قضايا وآراء

إصلاح جماعة الإخوان المسلمين

1300x600
ننطلق عبر مرتكزات فهم وحقائق مهمة بأن الإخوان جماعة إصلاحية، وامتداد لحركة الإصلاح العربي الإسلامي على يد رواد الإصلاح بداية من جهود الأفغاني 1860م وحتى الآن، والتي تمثل في حقيقتها حركة للتجديد الديني والتنوير الثقافي والبناء الاجتماعي والكفاح الوطني والإصلاح السياسي والبناء والإعمار الحضاري، والتي تعلق عليها آمال تفعيل الشعوب نحو التحرر والتنمية والنهوض الحضارى المرتقب، ومن ثم فواجب إنقاذها وإصلاحها وإعادتها للعمل ليس واجبا وطنيا ولا إنسانيا ولا حضاريا فقط، بل هو كل ذلك، كما أنها واجب فردي ومؤسسي لكل من يستطيع.

حقيقة واقعة هي أن الثورة سبقت جماعة الإخوان مرتين، الأولى في 2011 والثانية في 2020. وأملي في الله تعالى ثم في المصلحين داخل الجماعة؛ في إصلاح الإخوان واللحاق بالثورة والمشاركة فيها ودعمها والمساهمة الفاعلة في نجاحها كاملة.

أزمة الإخوان بنيوية ولكنها قابلة للإصلاح، إن توافرت الإرادة والهمة، لذلك وإنا على ذلك متعاهدون ومتعاونون ومبادرون، وانه لقريب التحقق إن شاء الله.

أزمة قيادة وتنظيم وإدارة ونظام أفكار، وبداية إصلاحها من إصلاح النظام القيادي ومفتاحه بيد أعضائها جميعا، صغيرهم ونشيطهم قبل كبيرهم، بعد ذلك يصبح من السهل تنقيح نظام الأفكار وتطويره بلجنة علمية متكاملة تمثل مجمعا علميا متكاملا من التخصصات العلمية المطلوبة.

وحديثنا هنا عن الأمانة والمسئولية الخاصة بأعضاء الإخوان المسلمين؛ مجمّدهم قبل عاملهم، وعن دورهم الغائب في تحمل هذه المسئولية، وتحولهم إلى مقاعد المشاهدين موقعين على تفويض كامل على بياض لقيادة غير شرعية قوّضت القوة البشرية والمادية والمعنوية للجماعة، وشوهت صورتها الذهنية وحرقت قوتها الناعمة، شقت صفها وقسمته لنصفين في مصر والخارج وجمّدت عضوية وعمل الآلاف، وهمّشت وطردت وحاربت المبدعين فيها، وخدّرت وقوضت فاعلية أعضائها، وحوّلتها الى جماعة ليس لتغسيل وتكفين الموتى، بل فقط لصلاة الغائب عليهم، وأدخلت جماعة الاخوان المسلمين إلى ثلاجة حفظ الموتى، وللعجب أن عرّفها مؤسسها الإمام الشهيد حسن البنا بأنها "روح جديدة تسرى في جسد الأمة فتحييها بالقرآن ومبادئه".

وبذلك خرجت جماعة الإخوان تماما من معادلة الفعل في مصر، وتركت الساحة خالية للسيسي والانقلاب للتلاعب بمصر ومستقبلها، بل والتقتيل والتخلص الممنهج من خيرة أعضاء وشباب الإخوان، خاصة المتوقع أن يكون لهم دور ما في الإصلاح وإعادة الإحياء وفي مقدمتهم الشهيد د. عصام العريان.

الغريب والعجيب في الأمر هو الدور السلبي الكامل لأعضائها أمام هذا التفريط الكبير في مقدرات ومصير مصر والأمة، والكوميديا السوداء، والتي امتدت على مدار سبع سنوات متتالية دون أي رد فعل أو محاولات حقيقية ممنهجة ومتصاعدة، في البداية بالنصح ثم تكرار النصح، ثم مضطرين إلى حصار وعزل ووقف وتجميد هذه القيادة الضعيفة لإصرارها على التمسك بالقيادة بعد الانقلاب على شرعية اللجنة الإدارية العليا في الداخل، ومكتب الأزمة في الخارج، والمنتخبين شرعيا وقانونيا أمام الله تعالى والتاريخ، بما يعني تعرض مصر لانقلابين حقيقيين هما انقلاب السيسي وانقلاب محمود حسين، ومنح الفرصة الكاملة للسيسي بإتمام انقلابه والتمكين لنظام حكمه، والانفراد بمصر وبالإخوان والحالة الإسلامية والوطنية وبالشعب فريسة سهلة.

