سياسة عربية

"الماسونية في تونس".. هل كان بورقيبة والثعالبي والأمير عبد القادر"ماسونيين"؟

جدل في تونس حول علاقة محتملة للرئيس السابق وسياسيين مغاربيين بالماسونية (أرشيف)

اعترض كبير المؤرخين التونسيين والمدير العام السابق للمكتبة الوطنية التونسية خليفة شاطر في حديث لـ "عربي21" على التصريحات التي صدرت مؤخرا عن السفير والقيادي في الحزب الحاكم في تونس، قبل 1986، أحمد القديدي والتي أورد فيها أن الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة انخرط في "الحركة الماسونية العالمية" عشية استقلال تونس بطلب من رئيس الحكومة الفرنسية أنذاك ادغار فور.

 



كما قلل المؤرخ الجامعي لطفي الشايبي مؤلف كتاب "الماسونية في الوطن العربي" في حديث لـ "عربي21" من جدية تصريحات أحمد القديدي صديق رئيس الحكومة الأسبق محمد مزالي والمدير السابق لجريدة العمل الناطقة باسم الحزب الحاكم عن علاقة بورقيبة بالحركة الماسونية نسبة إلى شهادة عن جلسة استماع عقدها القديدي مع رئيس الحكومة الفرنسية عشية الاستقلال قبل 1955 ادغار فور".

 

 


واستدل المؤرخ خليفة شاطر على "استبعاد انتماء بورقيبة والمقربين منه للحركة الماسونية" بسلسلة المقالات العلمية والأبحاث التاريخية المعمقة التي سبق له أن نشرها في مجلات متخصصة عن الحركة الماسونية في أوروبا وبلدان شمال إفريقيا والعالم العربي والإسلامي، من بينها مجلة "كراسات المتوسط" التي أعد لها في 2006 مقالا مطولا عن "حركة البنائيين الأحرار في تونس في الحقبة الاستعمارية" وتحديدا في مرحلة 1930 ـ 1956.

كما انتقد المؤرخ خليفة شاطر بعض الاستنتاجات التي توصل إليها زميله المؤرخ التونسي لطفي الشايبي عن "الماسونية في الوطن العربي" وعن "انتماء بعض قيادات الحركة الوطنية في تونس والجزائر والمغرب والدول العربية والإسلامية إلى حركة "البنائيين الأحرار" التي يربط كثيرون بينها وبين "الحركات اليهودية العلمانية العالمية التي كانت تخدم المشاريع الاستعمارية والمشروع الصهيوني في فلسطين بذكاء من خلال الترويج إلى قيم التسامح والانفتاح وتهميش دور الخصوصيات الثقافية والدينية..".

وفي الوقت الذي يؤكد فيه المؤرخ لطفي الشايبي على انتماء الزعيم الوطني التونسي والعربي والإسلامي عبد العزيز الثعالبي وعدد من رفاقه إلى "الحركة الماسونية" العالمية وأذرعها في الهند وفي الوطن العربي، يعتبر الأستاذ خليفة شاطر أن "كل الوثائق المكتوبة والمصادر التاريخية الدقيقة تدفعنا إلى استبعاد انتماء بورقيبة والثعالبي وكل القياديين في الحزب الدستوري التونسي "القديم" و"الجديد" إلى الحركة الماسونية.

كما استبعد "تورط" زعماء وطنيين بارزين من الحركة الوطنية الجزائرية والمغربية في مثل هذه الانتماءات.

 

 


لكن محمد الطاهر الشايبي صاحب كتاب "الماسونية في الوطن العربي" يعتبر أن "الحركة الماسونية العالمية لديها ملايين الأعضاء ينشطون في جمعيات ثقافية ورياضية وخيرية قريبة منها بينهم آلاف السياسيين العرب والمغاربيين وشخصيات تونسية لديها تأثير في مؤسسات صنع القرار في الدولة والأحزاب".

وحذر الشايبي في ملتقى علمي نظمه مركز تونس لجامعة الدول العربية من ظاهرة انخراط سياسيين ومثقفين وفنانين من تيارات وديانات مختلفة في الحركة الماسونية اليوم أيضا، بالرغم من كون الانتماء "كان يهم أساسا الأوروبيين واليهود والمسيحيين قبل الحرب العالمية الثانية".

وكشف خليفة شاطر في دراسة مطولة أن من بين 46 شخصية ماسونية في تونس بعد الحرب العالمية الثانية هناك 3 شخصيات تونسية مسلمة فقط، والبقية من الفرنسيين والإيطاليين واليهود..

لكن المؤرخ والكاتب لطفي الشايبي سجل أن وثائق فرنسية موثوق بها تؤكد انتماء شخصيات تونسية ومغاربية وعربية وإسلامية للحركة الماسونية العالمية، بينها رموز سياسية وقع الكشف عن الدفاتر التي تنص على أسمائها عند غزو ألمانيا لباريس في 1942 ثم عند كشف الجنرال الفرنسي فيشي عن كثير من تلك الأسماء من بينها رئيسا الحكومة لاحقا محمد الصالح المزالي وصلاح الدين البكوش والوزير والكاتب عبد الجليل الزاوش وبعض رموز حركة الشباب التونسي والحركة الوطنية الثقافية التحديثية أواخر القرن 19 ومطلع القرن 20..

وقد اعترف مزالي في كتاب عن سيرته الذاتية كتبه في السبعينيات من القرن الماضي بانتمائه للحركة الماسونية وأن اسمه وقع الكشف عنه ضمن الأرشيف الذي ضبطته القوات الألمانية عند احتلال فرنسا في 1942.

كما لم يستبعد الشايبي انخراط شخصيات رمزية أخرى مباشرة وغير مباشرة في الحركة الماسونية "عن قصد أو عن حسن نية" من بينها الزعيم الوطني محمود الماطري والشيخ عبد العزيز الماطري وزعيم الكفاح الوطني الجزائري الأسطوري الأمير عبد القادر ثم بعض تلامذته ورموز التيار الوطني الجزائري والمغربي في القرن العشرين.

من جهة أخرى تتميز إعادة فتح ملف "العلاقات السرية" لبعض السياسيين التونسيين مع الحركات "الماسونية" العالمية بتنوع أنشطة فروع المنظمات القريبة منها في شمال إفريقيا والوطن العربي ضمن برامج ثقافية وترفيهية ورياضية واجتماعية، لا سيما عبر "نوادي روتاري".

وفي الوقت الذي تؤكد فيه تلك "الفروع" على حيادها سياسيا وعلى انفتاحها ودعمها للقيم الديمقراطية والعلمانية والحداثية تصر بعض الأطراف السياسية والحزبية على اتهامها بربط علاقات مع "لوبيات استعمارية" جديدة .

وقد سبق لعدد من الحكومات ووزارات الخارجية في المنطقة أن استبعدت ديبلوماسيين ومسؤولين في الدولة بعد أن اتهمتهم في قضايا "شبهة تضارب مصالح" وإقامة علاقات "غير واضحة" مع لوبيات "ماسونية"(؟)..

فهل يتعلق الأمر بـ "مخاطر جديدة" تهدد السيادة الوطنية في الدول المغاربية والعربية أم بمجرد "زوبعة في فنجان" لصرف أنظار الشعوب والنخب عن التحديات الاقتصادية والسياسية والأمنية والثقافية الخطيرة التي تواجهها اليوم؟