قضايا وآراء

الحرية لأطفال مصر

1300x600
فَزِعت، وتملكني الخوف الشديد فور سماع نبأ تعرض عددٍ من الأطفال للاعتقال التعسفي، أثناء تجمعات سلمية في أماكن متفرقة في جمهورية مصر العربية. وقد تابعتُ ذلك من خلال ما رصده مركز بلادي للحقوق والحريات (مركز حقوقي مقره مصر) حيث تم القبض على 39 طفلا، من ضمن من تم القبض عليهم على هامش تظاهرات الـ20 من أيلول/ سبتمبر 2020، وتم التحقيق معهم على ذمة القضية رقم 880 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا، وتقرر حبس الأطفال بقرارٍ من نيابة أمن الدولة العليا في التجمع الخامس بالقاهرة، عدا طفلين تم إخلاء سبيلهما يوم السبت 16 أيلول/ سبتمبر بعد القبض عليهما منذ أكثر من أسبوع تقريبا، وهما يحيى خالد عبد الرازق (11 عاما)، ومعتز أحمد عبد الحارث (12 عاما). وقد تم اعتقالهما في منطقة غرب سهيل التابعة لمحافظة أسوان، وكان إخلاء سبيلهما قد جاء نتيجة ضغوط صعيدية نوبية، ولم يكن نتيجة تطبيقٍ لقانون، أو حتى تعاطفا مع طفولتهما، أو بشاعة ما تعرض له الطفلان من اعتقالٍ تعسفي في محافظة أسوان ثم ترحيلهم للتحقيق معهما في نيابة أمن الدولة العليا، جراء قبضٍ عشوائي للشرطة المصرية التي لا تعرف قانونا، ولا تحترم إنسانا ولو كان طفلا. ثم في يوم الأحد (27 أيلول/ سبتمبر) قرر النائب العام إخلاء سبيل جميع الأطفال الذين تم القبض عليهم وعددهم 68 طفلا.

حسنا فعل النائب العام حين أخلى سبيل جميع الأطفال، لكن هذا ما دأبت عليه الشرطة المصرية، فلم يكن اعتقال الأطفال حدثا مفاجئا قدر أنه مروع ومخيف لما تحمله ذاكرتي من مأساةٍ تعرض لها أطفال مصريون، سطرت التقارير الحقوقية معاناتهم خلال السبع سنوات الماضية، حيث قضوا سنوات طفولتهم ما بين جدران دور رعاية الأحداث، والمؤسسات العقابية، ثم تجاوزوا سن الثامنة عشر، فلم تشفع لهم براءة طفولتهم عند السلطة المصرية، كي تخرجهم من دور العقاب والإهانة والاغتصاب، بل أخرجتهم ونقلتهم إلى السجون ليقضوا حبسهم ويفقدوا حريتهم أكثر داخل السجون مع البالغين!!

آلاف الأطفال أعمارهم ما بين الثالثة عشر والسابعة عشر سنة، تم القبض عليهم وحبسهم على ذمة قضايا رأي والتظاهر بدون تصريح. وحسب مصادر غير رسمية، فقد وصل عددهم إلى ما يزيد عن ثلاثة آلاف طفل، خلال السنوات من 2013 إلى 2017. وفي تقرير صدر عن التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، ذُكِرَ أن عدد الأطفال المعتقلين في مصر من تموز/ يوليو 2013 وحتى نهاية 2016 بلغ 4000 طفل. وفي تقريرٍ أصدره الفريق المعني بالاعتقال التعسفي التابع للأمم المتحدة في تموز/ يوليو 2015، أكد فيه أن اعتقال الأطفال في مصر "منهجي وواسع الانتشار". وقد ذكر التقرير التجاوزات التي يمارسها النظام المصري بحق الأطفال القُصر، وأوضح أن الأطفال الذين تم اعتقالهم منذ أحداث حزيران/ يونيو 2013 وحتى نهاية أيار/ مايو 2015، بلغ عددهم 3002 طفل تعرّض معظمهم للتعذيب والضرب المبرح داخل مراكز الاحتجاز.

وبالإضافة إلى ذلك، فقد رُصِدَ أن عددا من الأطفال قد حُكم عليه بالسجن لمددٍ متفاوتة تراوحت ما بين عامين وثلاثة أعوام. وفي بعض القضايا تجاوزت أحكام السجن بحق الأطفال (ذكورا وإناثا) العشر سنوات، هذا غير من ظلوا رهن الحبس الاحتياطي لسبع سنوات دون محاكمة.

أما الإعلام المصري الموالي للسلطة المصرية فقد سَخرَ من خروج الأطفال للتعبير عن رأيهم، ما بين مسفهٍ، ومعترضٍ، واصفا ذلك باستغلال الأطفال، ناسيا أو متجاهلا أن للطفل الحق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حرية طلب جميع أنواع المعلومات والأفكار وتلقيها وإذاعتها، دون أي اعتبار للحدود، سواء بالقول أو الكتابة أو الطباعة، أو الفن، أو بأية وسيلة أخرى يختارها الطفل. هكذا جاء نص المادة 13 من اتفاقية حقوق الطفل التي اعتمدت من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقد اختار الطفل التظاهر والهتاف تعبيرا عن رأيه وحريته.

أما في القانون المصري، فقد جاء في نص المادة (1) من قانون الطفل المصري رقم 12 لسنة 1996، والمعدل بالقانون 126 لسنة 2008: "تكفل الدولة حماية الطفولة والأمومة، وترعى الأطفال، وتعمل على تهيئة الظروف المناسبة وتنشئتهم التنشئة الصحيحة من كافة النواحي في إطار من الحرية والكرامة الإنسانية، كما تكفل الدولة، كحد أدنى، حقوق الطفل الواردة باتفاقية حقوق الطفل وغيرها مـن المواثيق الدولية ذات الصلة النافذة في مصر".

فنصوص ومواد القانون والاتفاقيات والمواثيق الدولية تُولي الطفل عناية ورعاية تامة، لكنها في الواقع العملي المصري حبرٌ على ورق، فحقوق الأطفال طالها ما طال كافة الشرائح من انتهاكات بل أسوأ، إنهم يقتلون مستقبل مصر، لذا فالحرية للأطفال، الحرية لمصر.