ما يعنينا الآن هو البحث في الأسباب الكامنة في تقويض فاعلية أعضاء الإخوان وصمتهم وغياب دورهم وفاعليتهم في المحافظة على قيادتهم الشرعية المنتخبة والتفريط فيها بسهولة، ثم السلبية والصمت الطويل على هذه القيادة على مدار سبع سنوات.

هذا ما بحثت فيه وجمعت تفاصيله وسأناقشه وأفككه لأبينه للمخلصين من أعضاء الجماعة والذين أشكل عليهم الأمر، ثم حجة وشهادة على المشاركين المنتفعين، والصامتين خوفا، والساكتين كسلا، والمراقبين من بعيد حيلة ومكرا، والمدعين أنهم أكاديميون محايدون مؤدبون، والممسكين بالعصا من المنتصف ومبتكرى سياسة الباب المفتوح، ومدعي الحكمة المزيفة بالصمت عند الفتنة. وسأظل أكرر وأكرر حتى أنجح في إيقاظهم وتحريكهم أو أموت دون ذلك ثابتا على ديني وفيا لدعوتي ورسالتي وحبي وإخلاصي لوطني.

عنوان أزمة أعضاء الإخوان المسلمين هو: الاستسلام والانقياد الأعمى لقيادة غير شرعية وضعيفة.. قيادة فرضت نفسها بقوة التربيط الداخلي فيما بينها سرا، وبقوة تجهيل الأعضاء بالمعلومات والحقائق، وبقوة الترغيب والترهيب.

الأسباب الكامنة وراء سلبية أعضاء الإخوان المسلمين وصمتهم على قيادتهم الفاسدة

أولا: أسباب مفاهيمية خاصة بمنظومة من المسلّمات الخاطئة التي شكلت ثقافة عامة لدى الإخوان، تكثفت تحديدا خلال العقود الثلاثة الماضية، أغلبها تم تضمينه داخل المناهج التربوية الخاصة للإخوان:

1- الخلل الكبير في البنية المفاهيمية التفصيلية لقيم الطاعة والجندية والثبات والصبر والثقة واحترام القيادة، وإعادة إنتاجه بأيديولوجيا خاصة جدا تجمع بين تقديس الأشخاص، ونظم الجندية المجردة من المرجعية الدينية. والحق هو إعادة تنقيح وضبط البناء المفاهيمي لهذه القيم بمسطرة القرآن الكريم والهدي النبوي، والفهم المقاصدي المحكم المؤصل.

2- سيطرة فكرة القدرية (الجماعة ربانية ولا تسير وحدها، إنما تسير بقدر الله الراعي لها في كل خطواتها) على ثقافة وتفكير غالب أعضاء الجماعة والحرص المستمر على تعزيزها من قبل القيادة، بما يوفر غطاء دينيا للاستمرار في مواقع القيادة حتى الممات، والتبرير للكثير من الأخطاء والإخفاقات.

3- تقديس القيادة والمبالغة والإفراط الكبير في احترامها، وتنزيهها عن الخطأ، وعدم افتراض خطئها أو انحرافها، عبر عدة مفاهيم جزئية تشكل في مجملها هذه الأيديولوجيا غير الصحيحة؛ بأنها قيادة ربانية، بلغت الأستاذية بسبقها الدعوي وثباتها لسنوات طويلة وتحولها إلى قيادة تاريخية وبلغت درجة القيادة الملهمة، فيتم ربطها مباشرة بالقيادة النبوية، ومجرد افتراض خطئها هو سوء ظن بها، كما أنها فوق المحاسبة. ومبدأ التعامل الواجب تربويا وتنظيميا هو الانقياد التام والاستسلام الكامل للقيادة، كما الميت بيد مغسله. والحق أن أفعالها اجتهاد وتربيطات داخلية خارجة عن المعايير المؤسسية اللازمة لضمان تحقيق غايات ومقاصد الدين من العمل الجماعي المؤسسي المنظم، والعبرة في القيادة هي الأهلية والمعايير.

4- كثير من أفراد الإخوان يعتقدون أن اختيار القيادة وخاصة مكتب الإرشاد من الأمور التي يجب أن لا يكون لهم علاقة أو اطلاع عليها، إلا بما تريد قيادة الجماعة إطلاعهم عليه، أو تكليفهم به. والحق هو أن اختيار القيادة واجب أفرادها، والأفراد محاسبون على قرارات وأفعال قادتهم، والمسؤولية والمحاسبة مشتركة.

