بطاقة 1200 ميغاوات. إجمالا، قامت تركيا بالفعل ببناء 12 من السدود الـ 22 المخطط لها وبنت 15 من 19 محطة للطاقة الكهرومائية، وتخطط لتوفير الري إلى 1.7 مليون هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة.


في المجموع، منذ الثمانينيات، انخفض تدفق الموارد المائية من تركيا وسوريا بنسبة 30٪، وبحلول عام 2030 من المتوقع أن تنخفض هذه الأحجام بنسبة 50٪ أخرى.


على خلفية العلاقات المتوترة مع دول الجوار حول موضوع إمدادات المياه والتهديدات الخارجية المتزايدة لأمن العراق المائي، ومع تفاقم المشاكل المناخية وبداية إعادة إعمار البلاد بعد صراع طويل الأمد، يمكن أن يكون موضوع المياه بمنزلة مصدر للتوتر الاجتماعي وزعزعة الاستقرار الداخلي. من المتوقع أن يتضاعف عدد سكان العراق من 40 مليون نسمة حاليا إلى 80 مليونا بحلول عام 2050، إلى جانب المزيد من تغير المناخ وتفاقم الجفاف في البلاد. كل هذا يسبب قلقا إضافيا للسلطات العراقية.
وهناك مشكلة أخرى، كما أشرنا أعلاه، وهي عدم وجود نظام إمداد مياه حديث وفعال في العراق.

نتيجة لذلك، وفقا لتقديرات الخبراء، يتم استهلاك المياه بشكل هدر للغاية، ولا يصل معظمها إلى المستهلك النهائي أبدا. وبالنسبة لاحتياجات الزراعة، يتم إنفاق 85 ٪ من جميع موارد المياه في البلاد ، بينما لا يتجاوز متوسط الاستهلاك العالمي في القطاع الزراعي 70 ٪. هذه الإحصائيات هي أيضا نتيجة لاستخدام تقنيات قديمة وممارسات زراعية في العراق.


ومن ثم، يتضح أن حل مشكلة المياه هو أحد الأولويات الرئيسية للحكومة العراقية. وبناء على ذلك، فإن التنسيق بشأن قضايا المياه بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان العراق أمر بالغ الأهمية أيضا. ومن الضروري تنفيذ استراتيجية شاملة، إلى جانب قضايا الوصول الآمن للسكان إلى الموارد المائية، ويجب أن تشمل مهام إجراء إصلاحات هيكلية وجذب الاستثمارات لزيادة كفاءة استهلاك المياه في الصناعة والقطاع الزراعي والحياة اليومية. فيما يتعلق بإصلاح المياه، من المهم إطلاق عملية إصلاح واسعة النطاق للقطاع الزراعي بأكمله، المستهلك الرئيسي لموارد المياه في البلاد. وفي هذا السياق، يبدو أنه من الضروري ضمان حصول المزارعين العراقيين على التقنيات والمعدات الحديثة للري، وكذلك خفض الإعانات لأغراض الري بشكل تدريجي. بالإضافة إلى ذلك، من المهم اتباع سياسة هادفة لإعادة توجيه المزارعين نحو إنتاج أصناف أكثر صمودا ومقاومة من منتجات المحاصيل، مما سيساعد على تقليل استهلاك المياه العذبة.


والأكثر إلحاحا - إلى جانب الإصلاحات في قطاعي المياه والزراعة - هو حل المشاكل السياسية الداخلية المتفاقمة في البلاد في سياق الموارد المائية. من المهم اتخاذ الإجرءات العاجلة لتنقية الأجواء وتعزيز الثقة والتفاهم مع إقليم كردستان العراق. واستراتيجيا، من المهم إنشاء آليات لحل النزاعات المتزايدة بين الطوائف المحلية، حتى لا يصل الوضع إلى نقطة اللاعودة.


اعتمدت المادة على دراسة نشرت في معهد الشرق الأوسط.

 

(عن جريدة المدى العراقية)