5- غياب ثقافة القيادة ومعايير اختيارها وفق أسس وضع القرآن الكريم غايتها وملامحها وحدد الفكر السياسي والإداري الحديث معاييرها وشروطها، وإحلالها بمعايير خاصة جدا، خاصة بالسبق وطول فترة السجن والثبات، والسمع والطاعة وسهولة الانقياد والتماهي في الأفكار من القيادة، مع تغليف ذلك بسلسلة إجراءات مغلفة بالشورى واللائحة.

6- سيطرة ثقافة الطاعة الكاملة، وتجريم التفكير خارج السياق العام لتفكير القيادة واعتباره تمردا على توجهات وأفكار ومشروع وبرنامج عمل الجماعة.

7- اعتبار أن نقد أو التحقيق مع أحد قيادات الإخوان مع توافر الأدلة والمستندات؛ تجريما للجماعة ذاتها. والحق هو أن جميع البشر قابلون للخطأ، ومن ثم المحاسبة. كما أن الفصل بين الأفراد والمؤسسة أمر طبيعي، كما أن خطأ بعض قيادات الجماعة أمر طبيعي، ومتكرر وحدث في عهد الصحابة ذاتهم.

8- سيطرة فكرة "أنت بالجماعة كل شيء وبدونها لا شيء. وانظر إلى من ترك الجماعة أين هم الآن؟ لقد تم تجريمهم ووسمهم بالمتساقطين على الطريق. والحقيقة أن الإنسان بعقله وفكره يمكن أن يفعل كل شيء، وأن الله تعالى قد يصلح أمة بهمة رجل واحد. كما أن قيمة الجماعة ذاتها بإجمالي القيمة المضافة لأفرادها، فإن كانوا ضعفاء ضعفت وإن كانوا أقوياء قويت. كما أنه ليس كل من ترك الجماعة كان متساقطا، لكن من يفكر ويختلف، بل بعضهم تحول لأعلام كبيرة، كالغزالي والقرضاوي وسيد سابق وسعيد حوى، والكثير والكثير مما أكد فكرة أن الجماعة بمثل هذه القيادات طاردة لأصحاب المواهب والقدرات الخاصة.

9- الخلط بين منهج "ما بال أقوام" كوسيلة تربوية وبين الإصلاح القيادي والتنظيمي والإداري والتطبيق العملي لتوجيهات القرآن الكريم (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة- وأتبع سببا- وقل اعملوا) لوقف الفساد ورفع الظالم.

10- اختزال فهم الإصلاح والتطوير في تقديم جديد وبدائل إصلاحية فقط، وليس وقف نزيف الانحراف والخطأ والفساد وطرد أصنام الإعاقة الذاتية، ومعاول الهدم الداخلية.

ثانيا: أسباب تنظيمية خاصة بنظام القيادة والإدارة الداخلية بتنظيم الإخوان

1- غياب المفاهيم والمقاييس المعيارية المؤسسية المكتوبة الحاكمة والمنظمة لعمل الجماعة كأحد أهم مقومات العمل المؤسسي المنظم في مجالاتها المختلفة، بداية من ترشيح واختيار ومراقبة ومحاسبة وتداول القيادة، إلى صناعة قراراتها وإجراءات تنفيذها وتقويمها وتقييمها، لحساب المفاهيم والمعايير الخاصة المتنوعة والمتباينة وغير المعلنة، ولكنها حاكمة بحسب القيادات وجماعات الضغط المسيطرة.

2- عدم الرغبة في التفكير الجديد، وغير التقليدي، واعتباره خروجا عن النسق الأصولي للجماعة، ومن ثم تجريم وتحريم النقد والمراجعة واعتباره تهديدا وخطرا على الجماعة وقيادتها.

3- منع حرية تداول المعلومات وقصرها على دوائر ضيقة جدا، تصل أحيانا لفرد واحد، مما ساهم في تعزيز منهج الإدارة بالتجهيل، عبر استئثار قلة قليلة بالمعلومات والرؤية الأكثر اتساعا والأقرب للواقع.

4- الإصرار على فكرة ومنهج السرية والتعايش معها وإدمانها وتوريثها، حتى أصبحت نمطا وثقافة حياة مفيدة كثيرا للقيادة في إحكام قبضتها على التنظيم ومقدراته، وسهولة قيادة هذا التنظيم الضخم بكلمات قليلة وربما إشارات اليد والعين، بالرغم من منافاتها للفطرة البشرية والاجتماعية والمؤسساتية، والتي كانت لها تداعيات استراتيجية سلبية على البنية النفسية والتربوية لقيادات وأفراد الجماعة، وعزلها مجتمعيا وضربها سياسيا.

5- اتخاذ نمط المركزية في إدارة التنظيم، والتركيز على إحكام السيطرة على أفراد التنظيم بدعوى المحافظة على التنظيم وقوته وفاعليته. والحقيقة هي أنهم تنظيم إصلاحي يمارس أعمالا تربوية وثقافية واجتماعية سعيا لإصلاح وتحولات اجتماعية للناس كافة، وليس تنظيما أو حدة عسكرية.

6- الفهم الخاطئ والاختزال المشين للمؤسسية في ممارسة بعض أشكال الشورى وغير المتوافرة الأركان الشرعية، واختزال الشورى في التصويت على بعض القرارات والأعمال التي ترغب القيادة في توثيقها وإشراك الأفراد في تحمل مسؤوليتها.

7- عدم معرفة الأفراد باللائحة، وحجب حرية تداول المعلومات بين أفراد الجماعة بحجة السرية والملاحقة الأمنية.

8- تلاعب القيادة الحالية باللائحة بتنفيذها وقت الحاجة وتجاوزها في موقف آخر، واستدعاء مجلس الشورى عند الحاجة وتجميده وتغافله وتهميشه عند الحاجة.

9- فكرة وممارسة المبايعة والطاعة المستمرة دون معايير واستحقاقات ومعطيات شرعية وعلمية حقيقية، لأفراد لا يعرفهم ولم يلتقِ بهم ولم يدرس سيرتهم الذاتية ولم يتعرف على إنجازاتهم وإخفاقاتهم.. الخ؛ خلال مسارهم بالعمل بالجماعة، لمجرد أن فلان زكّاه أو اختاره. والحق أنه لا مبايعة ولا طاعة إلا بعلم ويقين ورأي محقق على أسس ومعايير. وقد رفض وعلق بعض الصحابة مبايعتهم لاسباب ومعايير خاصة من وجهة نظرهم. وفي حديث "لو أطاعوه ودخلوها ما خرجوا منها"، أي من النار، ما يكفي ويؤكد جرم المبايعة والطاعة العمياء، وآثارها التدميرية على الفرد وعلى القيادة وعلى الجماعة نفسها.

10- تشريع اعتماد وفرض ثقافة خاصة لدى الجماعة مفادها قل ما تراه ونحن نعمل ما نريد، بمعنى قل ما تراه وقد أديت واجبك الشرعي في النصح وبرأت ذمتك أمام الله تعالى، وللقيادة التي تعلم بواطن الأمور وتمتلك المعلومات أن تتخد ما تراه مناسبا، فعلى الأفراد أن يُحسنوا الظن بقيادتهم.

ثالثا: أسباب اجتماعية واقتصادية وأمنية نتيجة للانقلاب

وقد أدت إلى تشرد أعضاء الجماعة وحاجتهم الملحة إلى تأمين مأوى وعمل ومصدر دخل يؤمن معيشتهم واحتياجاتهم الأساسية، الأمر الذي قوبل بصرامة مفاجئة من قيادة الجماعة، وبسياسة من ليس معنا ويدافع عنا ويروج لنا فليس معنا ومحروم من رعايتنا ودعمنا، ما دعا بالكثير من الأعضاء إلى التعايش المؤقت حتى يجد حلا وسبيلا آخر، ومن ثم آثر الصمت التام.

اللهم قد بلغت اللهم فاشهد، سائلا المولى عز وجل وداعيا كل أخ من أبناء دعوة الإخوان المسلمين مراجعة أفكاره في ضوء ما شرحته، وتبين الصواب من الخطأ وإعادة تشكيل موقف إيجابي نحو إصلاح جماعته، بقيادة علمية قوية شرعية منتخبة، وتمثل فكر الجماعة ورسالتها وقوة وإخلاص أعضائها، ولتعلن للعالم أجمع انتهاء عهد السرية والتحول إلى العمل العلني الشفاف الذى يؤسس لعمل مؤسسي حقيقي، خاصة وأن دولة تركيا لا تمانع في تأسيس جمعيات والإعلان عنها والعمل بكل شفافية.. والتحول من الانقسام إلى الوحدة، ومن التفريط في الأعضاء وتجميدهم وطردهم إلى لمّ الشمل الحقيقي، ومن الجمود والموت السريري إلى العودة إلى الحياة واستمرار العمل، واستكمال ثورتنا المجيدة، وتحرير مصر واستكمال مسيرة التحول الديمقراطة والتنمية التي بدأها أول رئيس منتخب في تاريخ مصر الحديث.